آراء وتحاليلبذور الأمل

إيكولوجيا الأخضر البلاستيكي

في أسبوع  ربيعي، إذا أردت أخد سيارتك لتقوم بجولة في بعض المدن الجزائرية، سوف يتملكك إحساسين، الأول و أنت داخل المدن، و الثاني و أنت بين المدن. و أنت خارج المدن، ستصاب بالذهول، بالدهشة، بالانتعاش، بعلاقة سحرية مع الطبيعة لكثرة ما ستراه من إخضرار، من ألوان لأزهار، من سماء زرقاء عليها بياض سحب تتحرك كالقطن الناعم و ترسم أشكال حيوانات و أشياء أخرى كل حسب خياله و حسب زاوية نظره، من خرير وديان، من جبال راسيات بعضها مكسو و بعضها الاَخر عاري، من واحات تنعش الهواء و تسر النظر،….عندما تصل إلى المدن، تصدم، تختفي كل مظاهر الجمال، كل المدن الجزائرية لديها هيئة مدن مرت عليها معارك دامية، البيوت غير مكتملة، لا طابع عمراني لها، لا تحمل أي حس جمالي. العمران الذي هو مرادف للحضارة افتقد تماما.و يا حسرتاه لو أني حدثتكم على القرية الجزائرية التي انقرضت.. و الغريب أن الجمال الذي أوجدته الطبيعة، خارج المدن، مفقود تماما داخلها. حتى السماء فقدت زرقتها لانعكاس هذه البشاعة عليه. كل المدن الجزائرية عبارة عن صحاري، و ليست الصحاري بمعنى الصحراء، لا أثر للعشب، لا أثر للون الأخضر، متوازيات مستطيلات يسميها الجزائريون فيلات.

هل أصبحنا اليوم أعداء للطبيعة، فهي اليوم تعاني كثيرا. لا نهتم لا بالتنوع الطبيعي و البيولوجي، و لا بحماية المناطق الرطبة التي أصبحت مستنقعات هي خطر على التنوع البيولوجي و على الحيوانات المهاجرة. حيواناتنا يصدادها أمراء الخليج و غزالنا يهرب إلى دول الجوار.

في حين أن معظم دول العالم تنبهت لضرورة العودة للاهتمام أكثر بكل ما له علاقة بالطبيعة في إطارالتربية الايكولوجية و السياسات الايكولوجية على حد أوسع لما لها من فائدة على الاقتصاد، على المناخ،على الصحة، على الطبيعة نفسها، مازلنا لم نغير أتفه الأمور لتحسين علاقتنا مع محيطنا و تركه سليما للأجيال القادمة.أذكر يوما ذهلت في مداخل مدينة صحراوية و ربوة الرمل ممتلئة بأكياس زرقاء، بيضاء، سوداء، منظر بشع بشاعة تعاملنا اللامبالي لأمور خطيرة جدا. هل يعلم رئيس دائرة تلك البلدية أن ربوة الرمل تلك يمكن أن يقطع سائح اَلاف الكيلومترات ليرى تلك الكومة من الرمل التي لا توجد إلا هنا، عنده و ليس عند غيره، و كم عندنا ما هو غير موجود في أماكن أخرى، و كم أهملناه.

كم أصبح اليوم شيء عادي أن ترى في كل مكان ذلك الأخضر البلاستيكي البشع. في الإدارات، في البيوت، على شرفات المنازل، في مداخل أفخم المطاعم،…أصبح الجمال الاصطناعي يعجب الناس، و في نظري أنا هذا ليس جمال. يتجه الناس للسهل، للشيء الذي لا يعتني به، لا يعطيه اعتناء و لا يعيد له روائح عطرة، براعم، أكسجين.في نفس الوقت في الدول المحترمة، أصبح الانسان يتجه أكثر فأكثرللبحث عن ما هو طبيعي، فإن كانت في عاداتهم السابقة زرع نباتات تزيينية و أزهار في حدائقهم و على شرفات منازلهم، فهم يقومون اليوم بتحويل أسطح عماراتهم لحدائق يأكلون من منتوجاتها، و يربى فيها حتى النحل. هذا لا يعني أن النباتات الاصطناعية غير موجودة عندهم، لكن الفرق يظهر بالعين المجردة.

ألسنا نفتخر بأنا لدينا أكبر حديقة للتجارب فيها أبهى و أغرب الأنواع النباتية. لماذا لا نملؤ بها فضاءنا عن طريق تعليم أبنائنا أهمية النبات في سلسلة الحياة و في التفاعل مع مختلف الكائنات الحية. لماذا لا نفهم أن الأرض ملت منا و تعبت منا، هي تعطينا الجمال و نحن نقتله.  لما لا نغير محيطنا لتتغير نفسيتنا، لنهذب أنفسنا. لماذا نحن أنانيون و لا نفكر في الأجيال التي ستلينا…

التربية الايكولوجية شيء بالغ في الأهمية، و أنا متأكدت لو أن المدرسة لعبت دورها في تلقين الطفل أبجديات التعامل مع الطبيعة، هؤلاء الأطفال هم من سيؤثروا على اَباثهم و سيجبروهم على تغيير سلوكاتهم. هؤلاء الأطفال هم من سينموا و يصبحوا إطارات يعتمدوا سياسات تعني بالمحيط و تعطي له الأهمية. إلى ذلك الحين، أيتها الأولياء، لا تشتروا لأولادكم أزهارو نباتات بلاستيكية، علموهم غرس النباتات، وطدوا علاقتهم بالأرض التي كلما أعطيتها تمن عليك بالخير.

بقلم مريم سعيداني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق