آراء وتحاليل

ترسيم “يناير” … ما الخلفيات؟

مباشرة بعد اعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترسيم “يناير” عطلة مدفوعة الأجر وتكليف الحكومة بإنشاء أكاديمية للغة الأمازيغية، إستعر قبس التأويلات والقراءات حول هذا الاجراء الذي باغث مؤيدي الرئيس قبل خصومه السياسيين.

وفي خضم النقاش الجاري حول هذه الخطوة، تباينت المواقف في توصيف القرار، جراء الضبابية التي سادت المشهد العام، في أعقاب الحراك الذي شهدته عدة مدن محسوبة جغرافيا على منطقة القبائل، احتجاجا على اسقاط البرلمان لمقترح تقدم به حزب العمال والداعي الى إجبارية تعميم تعليم اللغة الامازيغية من خلال تخصيص أغلفة مالية ضمن قانون المالية 2018 .

وبناء عليه، فإن الحراك أخذ أبعادا سياسية من خلال ظهور تنظيمات أكثر تشددا وتعلقا بالبعد الهوياتي و اللغوي ذلك أن توقيت القرار يحمل في طياته نظرة سياسية، تحاول السلطة تفكيك ألغام عرقية مقبورة في منقطة القبائل باحتواءها لأحد المطالب التي نادت بها الحركة الثقافية البربرية والتي تضمنتها أيضا أرضية “لقصر”.

وأعتقد أن القرار جاء ليقطع الطريق أمام أصحاب النزعة الانفصالية، بخاصة المنضوين تحت لواء “الماك”، ومحاولة استمالتهم تحسبا لرسم المرحلة المقبلة، موازاة مع وجود توتر دولي يشهده العالم مردّه “اللعب على التركيبات العرقية”، مع وجود مساع ونوايا مصلحية لدى الدول الكبرى لتفكيك الدول الوطنية ضمن مخططات استراتيجية موضوعة مسبقا وجاري العمل على تجسيدها عبر مراحل.

وسط هذا الجدل، برزت أسماء محسوبة على الحركة النضالية الأمازيغية، شخصت القرار على أنه جاء كرد فعل على الشارع ومحاولة امتصاص غضبه من خلال الاقدام على هذه الخطوة “الجريئة”، في حين اعتبرها البعض الآخر بأنها مجرد ضربات وقائية ضد الشارع تحضيرا للاستحقاقات الرئاسية لسنة 2019 ، لكن تبقى هذه القراءة سطحية ونسبية في الفهم.

في تقديري أن هذا الاجراء هو بمثابة “تنازل” من طرف السلطة، وله مبرراته، كون القرار بني على تصور “استشرافي-أمني”، يأخذ البعد الهوية في محيطه الجيوسياسي و الجيواستراتيجي، فإخفاق الدولة في احتواء العناصر الهوياتية في المكون الوطني، اصبح من تحديات الدولية و الاقليمية، كما أن ضرورة دمقرطة المتعدد هو الكفيل الوحيد للنأي عن التهديدات الدولية.

ولعل ما ذهبته إليه ، لايندرج في خانة القراءات التآمرية التي تقول أن “تفكيك الدول الوطنية هو نتيجة المخابر الصهوينية أوالماسونية”، بل هي لوائح أممية تنص على إعطاء الحق في التنوع العرقي و اللغوي و تخصيص منظومة قانونية دفاعا عن الاقليات ونشر الديمقراطية بين الدول و الشعوب.

وعلى سبيل الاستدلال، ينص إعلان الامم المتحدة للاقليات في مادته الاولى على أن الاقليات أساس الهوية القومية والاثنية والثقافية والدينية واللغوية، ملقيا على عاتق الدول حماية الأقليات.

وكخلاصة لما سبق ذكره، أتصور أن هيكلة المجتمع عبر عسكرته ومركزية الحكم، تحمل كل بوادر التفكيك البنى الاجتماعية مما يؤدي إلى إشعال كل مكونات الانقسام الاثني-العرقي- اللغوي، التي تجد حاضنتها في الانتروبولوجيا و المحيط الاقليمي، مما يستلزم على أصحاب القرار أن يتبعوا هذا الاجراء بانفتاح مؤسساتي-مواطناتي والعمل على تفكيك كل المركزيات.

مقالات ذات صلة

إغلاق