آراء وتحاليل

نوفمبر في الزنزانة

في البدء كانوا يعتقلون أولئك اللصوص أصحاب البدلات الأنيقة مثل أناقة نُدل المطاعم الفاخرة، فالأنذال أكثر مَن يهتم بأناقة نفسه في هذا البلد عادة، لكن تبدو الآن كأنها مسرحية “صموئيل بيكيت” عن العبثية، فلا يمكن أن يكون سجن الشرفاء إلا عبثا وماذا عسانا نقول في عيد التحرير الوطني سوى قولنا بِخجل: نوفمبر في الزنزانة يا سادة الوطن الشهداء!

ما الذي يحدث؟! الذي يحدث وبإيجاز هو أن النظام الهَرِم يستخدم اسم ثورة نوفمبر مِن أجل تقديم الأولوية والأحقية لنفسه في التفرد بالحكم وهذا ما يُعرف باسم الشرعية الثورية التي يُفترض أن تكون قد انتهت بعد اكتمال ثورة التحرير عام 1962 أو تكون قد انتهت على الأكثر بعد العشرية الأولى من الاستقلال.

في المُقابل يبحث الشعب عن شرعية عقلانية تُحفزه على احترام السلطة الحاكمة والامتثال لأوامرها ونواهيها، وهذا ما لم يجده مع نظام صار يشعر معه بِعدم الجدوى؛ نظام بلغ مِن الكِبر عُتِيا واشتعل رأسه شيبا، فرفع الجزائريون لأول مرة وبكل شجاعة في حراك 22 فيفري مطلب إحالة جبهة التحرير الوطني إلى المتحف وإلغاء وزارة المجاهدين. المشهد الكوميدي في كل هذا الأمر هو هُتاف منظمة المُجاهدين بإحالة جبهة التحرير إلى المتحف بينما ينادي الأفلان بإلغاء وزارة المُجاهدين، ولا أحد منهما يريد أن يستوعب الرغبة الشعبية لهذه الأجيال الشابة في مُقاطعة المُتاجرين بالشرعية الثورية.

وَيْ كأنَّ هذا النظام يتاجر باسم ثورة نوفمبر على مقاسه المُتغير مثل حمالات الصدر المُتغيِّرة مع تحولات الصدر وتمدداته بعد الزيجة؛ تارة يحتفي به وتارة أخرى يَزُجُّ به في السجن مثلما فعلوا برمزه التاريخي المجاهد الرائد “لخضر بورڨعة” لمجرد أنه صدح بتلك الحقيقة عارية:”إن السلطة وضعت خطتها ولها اسم الرئيس المقبل؛ وتبحث عن رئيس من أجل منحه الشرعية”. وإلى جانب الرموز الآدمية التاريخية فإن أكثر المُصطلحات عُرضةً للظلم هو مُصطلح ” الباديسية النوفمبرية”. لقد جعلوا المُجاهدين نُكتة سائغة في أفواه الشباب الذين يتساءلون بلغة ساخرة؛ كم كان عدد الجزائريين في عهد الاستعمار الفرنسي حتى صار عدد المجاهدين يُعَدُّ بالملايين الآن؟!! ..وهكذا جعلوا شهر الثورة نوفمبر وبن باديس نكتة في أفواه الساخرين والجهلة بالتوظيف الغبي والبشع مِن النظام لهذا المصطلح سعيا منه لحل مشاكله مع الشعب ومع النشطاء المزدحمة صدورهم برغبة التغيير وحلم النهضة.

بقلم: فايزة سعد لعمامري

مقالات ذات صلة

إغلاق