آراء وتحاليلبذور الأمل

هل مازال للغولة أثر في حياتنا؟

في أحد الأيام و أنا أمشي في الطريق، استوقفتني امرأة مسنة و هي تحاول إخافة بنت صغيرة أظنها حفيدتها لكي لا تخرج من السيارة. طلبت مني أن أقول للطفلة أن هناك غولة في الطريق و إذا خرجت سوف تأكلها. في الحقيقة، لم أر في عيني تلك الطفلة الصغيرة أي علامات الخوف، بل ما رأيته هو علامات استغراب من جدتها التي تستعين بغريبة من أجل خلق قصة غريبة لا تفهمها، لا تتقبلها. ما لا يمكن أن تفهمه الجدة هو أن الغولة التي كانت تجمح بها خيول أب أو أم  تلك الطفلة لم تعد تنفع اليوم مع هذا الجيل الصاعد.

حكاية الغولة تلك لها دلالات عميقة في تطور شخصيتنا و علاقتنا مع من يكبرونا سنا و مع حكامنا. منذ الصغر، لم يحاول الكبار استعمال علاقات العقل مع أولادهم لشرح لهم الأمور بشكل عقلاني يسمح لهم بتنمية شخصيتهم و مواجهة الحياة بشكل مستقل، و تحكيم المنطق للحكم على الأشياء، بل كان هناك دائما شخصية خيالية كالغولة، بولولو، و غيرهم، ينتظرون بالمرصاد لكل محاولة فهم لأمور لا يريد أن يشرحها الكبير لاعتبارات يضعها في الخانة إما العقائدية أو العيب و العار أو الخطوط الحمراء التي لا يجب للصغير أن يتخطاها. تلك الشخصية الخيالية هي مرحلة تمهد الطريق للشخص الواقعي الذي قد يكون الأب أو الجد الذي يأمر و يملي حسب عقليته و رؤيته للأمور ضمن علاقات قوة يفرضها على كل أفراد عائلته. كبير العائلة هو الآمر الناهي و هو المتمكن الوحيد لكل خبايا الحياة، لا يترك أي هامش للأخذ و العطاء، ويرسم الطريق لأولاده حسب ما يراه مناسب ولو على حساب ميولهم و سعادتهم. في هذا السياق ، لا يجب الخلط بين الاحترام بين الكبير و الصغير و فرض الأمور على الاَخرين و إلغاء شخصيتهم.

في ظل هذه التنشئة و العقلية المكتسبة يخرج الفرد إلى المجتمع، و هو لا يفهم ولا يتعامل إلا بهذا المنطق، يتقبل بشكل طبيعي أن يكون دائما هناك شخص خيالي يتقفى اَثاره و يمكن أن يلحق به الأذي إذا خرج عن النهج الذي سطره له الشخص الحقيقي الذي لا يمكن معارضته حتى و لو كانت له قناعة أنه سيلحق به المضرة. و على مستوى أعلى، يهضم كل الحكايات الأسطورية التي يطبخها له ذلك الحاكم عن المؤامرات و الدسائس و يتأهب بشكل جيد لتطبيق الأوامر اللامنطقية التي يمليها عليه الحاكم.

غير أن تلك النظرة التي شاهدتها في عيني تلك البنوتة تبشربجديد. صحيح أن علاقات القوة في مجتمعنا جمحت خيول أجيال كثيرة، لكن، الأمور تغيرت. الأجيال الصاعدة لا تشبه الأجيال التي سبقتها. تراهم دائما يطلبون تفسيرا لأبسط الأمور ولا يقبلون الأوامر الصادرة من أي سلطة كانت دون أن يتقبلها منطقهم. فتلك الجدة لو أنها تعودت على شرح الحقائق لتلك الطفلة لكانت فهمت جيدا لو أنها قالت لها أن النزول من السيارة خطر على سلامتها. على كل حال، على الكبار أن يتعودوا على التعامل بهذه الطريقة مع أولادهم لأنه أصبح مطلب ملح و ليس خيار، و على الحكام أيضا أن يغيروا تعاملهم مع هذا الجيل الذي يفقه كثيرا في أمور الحياة، و هو متفتح على العالم، ولم يعاني و يعش حقبة الإرهاب التي يستعملها النظام لكبح كل محاولة المطالبة بالمواطنة و الديمقراطية.

الاستعانة بشخصيات أسطورية أو خيالية ليس بالشيء السلبي بحد ذاته، ففي الثقافات الغربية يستعين الاَباء بشخصيات خيالية في تربية أبنائهم ليس فقط لخلق جو من الفرح و السرور في طفولتهم، بل نسج قصص يمكن استنتاج منها عبر عن الخير و الشر، عن كيفية التعامل مع الاَخرين، عن صورة العالم الذي يمكن المشاركة في بنائه. و نحن أيضا لدينا من الرصيد ما يمكننا استغلاله كالقصص و الحكايا في تنمية عقول أطفالنا و تحضيرهم للخروج إلى الحياة بمنطق سليم، يتقبل النقد، يساهم في بناء مجتمع سليم.

بقلم مريم سعيداني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق