دولي

صحيفة إسبانية: جنس وحشيش، اكتظاظ وأمراض .. تقرير أسود عن سجون المملكة المغربية

نشرت صحيفة “إيل إنديبيندينتي” الإسبانية، لقراءها نظرة شاملة في سياق زيارة الرئيس الإسباني بيدرو سانشيز للرباط. يسلط التقرير الضوء على ظروف المعتقلين السياسيين في المغرب، حيث يُعانون في السجون من الصحراء إلى الريف، ويتجلى الواقع المرير للاعتقال السياسي من خلال وصف الزنازين المظلمة والظروف الصحية السيئة التي يواجهونها. ويشمل هؤلاء المعتقلين نشطاء وصحفيين وسياسيين، حيث اختلفت مصائرهم ومساراتهم قبل أن تلتقيهم الظروف القاسية في السجون.

ترجمة مقال “إِلْ إنديبيندينتي” الاسبانية

سجناء سياسيون في المغرب يواجهون تحديات مروعة يوميًا، حيث يحكم عليهم بالبقاء في زنازين مكتظة وغير صحية، وتقتصر زيارات عائلاتهم على خمس عشرة دقيقة كل أسبوعين، بالإضافة إلى تعرضهم لتعذيب جسدي ونفسي. هذه هي الحقيقة المرة التي يواجهها العشرات من السجناء السياسيين في المغرب، من نشطاء الريف والصحراويين إلى الصحفيين الذين ينتقدون النظام.

يتجاوز هذا الواقع القاسي أروقة القصور الملكية، التي زارها الرئيس الإسباني بيدرو سانشيز وفد حكومته الأسبوع الماضي، في محاولة لتحسين العلاقات بين البلدين، ويكشف عن جانب مظلم من الحياة في المغرب بعيدًا عن الصور السياحية الجميلة والزيارات الرسمية.

وعلى الرغم من ذلك، أعرب رئيس الحكومة الإسبانية عن عدم اعتراضه على النظام المغربي، مما يعكس التوتر بين الدعوات لاحترام حقوق الإنسان وبين المصالح السياسية.

من جانبهم، يعكف أقارب السجناء والمعتقلين السابقين، إلى جانب منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، على تسليط الضوء على الوضع الصعب في السجون المغربية، مشيرين إلى الفجوة الكبيرة بين واقع السجون وصورة المغرب كوجهة سياحية راقية.

عمر الراضي، الصحافي الاستقصائي المغربي، يقضي عقوبة السجن لمدة ست سنوات بسبب ممارسه لمهنته. في جويلية الماضي، تم نقله إلى زنزانة مكتظة حيث كانت الظروف سيئة لدرجة أنه لم يجد حتى مكان للنوم. ويقول أقاربه إن الظروف الصحية في السجن تشكل تهديداً خطيراً على صحته.

سليمان الريسوني، الصحافي الآخر المعتقل، ما زال يقبع في السجن الانفرادي، حيث يجبر على النوم على الأرض ويتعرض للعزلة.

أما رضا بن عثمان، المدافع عن حقوق الإنسان، فقد أُدان بتهمة “إهانة الهيئات النظامية” و”إهانة موظفين عموميين أثناء قيامهم بوظائفهم” ويقضي حالياً ثلاث سنوات في السجن. وهو يواجه نفس الظروف القاسية ويمنع من التواصل مع السجناء الآخرين.

سجين صحراوي سابق على رأس نظام السجون

 

“السجون المغربية تعتبر غير إنسانية”، هكذا يصف الناشط الصحراوي السابق، علي سالم التامك، الذي اعتقل عدة مرات وأمضى فترات في سجون المملكة، تعبيراً عن رأيه في ظروف الاحتجاز التي تمر بها، وذلك نتيجة لنضاله من أجل استقلال الصحراء.

ويشدد التامك على أن إدارة السجون في المغرب تُعتبر جزءًا من الأجهزة القمعية للنظام الدكتاتوري في المملكة.

