آراء وتحاليل

ثورة شعب و معركة البقاء.. بقلم آية دالي

ما يحدث في فرنسا المتغطرسة من إضطرابات و من جائحة كورونا، كشفتها على حقيقتها على المستوى السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي رغم ذلك لا تزال تدير معالجة مشاكلها الداخلية بالعودة إلى مستعمراتها القديمة و خير دليل على ذلك ما يحدث في لبنان، أمام إستنكار العالم بكل أشكال التدخل الخارجي.

الجزائر في موقع تقاطع مصالح دولية مستهدفة كالعديد من الدول الوظيفية المستعمرة التي لم يشهد لها مثيل، فرنسا تريد ثروات الصحراء على رأسها الغاز الصخري لتكرار مأساة مخلفات التجارب النواوية برقان و تسميم أكبر بحيرة للمياه الباطنية ،أمريكا تريد مناجم المعادن الثمينة، روسيا تريد حروب و الهيمنة على سوق الأسلحة، الصين تريد الأستلاء على الأسواق الإفريقية و أصبحت أرزاق الجزائريين و الشعوب المستضعفة مهددة في أمنها و خيراتها لقمة سائغة تتقاسمها الشركات المتعددة الجنسيات بواسطة رشوة دوائر السلطة لشراء قرارات سياسية ودسترتها بنظام رئاسي شمولي قمعي مغلق لخدمة مصالحها مقابل رسكلة منظومة الحكم على مقاسها التي إعتادت على الفساد بفتح الخزائن والحدود وعسكرة أراضيها ومؤسساتها بنفس لغة الإملاءات الخارجية و لغة الإستعلاء و التي هي في الأصل مخلفات الإستعمار التي تركت صنائعها و عملاءها قبل رحيلها و التقنين لإستنزاف مقدرات شعوبها خلسة الى حد دسترت إستنزاف و المتاجرة بدماء أبناءنا خارج الحدود باسم محاربة الإرهاب و وراء شعارات السلم وحماية الأقليات..، والأصل الإنفتاح على الحضارات دون أن نذوب ونفقد سيادتنا و أن نراعي خصوصياتنا دون أن ننغلق ونفقد مقوماتنا…سياسات مر زمانها بعد قرار الشعب بالقطيعة الجذرية لهذه الزمرة التي تفتقد إلى الشرعية و ممارساتها منذ خروج الشعب يوم 22 فبراير 2019 بشعارات أقلقت و أرعبت و زعزعت عرش المنظومة الحاكمة على رأسها “دولة مدنية ماشي عسكرية” بعد ظهور جيل جديد ناضج سياسيا، الذي أراد الإستقلال الحقيقي وإعادة كتابة التاريخ المحرف و الذي عقد العزم دون رجعة صامدا منذ ذلك الحين لتحقيق كل أهداف ثورته السلمية المجيدة دولة مدنية عدالة إنتقالية دولة الحق و القانون و السيادة الشعبية الكاملة في تقرير مصيره دون أي وصاية.

اليوم لبنان و ليبيا …و غدا الجزائر الغارقة في صراع الأجنحة مستهدفة وعلى الشعب أن يستيقظ لهذه المؤامرات التي تحاك ضده و أن يتوحد كرجل واحد و الإجتماع صفا واحدا على قواسم مشتركة قبل فوات الأوان العد التنازلي قد بدأ..و ذكرى يوم أول نوفمبر هو يوم الفصل لعودة الشعب الى شرفه و كرامته و ينتزع سيادته و يسترجع مجد شهداء الثورة التحريرية لمواصلت الدرب الذي بدؤوه في تحرير الأرض من أجل تحرير الشعب عبر عودة الحراك السلمي و سيادة الشعب الذي لا يزال رهينة تلاعبات القوى الإستعمارية المستكبرة لمواصلة نهب خيرات البلاد وإستعباد الشعب.

