آراء وتحاليل

ديمقراطية تونس تزعج…

بقلم: حمزة زايت / باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

يعود المشهد السياسي التونسي للحركة ويحرك معه أزمة داخل البرلمان المنتخب أواخر أكتوبر الماضي، أزمة بدأت حين صرح الرئيس “قيس سعيد” قبل حوالي أسبوعين عن امتعاضه من ظاهرة وصفها بـ “السياحة السياسية”، وكان المقصود هنا ظاهرة الانتقال التي انتهجها وينتهجها بعض النواب في البرلمان التونسي، أي أنه وبمجرد أن ينتخب أحدهم ضمن قائمة حزب معين، يقوم بتغيير القبعة السياسية أثناء نفس العهدة النيابية ولأتفه الأسباب السياساوية، مما يؤكد حسب الرئيس تسبيق هؤلاء لمصالحهم الشخصية على حساب مصالح مُنتَخِبِيهِم.
بالعودة قليلا الى الوراء، وبالتحديد شهر أواخر السنة الماضية، تَمخضَ عن الانتخاباتِ التشريعية التي توسطت نظيرتها الرئاسية، تشكيلةٌ تشريعيةٌ وصفت بحسب متتبعين بأنها فُسيفسائية، إذ تراجع فيها “حزب النداء” الذي أسسهُ الرئيسُ السابق “الباجي قايد سبسي” رحمه الله، في مقابلِ سطوعِ نجم حزب جديد حلّ ثانياً (38 مقعد) ، هذا الحزب هو “قلب تونس” لصاحبه رجل الاعلام والأعمال “نبيل القروي”، بينما حصل ائتلاف الكرامة لرئيسه “سيف الدين مخلوف” على المرتبة الثالثة، وحل حزب تيار الديمقراطي رابعاً لـ “محمد عبوّ”، أما الحزب غير الشقيق “لقلب تونس” والابن غير البار لـ “نداء تونس” الذي يرئسه رئيس الحكومة آنذاك “يوسف الشاهد” وهو “تحيا تونس” فحل خامساً، لكن الصدارة بقيت لـ “حركة النهضة” رغم تراجعها نوعا ما مقارنة بالتشريعيات السابقة سنة 2014، كل هذا لم يمنع أن يكون “راشد الغنوشي” رئيسا للبرلمان وهو رئيس حركة النهضة في نفس الوقت.
هذا المشهد التشريعي “الفسيفسائي” والتحالف الذي نتج عنه بعد ذلك، اعتبره الكثيرون يحمل بوادرَ فشله منذ ولادته، إذ بحسبِ هؤلاء لا يمكن لأقطاب سياسيةِ تحملُ اختلافا ايدولوجيا وفكريا عميقا أن تسوق لمشروع سياسي بعيد الأمد، أي أن “حركة النهضة” مثلا ذات التوجه الإسلامي لا يمكن أن تتوافق طويلاً مع حزب “قلب تونس” ذو التوجه العلماني لحدٍ ما، وهو ما ظهر جلياً بمناسبة التصويتِ على حكومةِ “الحبيب الجُملي” والتي فشلت في نيل ثقة البرلمان، كونَ الأغلبية النسبية التي تملكها “النهضة” (52 مقعد من اجمالي 217) لم تستوفي النصابَ الدستوري، ما يجب الإشارة إليه أن كل من حزب “نداء تونس”، “قلب تونس” و”تحيا تونس” تدور في فلكِ ما يعرفُ ببقايا “العهد البائد”، بل إن بعضهم كان من قياديي حزب “التجمع الدستوري” لرئيس تونس الأسبق “زين العابدين بن علي”.
من المنتظر أن تعقد جلسة برلمان بحر هذا الأسبوع بغاية مسائلةِ رئيس البرلمان نفسه عن تحركاته السياسية، والتي يراها البعض ومنهم نواب أن فيها ميلٌ لتكتلاتٍ خارجية ومحاولة جعل تونس نقطةَ عبور لتدخل أجنبي في دول المنطقة، وتعرف أيضا التصرفات الإقليمية لرئيس البرلمان رفضا نوعيا من طرف عديد الأحزاب، في ريادة هذه الأحزاب “الحزب الدستوري” برئاسة “عبير موسي” أبرز الدعاةِ لسحب الثقة من “راشد الغنوشي” حتى اذا تكلف ذلك حلُ البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مسبقة، بل ذهبت “موسي” بعيدا ووصفت هذا الواقع بأنه حكم الإخوان في تونس وجب التخلص منه، يحدث هذا في ظل نوع من البرودة تعرفها العلاقة بين الرئيس التونسي “قيس سعيد” ورئيس البرلمان “راشد الغنوشي”.
الاتحاد العام التونسي للشغل التنظيم القوي في البلاد ليس متمسكاً كثيرا بسيطرة حركة النهضة على المشهد النيابي التونسي، خاصة والأوضاعُ الاجتماعية التي تعيشها البلاد، وتراجعِ مداخيل الاقتصاد التونسي جراء أزمة كورونا العالمية.
من جهة يتوقع الكثير من المراقبين إمكانيةَ الوصول الى مخرج دستوري وسيط للتخلص من هذه الأزمة، الحل يتمثل في استقالة رئيس البرلمان الحالي “راشد الغنوشي” ولا يُمانع أن تُسَبَبَ استقالته لدواعي صحية، بينما يتم بعدها التوافق على خلفه حتى وإن كان من حركة النهضة، هذا الطرح قد ترفضه الجبهة التي تقودها “عبير موسي”، والتي هي راديكالية الطرح بحسب نفس المراقبين.
من جهة أخرى يوصف الوضع من طرف مواليّ “حركة النهضة” أنه محاولة لإحداث ما يُعرف بثورة مضادة في تونس، فالتجربة التونسية الديمقراطية أصبحت مزعجة بالنسبة لقوى إقليمية لا ترغب أن تنتقل عدوى الديمقراطية إليها أو الى دول عربية أخرى، وهو ما أكده الرئيس التونسي “المؤقت” الأسبق “منصف المرزوقي” في أحد تصريحاته، هذا الطرح الى حد ما منطقي لكنه لا يستحق كل التوهيل الذي طاله من النهضة ومواليها.
من المؤكدِ أن التجربةَ التونسية ننظرُ لها كعرب بصفة عامة وكجزائريين بصفة خاصة، بنوع من الإعجاب والأملِ في نفس الوقت أن تطالنا يوماً ما، لكن أطراف اخرى لا تقاسمنا الأمل والإعجاب كون مصالحها حسب نظرها لا تتلاءم وهذه التجربة، وعليه فإن تونس اليوم تحمل عبئ كل العرب على عاتقها، فهي المثال والقدوة، وهي النموذج الناجح لثوراتِ الربيع العربي، وحتى حركة “النهضة” فليست بذلك الحزب الهاوي سياسيا الذي يمكن أن يعرض البلاد الى مخاطر الانزلاق في أزمات خارجية، ورئيس الحركة “الشيخ راشد الغنوشي” أذكى من أن يسير بالبلاد الى أزمة سياسية ودستورية حقيقية، فهل ستكون نهاية “الغنوشي” وحركته؟ وهل كل هذه التطورات هي مساعي لخلق ثورة مضادة فعلاً؟ وهل أصبحت تونس وديمقراطيتها الناشئة مصدر ازعاج؟

مقالات ذات صلة

إغلاق