آراء وتحاليلبذور الأمل

صائفة سرقة الحرية

و جاءت الصائفة، و كان مدخلها شهر رمضان. بعد أن أنهكتهم الفصول الثلاثة السابقة، انتظروا بفارغ الصبر هذا الفصل. الصيف؟ لماذا الصيف؟ مثله مثل الليل، يحبه من يمتهروا السرقة. و الناس نيام، و كل الأجسام مستسلمة للراحة بعد تعب و عناء يوم كامل، تقل اليقظة و يسهل التسلل إلى كل مكان. و كذلك الصيف، فترة الراحة و الاسترخاء، و ترك كل أمور الحياة العامة جانبا. من هم؟ الرجال الخفافيش، نسميهم هكذا لأننا لا نعرفهم و لأنهم يحبون الظلام، و يسعون أن تكون كل الفصول ظلمات لكي يتسنى لهم القيام بهواياتهم الليلية أو الصيفية على طول العام. هم لا يشبهون الرجل الخفاش الشخصية الهوليودية التي تسعى للخير، بل بالعكس تماما.

ماذا حدث؟ بالرغم عنهم، قلت يقظة الرجال الخفافيش في السنوات الماضية، فبدأ الناس يستمتعون بالفصول الأربعة، وعرفوا كم أن السنة جميلة بألوانها، و أن الألوان تعطي معني للحياة. بدأ الكثير من الناس بالاستيقاظ، و اليقظة تعطي الإلهام، و تفتح طريق الإبداع. بدؤوا بمعرفة طريق المواطنة. بدؤوا يعرفوا معنى النضال، معني العيش مع الأَخر و كيف يمكن تقبل الاَخر. منهم من فتح قنوات إعلامية تبث فيها حصص جريئة تُسمع الرأي و الرأي المخالف. منهم من أسس أحزاب سياسية لا تشبه الأحزاب التي تهوى أخذ المسالك المظلمة للصرف الصحي. منهم من رجع من المهجر ليستقر تحت سماء طفولته و بين أحضان وطنه. منهم من أسس مؤسسات يُشغِل فيها أبناء بلده. و بدأت الحياة تختلف، و الكل بدأ يطالب بالحرية، كل الحرية و بدأ يعمل لغدِ وطنٍ مشرق واضح المعالم.

الرجال الخفافيش تضايقوا جدا من هذا الوضع، لأن الناس المستيقضين يهددون و جودهم، و يريدون إخراجهم للنور.اجتمعوا على كلمة أنهم تركوا هؤلاء الأولاد يلعبوا كثيرا، و حان وقت الرجوع إلى الليالي المظلمة. فالنور يعمي الأبصار، و الألوان و التنوع هم أوجه من أوجه الحرية، و الحرية خطر لا تليق برجال الليل.

و الناس صائمون، و الجو حر، بدأ تنفيذ خطة سرقة الحرية. بسبق الاصرار و الترصد حُضِر لها في الفصول الماضية، و كانت لحظة التنفيذ فصل الاسترخاء. كل من يخالف أو يختلف عنهم سيتم القضاء عليه. لا إبداع، لا إعلام، لا اختلاف، لا حرية. كل فضاءات التعبير ستغلق، السجون ستملؤ،

الشباب الذي بدأ يعرف طعم الحرية، و الذي يسعى لاسترجاع كامل الحرية، الذي ذاق طعم الفصول الأربعة، الذي أحب روائحها العطرة، الذي تحمم في الشتاء و أشرق في الربيع،هل يمكن بهذه السهولة أن تصبح كل أيامه صيف، مسترخي و غائب عن الوعي و كل شيء يمرر و هو كالميت، و بعد عشر سنوات يستيقظ على حلم بلد كان اسمه الجزائر.

جبران خليل جبران قال: لا تعش نصف حياة. لا تمت نصف موت. ألهمني لأقول: لا تقبل بنصف حرية. الجزائر ليست نصف وطن.

بقلم مريم سعيداني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق