آراء وتحاليل

ناشرون وكتاب يدقون ناقوس الخطر ، سيلا ملغاة ووزارة لا تتحرك وكتب مكدسة..من سينقذ موسم الكتاب؟

 

طاوس اكيلال

قامت الدنيا ولم تقعد بعد قرار غلق ومنع المكتبات من بيع وتقديم كتبها امام القراء..طبعا هذا الخبر ليس عندنا، هو في مجتمع آخر وراء البحار وبالتحديد بفرنسا، التي تجتاحها موجة ثانية من كوفيد 19. اما عندنا فكان يفترض اننا نعيش الأسبوع الاول من فعاليات الصالون الدولي للكتاب، الذي اصبح المتنفس الوحيد للشغوفين بعالم الكتاب، ومهنيي النشر والكتاب والمثقفين وحتى الفضوليين.
نعم، لم نسمع لأي صوت ولم تتحرك الوزارة الوصية حيال هذا الامر غير قرار الغاءه وقبلها قيل انها ستنظم طبعة افتراضية.!
يعيش اليوم مهنيو قطاع النشر على هذا الواقع، فالمعرض الذي كان بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة الغي، كتب منشورة مكدسة، مبيعات متراجعة في المكتبات، تظاهرات ادبية مؤجلة ونقاش عقيم في أعلى هرم القطاع. وضعية تجعل هذا المجال اكثر هشاشة من ذي قبل ولا احد يتحرك. ناقوس الخطر يدقه خبراء وكتاب ومهنيو القطاع قبل اي وقت مضى لانقاذ ما يمكن انقاذه.
براهيم ثزاغرت، كاتب ومدير دار نشر ثيرا:

جائحة كورونا تضعنا امام حالة غير مريحة . فلا تقبل الغاء السيلا بمقبول و لا رفع الصوت للدفاع عن التظاهرة بالسهل لما تحمله من مخاطر على صحة المواطنين.
سكوت الوزارة و افتقادها الى مشروع اغاثة الكتاب عبر دعم دور النشر محير حقا. الخطاء الذي يمكن ان تقترفه هو دعم المستوردين في مكان المنتجين وطنيا. هذا الدعم سيوجه الي دور النشر الاجنبية عرض الجزائرية.
الاف الكتب هي اليوم مكدسة و عرضة للفساد لان الاغلبية من دور النشر ليست لها امكانيات التخزين الامثل. هده الحالة تعرضهم لافلاس محتوم في غياب دعم من مؤسسات الدولة.
الاستراتيجية الموازية للحفاظ على المهنة هو تنظيم الفاعلين لانفسهم و رسمهم لخريطة طريق تؤسس لتظاهرات شعبية حول الكتاب. يجب وضع الكتاب في قلب انشغالات المواطن عبر اعادة الاعتبار للثقافة و دورها في مسارات التغيير و بناء الامم. فشعب لا يقرء هو شعب يذل و يستعبد.

عمار كساب، خبير في السياسات الثقافية:

الكتاب في الجزائر واحد من اضعف القطاعات القافية في الجزائر، عمل المسؤولون على القطاع منذ عشرات السنين على تركيعه، حتى لا يشكل مصدر إزعاج للنظام. ويعتبر قانون انشطة و سوق الكتاب الذي نشر في الجريدة الرسمية سنة 2015، الساري المفعول، بمثابة الضربة القاضية للكتاب الذي اصبح بقبضة السلطة بصورة مطلقة، تتحكم في مضمونه و تتلاعب بأنشطه. ولا يخفى على احد ان الكتاب واحد من القطاعات الذي عرف فسادا منقطع النظير، حيث حولت باسمه ملايير الدينارات لجهات ليس لها اي علاقة بالنشر. وتستحتضرني هنا عملية غامضة، قامت فيها وزارة الثقافة بمحو ديون بعض دير النشر، بملغ 44 مليار سنتيم، دون ذكر اسباب هكذا خساء و لا اسماء المستفيدين ! سيلا، الذي هو بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة، لا يلعب اي دور في سوق الكتاب التي هي غير موجودا اصلا. هو مجرد معرض، كاي معرض للمواد الغذائية، يسمح لبعض دور النشر ببيع بعض الكتب و كفى. انا شخصيا مع تعليق كل الفعاليات المتعلقة بالكتاب، و فتح تحقيق في تسيير المال المتعلق بالكتاب في العشرين سنة الماضية. اما ان نتكلم اليوم عن اصلاح الكتاب، فذلك غير ممكن دون تدقيق و محاسبة. انا عن سوق الكتاب الحقيقية، هي تلك السوق التي تسمح الوصول للقارئ كل الكتب، مهما كانت توجهاتها، وهو حر في اقتناء ما يريد و العدول عن ما يريد. هي السوق التي تفرز الناشر الجيد من الناشر الفاشل بقوة العرض و الطلب، و ليس بقوة المحاباة و المساعدات. هي السوق التي يوجد فيها آلاف وحدات بيع الكتب، و ليس آلاف دور النشر و عشرات المكتبات فقط.