وما يجعل الوضع أكثر تعقيداً هو أن خال التامك، محمد صالح التامك، يترأس النظام ذاته الذي ينتقده، حيث يشغل منصب المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بالرغم من ماضيه كعضو سابق في جبهة البوليساريو، قبل أن ينضم إلى السلطة المغربية كشخصية مهمة.

“كان خالي، حسن التامك، وأخيه محمد صالح التامك، ضحيتين للنظام المغربي،” يوضح علي سالم. “تم اغتيال حسن التامك سياسياً في 21 مايو 1977 بالرباط على يد المخابرات المغربية”.

“عاش محمد صالح التامك خمس سنوات من الاختطاف والاعتقال السياسي والتعذيب في مركز سري يُدعى درب مولاي الشريف بالدار البيضاء، وسجون مغربية أخرى خلال السبعينيات”، يروي ابن أخته. ويضيف، “عندما خرج، اختار طريقًا يتناقض مع أفكاري وقناعاتي التي تسببت في اعتقاله، واليوم يشغل منصبًا رفيعًا في نظام السجون المغربي ويدافع بقوة عنه”.

ظروف صحية رهيبة

 

دفاع محمد صالح التامك عن واقع السجون يتعلق بظروف صحية رهيبة، وهو ادعاء يتناقض مع الرأي الذي تعبر عنه منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية (أمنيستي). وقد وثقت هذه المنظمة معاناة السجناء حيث يتعرضون للعقوبات مثل “الحبس الانفرادي المطول، والحرمان من الرعاية الطبية الكافية، وغيرها من أشكال الإهانة”.

بالإضافة إلى قضيتي عمر الراضي وسليمان الريسوني، تشير أمنيستي إلى حالة ناصر الزفزافي، زعيم حراك الريف، كمثال على سوء المعاملة في السجون. حيث تقول المنظمة إن “الزفزافي وستة آخرين من سجناء حراك الريف يعيشون في زنزانات صغيرة تبلغ مساحتها مترين في مترين”.

وتوضح أمنيستي أن الزفزافي كان قد تم احتجازه في الحبس الانفرادي بين سبتمبر 2017 وأغسطس 2018، وتم تبرئته بعد محاكمة استندت إلى اعترافات تحت تأثير التعذيب وسوء المعاملة. وتضيف أن الزفزافي قد أُخبر عن تعرضه لتعذيب ممنهج، بما في ذلك الضرب والتهديدات بالقتل.

ومن بين السجناء البارزين الآخرين في الحالة الصعبة داخل السجون، يظهر الصحراوي محمد لمين هدّي، الذي يقبع في سجن تيفلت شرق الرباط. وقد تم عزله في زنزانة انفرادية منذ عام 2017، حيث تم التبليغ عن تعرضه للتعذيب الممنهج والتحقير. لا يسمح له حتى بمغادرة زنزانته لمدة ساعة، ويتعرض للحرمان من الاستحمام بالماء الدافئ في فصل الشتاء. وتشير أمنيستي إلى أن زنزانته لا تتوفر فيها الشروط الصحية، حيث تفتقر حتى إلى نوافذ للتهوية، وتحتوي على مرحاض صغير وسرير أسمنتي. قريب هدّي يشير إلى أنه “لقد عانى من انتهاكات متعددة، وفي إحدى المرات تم قص لحيته بعد مشاجرة مع أحد موظفي السجن”.

وتداولت شبكات التواصل الاجتماعي المغربية في عام 2014، صورًا صادمة لمدير سجن أيت ملول بالقرب من مدينة أغادير وهو يمارس علاقات جنسية مع نزيل سابق تونسي، مقابل خدمات داخل السجن، وهو يقضي فترة حبسه. وقام هذا النزيل بنشر صور سيلفي ظهر فيها بلباس حراس السجن.

الحشيش والجنس

 

في كتابه “في قلب سجن مغربي”، يروي الصحافي هشام المنصوري، الذي أمضى عشرة أشهر في سجن الزاكي بسبب تحقيقاته، تفاصيل صادمة عن تجارة المخدرات والفساد داخل السجون.

