آراء وتحاليل

قم ترى “تكتيك” الأفافاس

يكتبها الدكتور مراد ناهي

ما الذي حدث للأفافاس حتى تحول من أشد معارض سعى منذ 1963 إلى إسقاط النظام، إلى أشد موال سعى منذ 2012 إلى الإبقاء على النظام، المتتبع لخطاب الأفافاس سيستنتج حتما أن منطق الأفافاس متناقض، فعندما كان في المعارضة دأب على تقديم الدروس للجميع، الآن وقد تحول إلى الموالاة فهو يواصل تقديم الدروس للجميع كذلك، تغير راديكالي واضح في الخطاب السياسي، فمذ خروج الأفافاس من السرية إلى العلن بعد أحداث أكتوبر 88 ودستور 89، شب على ترديد نفس الخطاب: اطلاق صراح المخطوفين، حل البوليس السياسي، مجلس تأسيسي، جمهورية ثانية، إرساء الديمقراطية، فتح قضايا الاغتيالات السياسية، محاسبة مافيا المال، ووصل به الأمر إلى أن طلب من الغرب الضغط على السلطة، واتبع نفس المنهج النظالي، مقاطعة الانتخابات، مقاطعة الحوار مع السلطة وأحزابها، رفض كل إغراءات السلطة، الآن وقد دخل ملعب النظام أصبح يتفنن في وضع الخطط التكتيكية التي عجز حتى أنجع المدربين في تطبيقها، وشاب على ترديد نفس الخطاب السياسي كذلك، ضد اسقاط النظام، ضد تفعيل المادة 88، واتبع نفس النهج السياسي، ضد مقاطعة الانتخابات، مع الحوار مع السلطة وأحزابها، قبول كل ما تقدمه السلطة، فهل أصبح الأفافاس يمارس السياسة حسب إمكانياته بعد أن تفطن أنه لم يعد يملك إمكانيات ممارسة سياستة ؟.

ما حقيقة قيام مجموعة من الأشخاص النافذين، تربطهم بالزعيم أيت أحمد روابط عائلية وعلاقات صداقة، بعزل كريم طابو من منصب السكرتير الأول للحزب في 2011 موازاة مع بدايات الربيع العربي في تونس ومصر، وأثناء نزول التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية إلى الشارع، هل كانت هذه العملية بمثابة ضربة استباقية لإزاحة كل عائق يحول دون فتح حوار يجمع هذا الحزب بالسلطة، هل كانت الاستجابة للجنة بن صالح بداية مسيرة الحياد عن المسار التاريخي للحزب، هذا ما فهمه الكثير من مناضلي القاعدة بعد خروج القائمين على الحزب عقب عقد مجلسهم الوطني في 3 مارس 2012 ببيان قرار المشاركة “التكتيكي” في تشريعيات ماي 2012،.

هذه الخطوة التي عرفها الأفافاس أدت إلى استقالات بالجملة لمناضليه خصوصا بعد أن تم غزل قوائم المترشحين لعضوية البرلمان على المقاس، وتم ترشيح أفراد على رأس القوائم الانتخابية لا تربطهم بالحزب أية صلة نضالية كما جرى في قائمة الجزائر العاصمة، عندما نُصَّب مصطفى بوشاشي على رأسها، وصُنِّفَتْ في المرتبة الرابعة من أصبحت اليوم أحد النائبين عن ولاية الجزائر، في حين تم إزاحة من كان يمثل خطرا على مشروع دخول بيت الطاعة، فشهدت الساحة الإعلامية حربا كلامية بين مناضلي الحزب امتدت لتطال الأمناء الأوائل السابقين والإطارات أمثال مصطفى بوهادف وجمال زناتي، ليخرج صراع أبناء الحزب الواحد للعلن ويكتشفه الجمهور الجزائري، تمخض عنه استقالة كريم طابوا من الحزب وإعلانه نيته انشاء حزب الإتحاد الديمقرطي الاجتماعي الذي لم يعتمد بعد، بسبب مساوامات الأفافاس كما يتداول عند القائمين على الحزب قيد التأسيس، وانشقاق خالد تزاغرت رفقة معظم مناضلي فدرالية بجاية وإعلانهم عن ميلاد الفوروم الإشراكي من أجل الحرية والديمقراطية، وتوالت الاستقالات تبعا لمناضلين بشكل فردي وجماعي طالت تقريبا كل الفدراليات.
ما حقيقة المؤتمر الخامس للحزب الذي انعقد في شهر مارس 2013 الذي يقال أنه خِيطَ على المقاس، مقاس بضعة أفراد نافذين خططوا وتابعو وجسدوا وصولهم إلى رئاسة الحزب كمرحلة أولى، ثم رئاسة الأمانة الوطنية الأولى كمرحلة ثانية، ثم رئاسة لجنة الأخلاقيات وأمانة العلاقات الخارجية كمرحلة ثالثة، دون أن يستغفلوا كوطة المرأة التي أوصى بها بوتفليقة، ما حقيقة استبعاد قائمة على جداعي أثناء المؤتمر الخامس من الترشح، ما حقيقة مناداة الأفافاس بتطبيق الديمقراطية على مستوى الدولة في حين أنه لم يطبقها يوما داخل حزبه، ما حقيقة بيع أيت أحمد لفيلته بالأبيار التي يقال أنه اشتراها بالدينار الرمزي، بـ 5 ملاين دولار، هل كانت هذه الصفقة ضمن الصفقة التي يقال أن الحزب عقدها مع أحد أجنحة السلطة ؟