ماسينيسا تيبلالي، كاتب روائي:

كما لعالم الأحياء نظامه البيئي، وللبيولوجيا معالمها التّي إذا ما اختلت إختلّ التوازن الطبيعي، فإنّ للأدب منظومته، وخارطته الخاصة به، تواترت مِن زمان، وبالكاد اختلّت في أي مكان… إنها الأدبولوجيا (أو فلتكن كذلك في حدود مقالتنا هذه).

المنظومة الأدبولوجية ترسم المسار “الطبيعي” الذي يأخذه الكتاب، أيّ كتاب، في رحلته انطلاقا مِن المؤلف وانتهاءً بالقارئ، وبين هذا وذاك برزخ مسافته بضعة عناصر ونيف، تتسمى بـ “صناعة الكتاب”، والتي تشمل أساسا: الناشر، المطبعي، الموزع، المكتبة.. لتتعداها بين الفينة والأخرى إلى: المُروّج، الإعلامي، الناشط الثقافي، المقهى الثقافي، المؤسسة الوصيّة.. الخ

في الأخير، ضمان التوازن الأدبولوجي يمر عبر اجتماع جملة من العناصر والأسباب الصانعة للكتاب، حول رهانين لا ثالث بعدهما: جودة النص من قبل المؤلف، وجودة “شكل النص” النهائي والخدمة المرافقة له في سبيل إرضاء القارئ… دون ذلك، فهو اختلال…

ومن أمثلة الإختلال أنْ:

– تراهن منظومة الأدب على مستهلك آخر للنص بعيدا عن القارئ، كأن تجد دور نشر معينة جهات ما تقتني الكتاب “بالجملة” دون أن تكون بالضرورة موجهة للقارئ والقراءة.

– أن يستمد عنصر من بين جملة العناصر التي تفصل بين المؤلف والناشر، سائر ايراداته أو جزءا هاما منها مما يسمح له بمواصلة التواجد، مِن جهة ما كان لابد منها أن تلعب دور “الوصي”، “المؤطر” و”المبادر”، لا “الممول الحصري”.

– أن تُقصى عناصر مهمة في “دورة الكتاب في الطبيعة” كالمكتبي مثلا، أو أن تتداخل العناصر وتلعب أدوارا أكبر من أدوارها، فلا الموزع قد يُراهن عليه لو لعب دور لجنة القراءة، ولا الناشر كان ليكون سائقا جيدا يجوب الزقاق موصلا للنّسخ.

– أما من جهة النص، فأكثر شيء يخل بتوازن الأدبولوجيا، المراهنة على ما يُكتب في قالب “المُرخص له سياسيا”، والذي يستوفي كامل “دفتر الشروط الاجتماعية”، النص “المؤدب المطيع” عوض النص الجيّد “أدبيا”.

– كما يختل توازن الأدبولوجيا إذْ يستمد النص كما صاحبه، شرعيته من مصادر أخرى بعيدا عن القارئ، كالسوشيل ميديا، والضجيج، والكاتب الأقدم.. كل هذا، في الأدبولوجيا المتوازنة، وجب أن يشكل حلقة من جملة الحلقات التي تعطي للنص كافة حظوظ المقروئية لدى القارئ، والذي بدوره يبايع للكتاب أو يكفر به.

فأما الأول فهو زيف..

فأما الثاني فهو ريع..

الثالث بترٌ..

الرابع تهجينٌ..

وأما الخامس فهو العبث بعينه.

الحق، ودونما مبالغة، يعيش الكتاب في الجزائر زيفا وريعا وبترا وتهجينا وعبثا مدة 11 شهر في العام، ثم يدخل في إطار “أدبولوجي” طبيعي متوازن حصرا أيام صالون الكتاب الدولي. فلو طُلب مني رأيي بخصوص مصير الكتاب في سنة 2020، لقُلت اختصارا انها السنة التي اختل التوازن فيها 12 شهرا عوض 11.

ونحن نستعرض ايام السيلا للطبعات الماضية في مقابل الصمت الرهيب اليوم ، يجعلنا امام حتمية الذهاب إلى ضرورة الالتفاف حول إستراتيجية حقيقية للنهوض بسوق النشر والكتاب ان وجد، والابتعاد عن الحلول الترقيعية.

مقالات ذات صلة

إغلاق