آراء وتحاليل

مئوية نقابي حقوق الإنسان علي يحيى عبد النور بقلم رضوان بوجمعة

الجزائر الجديدة 192 

كيف يمكن أن أكتب عن علي يحيى عبد النور في مئوية ميلاده؟ وهل سأنجح في مهمة الكتابة عن رجل دافع عن الحريات.. كل الحريات، وعن الضحايا.. كل الضحايا، من كل الألوان والأطياف والجهات والأجيال، فالرجل رسم خطا لنفسه ولم يحد عنه وكان في كل مرة يؤكد أنه من الضروري الدفاع عن الإنسان عن كل إنسان مهما كان هذا الإنسان، لأن حريات الناس لا تقبل أي تفاوض ولا أية مساومة، وأن حرمة الإنسان أمر مقدس لا يجب أن يدنس… وكيف أكتب عنه اليوم وهل يمكن أن يسعده ذلك، دون التنديد بخروقات حقوق الإنسان المستمرة إلى اليوم، والسلطة تهديه في عيد ميلاده اليوم 18 جانفي مثول 6 معتقلين من معتقلي الراي و51 شخصا آخر  من الحراك الشعبي أمام القضاء في تسع ولايات في 14 قضية، غير أن الحكم القضائي الذي سينغص على عميد الحقوقيين يومه أكثر هو حالة السيدة دليلة توات التي حكم عليها، اليوم، بعام ونصف العام من الحبس النافذ بتهم ستُذكر علي يحيى عبد النور باعتقاله ومحاكمته من قبل محكمة أمن الدولة في ثمانينيات القرن الماضي..  

حرب على كتاب يفضح الكذب 

أعرف علي يحيى منذ 26 عاما، منذ أن دخلت عالم الصحافة التي تعسكرت أغلبية عناوينها لتتحول إلى أدوات لنشر الكراهية ومساندة كل خروقات حقوق الإنسان.. كنت في عامي الثاني من ممارسة مهنة لم يكن حتى أقرب المقربين يعرفون أنني أمارسها، لأنني كنت أسكن حيا شعبيا ورفضت السكن الأمني الذي كنت أعتبره عملا مبرمجا لعزل الصحفيين والصحفيات عن المجتمع بهدف استخدامهم كدعامة في  حرب قذرة ستبقى أثارها لأجيال وأجيال..

ذكرياتي معه كثيرة، لا يسع لا المقام ولا المقال لذكرها، لكنني سأكتفي بحادثتين، تعود الأولى إلى سنة 1996حيث أصدر علي يحيى كتابا بعنوان “أسباب وضلال حرب” عن دار النشر لارماتان بباريس، حيث حوصر الكتاب في فرنسا وكان مناسبة لإطلاق حملة إعلامية شرسة ضده نظمها من كانوا يعتقدون أن اصطفافهم مع العسكر هو إنقاذ الجمهورية من الظلامية، هذه الحرب على هذا الكتاب كانت  واضحة المعالم لأن الكتاب كان يفضح الكذب الإعلامي والدعاية والحرب النفسية ضد المدنيين..

في هذا الكتاب أكد علي يحيى أن ما يحدث هو انقلاب عسكري تحول إلى حرب قذرة ضد المدنيين وبأن إسلاميي الفيس استخدموا كشماعة لمنع أي انتقال ديمقراطي في البلد، وذكر بالاسم كل القيادات العسكرية والسياسية التي فرضت هذا المسار الانتحاري..

أعطاني الأستاذ النسخة الوحيدة التي كان يملكها من الكتاب، قرأته في ليلة واحدة، وأنجزت ملخصا من صفحتين لنشره في أسبوعية” الحرية” التي كان يرأس تحريرها الأستاذ محمد علواش، لما ذهب سائق الجريدة إلى المطبعة لسحب الجريدة، عاد بعد ساعات دون أن يأتي بالجريدة، لأن زوار الليل قرروا منع الجريدة بسبب هذا الملخص عن كتاب ألفه من كانت تسميه الصحافة بالشيطان! 

الحراك الشعبي وضلال طريق السلطة.. 

الحادثة الثانية هي حديثنا المطول في بيته في نهاية الأسبوع الثاني بعد انطلاق الحراك الشعبي في نهاية فيفري من عام 2019، رأيت الأستاذ سعيدا بهبة الشعب وبالتحام كل الألوان والجهات والأجيال للمطالبة بتغير حقيقي لبناء دولة الحق والقانون، وفي بداية حديثه كان دا عبد النور يتألم لأن جسمه أصبح لا يقوى على السير، هو الذي كان يحلم أن يمشي وسط الشعب في طريق فرض التغيير، ولما انتهينا من اللقاء طلب مني العودة من أجل تسجيل فيديو قصير يدعم فيه الثورة الشعبية، وهو ما حدث فعلا، نشرت الفيديو  يوم تسجيله في الثالث مارس وهو الفيديو المرفق بهذا النص…. 

وبالرغم من كل المناورات، وذهاب لجنة كريم يونس إلى بيته في نهاية اوت من سنة 2019 بغية استخدام صورته و مساره ، خرج علي يحيى ببيان قال فيه إن السلطة ولجنة كريم يونس فاقدة للبوصلة وهي بعيدة عن طريق التغيير، وبأنها ضلت الطريق.. 

طريق علي يحيى من أجل المساهمة في تحرير الشعب من براثن الاستعمار وظلم الاستبداد  كان طويلا فمن حزب الشعب الجزائري إلى مشاركته في تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين رفقة الشهيد عيسات ايدير، إلى تأسيسه لرابطة حقوق الإنسان،  و هو اليوم في مئوية ميلاده يبقى إلى آخر نفس من عمره نقابيا مدافعا  بشراسة عن قضية اسمها الإنسان والمجتمع المفتوح… 

رضوان بوجمعة 

الجزائر في 18 جانفي 2021

مقالات ذات صلة

إغلاق