ثقافات

مثاقفات وانزياحات…بحث عن الحرية بعيدا عن السياسة

 

تايها الحزب العتيد، تعدد او تجدد او تبدد. كانت هذه احد كلمات الشاعر عمر ازراج الذي صدح بها بداية الثمانينات من القرن الماضي فكانت السبب لبداية متاعب لا تعد ولا تحصى لمفكر غادر الجزائر مكرها نحو بريطانيا بحثا عن افق اوسع لفكر متفتح ومنفتح.
عمر ازراج الذي عهدناه من خلال كتاباته النقدية ومقالاته الفكرية وقصائده الهجائية وابياته الشاعرية، يبقى غائبا مغيبا عن المشهد الجزائري، لا ندر السبب ولكن قامة ادبية وفكرية مثل ازراج لست انا المخولة للحديث عن اسهاماته في الثقافة والفكر والترجمة، فقلمه الذي لم يجف قط هو وحده يبقى شاهدا على ذلك.
آخر ابداعات الرجل اطلاقه لمجلة “مثاقفات” من عاصمة الضباب لندن اين يقيم. مثاقفات التي ستبني جسورا بين مختلف ثقافات العالم ومناطق عبور نحو الاخر وفهمه ومحاولة لايجاد اجوبة للعديد من التساؤلات التي فشلت الانظمة السياسية في فهمها، لياتي دور الثقافة وحدها لفتح العديد من الملفات العالقة. ولان الثقافة لا تؤمن بالحدود الجغرافية التي رسمتها الحكومات السياسية الديمقراطية والديكتاتورية منها المنفتحة والمنغلقة. تاتي “مثاقفات” في هذا الوقت بالذات بعد ظهور وباء كورونا الذي اعاد ترتيب العديد من المفاهيم في العالم.
مولود ثقافي بمعايير عالمية من قلب المملكة المتحدة البريطانية باشراف جزائري يحاول ان يفهم الآخر او على الأقل يساهم في إيجاد معادلة عادلة بين عدة اطراف، ستكون هذه الانطلالة من أوروبا نحو شمال افريقيا والشرق الأوسط في محاولة جدية وجديدة على الأقل تساهم في فك العزلة عن المثقف العربي المهاجر والمحلي لايجاد روافد مشتركة.
جاءت مثقافات في نفس التوقيت تقريبا مع ظهور مجلة ثقافية ترعاها وزارة الثقافة الجزائرية اطلقت عليها تسمية “انزياحات, فكر التغيير”، مجلة صاحبها الكثير من الجدل بعد صدور العدد صفر.
جدل حمل معه الخلافات العديدة التي يعرفها وسط المثقفين في الجزائر، فاهتزت وسائط التواصل الاجتماعي لهذا المولود الجديد بين مبارك الفكرة ومعارض لها طالما انها ستكون تحت اشراف وزيرة ثقافة “غير شرعية” حسب منظور معين.
“انزياحات” وبالعودة الى اصل التسمية في اللغة العربية فهي تحمل معنى الدلالات وتجدد معانيها، ولكن بعيدا عن المصطلح ومعناه ،انزياحات واجهت انتقادا لاذعا من طرف بعض المثقفين بدعوى انها سرقت او بالاحرى استنسخت العنوان من مجلة ثقافية صادرة بدولة اليمن وهو ما سارع الى استدراكه الفريق المشرف على المجلة بانها جاءت تحت مسمى “انزياحات، فكر التغيير”.
بعيدا عن الامور التقنية والشكلية التي غذت النقاش حول هذا المولود الثقافي الجديد الذي جاء في غمرة فقر وركود وجمود ثقافي قاهر، صدر العدد الاول للمجلة حاملا معه ملفات الذاكرة وهموم الكتابة والثقافة ومواضيع مختلفة وقعتها اقلام محترمة في الوسط الثقافي الجزائري.
بين “مثاقفات”و”انزياحات” لا ادر ان كان يمكن إيجاد نقاط شبه بينهما فعلى الاجدر لا أعتقد ذلك. فالاولى اطلقها شاعر، حر، متمرد، كالنسر الذي ترك عرينه بحثا عن الحرية والثانية تشرف عليها وزارة الثقافة لا تلق ترحيب ثلة من المثقفين في الجزائر حتى وإن ضمت اقلاما جادة ومحترمة.
مثقافات وضعت نصب اعينها الانفتاح نحو الاخر ومحاولة إيجاد معاني ودلالات تجعلنا نعيش في سلام وتناغم مع الاخر الذي لا نفهمه ولا يفهمنا.
انزياحات تبحث عن التغيير وسط “عبث” ممنهج قضى على كل اشكال الإبداع، الانزياح نحو التغيير في ظل نظام سياسي يصارع من اجل البقاء بل ويفعل المستحيل لضمان ذلك، فهو انزياح نحو اللاشيء في اسقاط حقيقي لما يحدث في الواقع، فلا يمكن الحديث عن ثقافة وفكر حر في ظل تضييق سياسي على الثقافة بل وحتى في ظل وجود وزارة للثقافة لاتزال تسير الاشياء حسب منطقها دون اي سياسة او مشروع ثقافي حقيقي من شأنه ان يرجع للثقافة هيبتها في بلد يحمل من التنوع الثقافي ما يجعلها في واجهة البلدان لو تم استغلال ذلك.
مما لا يدع للشك ان “انزياحات” في الجزائر و”مثاقفات” من بريطانيا سيشكلان منبرين جديدين للثقافة والكتابة والابداع الفكري والادبي نامل فيهما ان يفتحا الابواب على مصراعيه امام العديد من المشاريع التي تنتظر الافراج عليها ولكن بعيدا عن اي استغلال سياسي يقضي عليها في العمق.

بقلم طاوس اكيلال

مقالات ذات صلة

إغلاق