الآن وبعد حوالى السنتين والنصف من مشاركة الأفافاس في تشريعيات 2012، يقال أنه أُعْطِيَ الضوء الأخضر ليشغل الساحة السياسة الجزائرية بمشروع إجماعه الوطني، فراح يحاور أحزاب السلطة ومن يعارضها، الهيئات المنضوية تحت جناح السلطة والتي تعارضها، الشخصيات المحسوبة على السلطة ومن تعارضها في إعادة صارخة لمشاورات أحمد أويحي التي كانت نفسها إعادة صارخة لمشاورات بن صالح في 2011.

دهاء وخبث النظام الذي سعى إلى ضخ دم جديد في أوردته بعد استنفاذ زواجه بحركة حمس أبو جرة سلطاني، غرر بحزب كانت عذريته محل أطماع الجميع وغرر بمن كان يفترض بهم حماية هذه العذرية منذ أن أصبحوا يتحكمون في مقاليد أقدم حزب معارض في الجزائر، الحزب الذي تمرد وقاوم لمدة 49 سنة، لكنه سقط في فح من كانوا يحلمون يوما إسقاط هذا الحزب الجريء وإسقاط المصداقية عنه، واستطاعوا تلويث تاريخ نظالي لرجل كثيرون هم من يحسدونه عليه، ذلك أن الدا الحسين شهد انحراف الأفافاس وهو لا يزال رئيسا له، قبل أن يسلمه ويسلم ذاكرة من قدَّم روحه لهذا الحزب، رجال كتبوا إسمه بدمهم انطلاقا من مناضلي 63-65 وصولا إلى أندري علي مسيلي، لأشخاص يُتَدَاوَلُ أن لا تاريخ نظالي لهم ولا مستقبل سيكون لهم، مصطادين بذلك صيدا ثمينا طالما حلموا به.
كان بالإمكان لرجل من طينة حسين أيت أحمد أن ينتهي إلى ما أنتهى إليه غاندى أو مانديلا لو …، والعجيب في الأمر أن السلطة لم تستطع استمالة حزب أسمه الأفافاس طيلة 49 سنة كاملة وفي أضعف وأحنك مراحل حياته مستخدمة في ذلك كل الوسائل الممكنة، وتمكنت من ترويده بمجرد بضعة من المقاعد، قِيلَ أنه لم يحصل عليها كما جرى مع مقاعد البويرة وقسنطينة وبرج بوعريرريج، فهل لجأت السلطة إلى تغيير من هم داخل الأفافاس بعد أن فشلت في تغيير الأفافس من الخارج ؟ وهل أغلقت السلطة بذلك عهد الفاكس الذي كان يُرسل من سويسرا لتفتح عهد الفاكس الذي اصبح يُرسل من المرادية، محيية بذلك حملة “منتوج بلادي” التي نسي كثير من الجزائرين أيامه الحلوة.

ما الذي تغير في معطيات الأفافاس كي يحذو حذو من كان ينعتهم بالأمس ببيادق السلطة على غرار الأرسدي وحزب العمال وحركة حمس، ما الذي سيجنيه الأفافاس من مشروع إجماعه الوطني، وهل سينجح في جمع شمل من فشل أيت أحمد نفسه في جمعهم حول طاولة واحدة وفشلت كل المحاولات من قبل، حتى عقد روما الذي كان هذا الحزب أحد المشاركين فيه، هل وصل الأمر بالأفافاس إلى أن أغفل ما جرى للأرسيدي بعد مشاركته في الحكومة خلال التسعينات، هل أغفل ما جرى لحركة حمس تحت قيادة أبو جرة سلطاني بعد تحالفها الرئاسي، هل أغفل ما جرى لبلخادم بعد سنوات من الخدمات الجليلة، هل أغفل ما حدث لخليدة تومي التي كرست نظال المرأة السياسي المعارضاتي، قبل أن تكرس النظال الموالاتي، هل بقدر ما كان الأفافاس معارضا شرسا سيتحول إلى موال شرش، هل يريد ورثة أيت أحمد مكانا لهم تحت أشعة نادي الصنوبر بعد أن ملوا رطوبة سويداني بوجمعة*، لماذا سمح الأفافاس دخول الأفلان منظمة الأممية الاشتراكية بعد أن عارض ذلك لسنوات، ما حقيقة ما يقال حول المسير الفعلى للأفافاس ؟، ما حقيقة ما يقال حول المكتب الأسود للأفافاس ؟، ما حقيقة ما يقال حول مشاركة الأفافاس في الحكومة المقبلة ؟،

أسئلة كثيرة منها ما سنعرف الإجابة عليها قريبا، ومنها ما سيُرَدُ عليها عندما يقرر الفاعلون الحاليون كتابة مذكراتهم، لعلهم يخبروننا بأن عيون بوتفليقة الزرق كان السبب التي ذوَّب مشاعر الأفافاس… يتبع

* سويداني بوجمعة هو شهيد جزائري، سمي علية شارع ببلدية المرادية، يتواجد فيه مقر حزب الأفافاس.ب
الدكتور مراد ناهي

مقالات ذات صلة

إغلاق