“منذ اليوم الأول، لاحظت أن السجناء يستخدمون نفس المواد التي جرموا بسببها، خاصة الحشيش. وعندما سألت أحدهم إذا كان يخشى وجود سجائر حشيش في يديه، أجاب بابتسامة: ‘ماذا يمكنهم فعله بي؟ أنا بالفعل في السجن، ولا يوجد شرطة هنا'”، يكتب المنصوري في كتابه.

“تستمر المشاجرات حتى ساعات متأخرة من الليل، وغالباً حتى الصباح. يصعب النوم بسبب الإضاءة والدخان والموسيقى الصاخبة والشجار المستمر. الزنزانة لا تحتوي سوى على نافذة واحدة وكان الدخان يخنقني”، يضيف.

الإضراب عن الطعام كوسيلة للاحتجاج

 

للتعبير عن معاناتهم، قرر محمد الأمين هدّي اللجوء إلى الإضراب عن الطعام لعدة أشهر، واختار نفس الوسيلة محمد زيان، وزير سابق في المغرب، الذي يبلغ من العمر 81 عامًا، بعد إدانته وإرساله إلى السجن بسبب مطالبته للملك محمد السادس بالتنازل عن العرش.

ووفقًا للمرصد المغربي للسجون، منظمة غير حكومية، فإن حوالي 1158 سجينًا قرروا الإضراب عن الطعام في عام 2021، حيث كانت إحدى الأسباب الرئيسية وراء هذا الإضراب هي الظروف الصعبة داخل السجون.

وأشارت منظمة “Prison Insider”، المعنية بدراسة ظروف السجون على المستوى العالمي، إلى أن “الاكتظاظ يعتبر أحد التحديات الرئيسية في السجون المغربية”، محذرةً من تداعياته السلبية.

تقول منظمة حقوقية لم يتم ذكر اسمها  في مقال جريدة “إِلْ إنديبيندينتي” إن “متوسط المساحة المخصصة لكل سجين هو أقل من 2 متر مربع”، وتؤكد أن “الاكتظاظ مشكلة خطيرة في السجون المحلية خاصة، حيث يتم احتجاز الأشخاص المتابعين قضائيًا والمحكومين بعقوبات قصيرة الأجل”.

في عام 2022، تجاوزت نسبة الاكتظاظ في السجون المغربية 150 في المائة، حيث وصل عدد السجناء إلى مستوى قياسي بلغ 100 ألف شخص، موزعين على 75 مركز إصلاحي.

وبحسب الأرقام الرسمية، تحتوي السجون المغربية على 64,400 سرير فقط، مما يعني أن هناك تفوقًا كبيرًا في عدد السجناء مقارنة بالسعة الاستيعابية. على سبيل المثال، في سجن عين السبع بالدار البيضاء، يتنافس أكثر من 10 آلاف سجين على 3800 سرير فقط.

وفي دراسة نشرتها هذا الشهر، حذرت منظمة “بريزون إنسايدر” من “ارتفاع حالات الانتحار” في السجون المغربية إلى 29 حالة خلال أربع سنوات.

في أكتوبر الماضي، أقر البرلمان قانونًا مثيرًا للجدل يهدف إلى تقليص الاكتظاظ في السجون عن طريق تقديم بدائل للسجن بمقابل مالي. وقد أشار وزير العدل عبد اللطيف وهبي إلى أن “هذا الإجراء سيؤدي إلى زيادة دخل الدولة”.

معارضو هذا القانون يرون أنه يخدم السجناء ذوي الموارد المالية الكبيرة، وسط زيادة الفجوة الاجتماعية في البلاد.

من الجدير بالذكر أن الرباط قامت في العقد الأخير بإنشاء ما يصل إلى 23 سجنًا جديدًا.

الاكتظاظ والأمراض

 

الزنزانات الانفردية في السجون المغربية ليست شائعة، بل هي مخصصة للمسجونين المعاقبين أو الذين يمثلون خطرًا كبيرًا، بمن فيهم المحكوم عليهم بالإعدام.