الآن الشعب الجزائري الواعي للتحديات المصيرية في معركة فاصلة تاريخية هو بحاجة على أن يظل على قناعة بأنه على حق و أن أهل الباطل على باطل مهما إختلفت أسماءهم، لا يخفى على أحد عدوانية السلطة الغير مبررة ضد الشعب سواءا على الحقوقيين أو الصحفيين أو الطلبة و النقابيين والحراكيين أو حتى على السياسيين و أحزاب المعارضة المعتمدين، السلطة تخوض معركة بقاء ضد الشعب الذي يريد التغيير ورحيل المنظومة الحالية في ظل مخلفاتها الإقتصادية والإجتماعية الكارثية و رئيس مطعون في شرعيته بمحاولة تمرير مسودة دستور أجمع جل الجزائريين على رفضها توقيتا و شكلا و مضمونا بالمقاطعة بزخم أكثر مما قاطع الإنتخابات الرئاسية 12/12 و إستمرار تعنت صناع القرار المستبدون بتمرير أجندتهم غصبا عن إرادة الشعب بسياسة الأمر الواقع و القمع و الهروب الى الأمام و سياسة فرق تسد بإثارة النعرات التي تقسم الشعب والإستفادة من جائحة كورونا خلال تعليق الحراك الشعبي تعقبتها إعتقالات واسعة للمناضلين و الحراكيين لم يشهد لها مثيل في عهد المخلوع، منطق إقصاء الشعب في تقرير مصيره و تعزيز الصورة الأبوية في مخيلاته للإستمرار في الحكم يعرض الجزائر إلى أخطار حادقة و إنزلاقات لا يحمد عقباها لا قدر الله.

في هذه المعركة الفاصلة ما هو دور الشعب الجزائري رجالا و نساءا ؟
هل دوره أن يقعد موقع المتفرجين لا و ألف لا .. ليس من شيم الشهامة و الشرف و المروءة و الرجولة من يقف موقف الحياد، هذه معركة حرية وعقيدة وهوية وشرف و وجود فلا كرامة لمن يقف موقف الحياد و السكوت يعكس قلة الإيمان و قلة الهوية و قلة الإنتماء الى هذه الأرض الطاهرة التي سقي كل حفنة من ترابها بدماء الشهداء الطاهرين و قلة الإنتماء الى هذا الشعب الأبي الذي ثار و لا يزال ثائرا إلى يوم الناس هذا من أجل التغيير الجذري و عودة الشرعية الى صاحب الشرعية ألا و هو الشعب و بناء دولة الحق و القانون و العدالة المستقلة…سكوتك و جلوسك منتظرا متفرجا لجولات الصراع لتحدد موقفك قبل الجولة الحاسمة هو تطبيع مع أعداء الأمة يسألك عليه قاضي السماء و التاريخ و الأجيال المتعاقبة فشتان بين الذي يسفق للمنتصر و بين الذي يحدد هويته و موقفه من البداية و يضع بصمته و يحصل له الشرف ويكتب مع الصديقين الشرفاء المخلصين.

قد يسأل سائل لماذا الله يترك الباطل يصول و يجول و يهين أهل الحق لبعض الجولات، ألسنا على حق ؟ بلا، إنما هو إبتلاء ليميز الخبيث من الطيب فإذا ثبت أهل الحق على حقوقهم المشروعة لحظة واحدة متحدين كرجل واحد تحول ميزان القوة لصالحهم رغم كل المعانات والمتابعات والمناورات و الترهيب تلك هي سنته و قوانينه الفيزيائية و الإنسانية و الكونية هي بالأساس معركة نفسية و معنوية و نحن بحاجة الى الوحدة و التعبئة و التكتل و التنظيم.. و الصبر و الثبات للإنتصار ودفع النظام للجلوس الى طاولة الحوار لمرحلة إنتقالية لرحيله في عقد إجتماعي سلس و آمن.

 

الجزائر ليست عقيمة، ما زال في هذه الأمة على المستوى السياسي وعلى المستوى الفكري وعلى المستوى العلمي والميادين و الحراك الشعبي السلمي الموحد المتجدد بكل أطيافه، ما زال الأمل يراود أهل نخوة و أهل كرامة و أهل عزة قد يضحون بأعز ما يملكون حفاظا على حريتهم و كرامتهم من أجل إخراج الجزائر من النفق المظلم إلى بر الأمان و بناء جزائر الغد ذات السيادة الشعبية التي يحملونها في وجدانهم.
الطالبة والناشطة الجمعوية آية دالي

مقالات ذات صلة

إغلاق