توضح لم يتم ذكر اسمها  في مقال جريدة “إِلْ إنديبيندينتي” أن هؤلاء السجناء “يُحتجزون في زنزانات جماعية تتسع عادة لخمسة إلى اثني عشر شخصًا، ولكن في بعض الحالات يتجاوز عددهم هذه الأرقام بكثير”.

“توجد غرف تتسع لثمانية أشخاص، يعيش فيها ما بين 20 إلى 35 سجينًا، دون توفير إدارة السجن لمواد التنظيف، مما أدى إلى انتشار الأمراض”، يوضح بابوزيد لبيهي، رئيس “التجمع الصحراوي للمدافعين عن حقوق الإنسان” (كوديسا).

“الأوضاع الغذائية ليست أقل كارثية، وكانت هناك حالات تسمم واسعة النطاق مثل تلك التي حدثت عام 2016 في سجن لوداية بمراكش”، يضيف لبيهي.

الوضع في السجون يزداد قساوة بالنسبة للسجناء السياسيين والذين يُعتبرون سجناء رأي، ومن بينهم المعارضون السياسيون والناشطون الصحراويون والريفيون. وعلى الرغم من عدم وجود قوانين تفصيلية تسمح بسجنهم، إلا أن الحكومة تتجاهل الأسباب الحقيقية لاحتجازهم، كما تؤكد منظمة “بريزون إنسايدر”.

تشير المنظمة غير الحكومية إلى أن هؤلاء السجناء عادة ما يتم إدانتهم بجرائم جنائية استنادًا إلى اعترافات انتزعت تحت الضغط، وغالبًا ما يتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة داخل السجون.

بسبب عدم وضوح النظام المغربي، يصعب تقدير عدد المعارضين الذين لا يزالون محتجزين، وقبل عامين كان عددهم يقدر بنحو 120 شخصًا، وفقًا لتوثيق “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، التي رصدت أيضًا العديد من حالات الاعتقال والمحاكمات لأسباب مشابهة.

وتُقدر “رابطة حماية السجناء الصحراويين” أن هناك حوالي خمسين معتقلًا صحراويًا محتجزًا في السجون المغربية.

الاضطهاد السياسي

 

إحدى المجموعات التي تتعرض للعقوبة بشكل خاص في المغرب هي مدافعو حقوق الإنسان والنشطاء الصحراويون.

يتألف السجناء السياسيون الصحراويون في الغالب من أفراد معتقلين منذ أكثر من 13 عامًا من أكديم إيزيك، وهو مخيم احتجاج تم تفكيكه بعنف من قبل السلطات المغربية في نوفمبر 2010، وأيضًا من طلاب جامعيين تم اعتقالهم منذ ثماني سنوات. تعرضوا لتعذيب في مراكز الشرطة، ومحاكمات غير قانونية، والآن يتم نقلهم خارج الصحراء، ما يُعتبر جريمة اختطاف بموجب اتفاقية جنيف.

يطالب السجناء السياسيون الصحراويون بعدم احتجازهم في ظروف مماثلة مع سجناء الحق العام والمجرمين، وبتقريبهم من عائلاتهم ونقلهم إلى سجون الصحراء، وفقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني.

تجاهلت الحكومة المغربية هذه المطالب الملحة، في حين دعت منظمة العفو الدولية إلى ضرورة ضمان توفير الرعاية الطبية الكافية لجميع السجناء، وعدم احتجازهم في الحبس الانفرادي لفترات طويلة، وتمكينهم من التواصل المنتظم مع محاميهم وعائلاتهم، وضمان أن تتوافق ظروف احتجازهم مع المعايير الدولية.

هذه الحقائق التي أشار إليها لبيهي تم تجاهلها بشكل مستمر من قبل الحكومة المغربية، بينما تركز منظمة العفو الدولية على ضرورة تحقيقها، وهو ما أكدها أيضًا بيدرو سانشيز والوفد المرافق له خلال زيارتهم الأخيرة وفوزهم بجائزة الصورة المرغوبة مع الملك محمد السادس.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق