الواجهة

بشار الأسد ورامي مخلوف.. الخلاف على العلن!!!

 

ظهر مؤخرا رجل الأعمال السوري “رامي محمد مخلوف” في فيديو على صفحته في موقع فيسبوك وهو ينشر غسيل العائلة ليُطلع عليه العامة، في مشهد اثار دهشة الكثير من المتابعين للوضع السوري، فمثل هذه الخلافات لم تكن تظهر للعلن على مدار خمسين سنة من حكم عائلة “الأسد”.
في بداية سبعينيات القرن الماضي وصل اللواء آنذاك “حافظ الأسد” لسدة الحكم بعد انقلاب قاده على اصدقائه في اللجنة العسكرية البعثية والتي كانت قد تشكلت في القاهرة مطلع الستينات أيام الوحدة مع مصر، هذه اللجنة شكلها مجموعة من الضباط البعثيين الذين كانوا ضد قرار الرئيس الراحل عبد الناصر بحل حزب البعث العربي الاشتراكي أولا وضد الممارسات التي عرفتها الوحدة ثانيا، وكان أغلب أعضاءها من الطائفة العلوية أبرزهم “صلاح جديد” و”محمد عمران” و”حافظ الأسد”.
بعد انقلاب الضباط الدمشقيين سنة 1961 والذي نجم عنه الانفصال وإنهاء الوحدة، استمرت اللجنة في التكتل بشكل يقترب من السرية، ومع سلسلة الانقلابات التي عرفتها سوريا في تلك المرحلة تمكنت اللجنة من المناصب الحساسة داخل الحزب والجيش مستغلة في ذلك الخلافات بين قيادات حزب البعث التاريخيين والإقصاءات التي نجمت عن ذلك داخل الحزب وفي قلب الجيش السوري، الى غاية انقلابها على الرئيس السابق “أمين الحافظ ” هو ومن ولاه من أعضاء القيادة القومية للحزب البعث.
وصل الخلاف الى قلب اللجنة البعثية بعد أن اشتد الصراع بين قطبيها الكبيرين العلويين “حافظ الأسد” و”صلاح جديد”، لكن “الأسد” حسمها ضد “جديد” واستولى على السلطة مع بداية عام 1970 بحركة سمية بالتصحيحية، ليأسس لنظام حكم مبني على الطائفية أولا ثم الأوليغارشية العائلية فيما بعد.
وبعد مجزرة مدينة حماه الشهيرة في الثمانينات أحكم “حافظ الأسد” قبضته على مقاليد السلطة، موجها رسالة واضحة لشعب السوري ولحزب البعث أيضا أن الحكم سيبقى داخل عائلة الأسد، وبعد ذلك وبتزامن مع تعرض الأب الرئيس الى الأزمة القلبية الأولى، ظهر الخلاف بينه وبين قائد سرايا الدفاع آنذاك شقيقه “رفعت الأسد”، قبل أن يتدخل الروس والرئيس الليبي السابق “معمر القدافي” للحل الخلاف، وإقناع “رفعت” بالمغادرة الى باريس مقابل حصوله على ملايين الدولارات دفعها “القدافي”، كشبه تعويض لتخليه عن منصبه في سوريا ليتم حل ميليشا سرايا الدفاع التي كانت تحت إمرته، ورغم حساسية الوضع وضخامة الصراع الى أنه بقي في الخفاء ولم يطفو الى السطح بشكل الذي ظهر عليه الصراع الأخير بين ابن الخال “رامي محمد مخلوف” و”بشار الأسد” مطلع الأسبوع الماضي.
ورغم مقتل الابن الأكبر “لحافظ” أي “باسل” والذي كان شبيهًا بولي للعهد في دولة تَدَعِي أنها جمهورية، اتفق على تعويض “بشار” لأخيه، دون أن يشعر الناس أن هناك أزمة في أعلى هرم الحكم، حيث أن وفاة “باسل” أثرت سلبا على “حافظ” الذي علق أمالا واسعة عليه لتثبت حكم “الأسد” في سوريا الى الأبد.
توفي الرئيس سنة 2000 وقامت الدائرة الضيقة المحيطة به والكلام هنا عن الجنرال “مصطفى طلاس” وزير الدفاع و”عبد الحليم خدام” وزير الخارجية آنذاك بتنفيذ وصية الرئيس حرفيا، وتعديل الدستور في وقت قصير من الزمن لم يتجاوز الساعة، في مشهد وصف بالأسطوري ليتولى الابن الثاني “بشار” السلطة بعد والده، دون أن تظهر الكواليس للعلن أو أن يفكر أحد منهما في المطالبة بأحقيته في تولي المنصب رغم ان كلاهما انشق عن نظام “بشار” فيما بعد.
مع بداية الثروة السورية سنة 2011 كان معروفا للخبراء بالنظام السوري، أن العلاقةَ لم تكن مستقرة بين الرئيس وزوج شقيقته “آصف شوكت”، الذي يجمع الكل أن “بشار” لم يرتح يوما له بسبب طموحه الواسع، لتنفجر عبوة ناسفة داخل مكتب مدير جهاز الأمن القومي “عمار بوختيار” والذي كان في اجتماع مع “آصف شوكت” ومجموعة من الضباط المسؤولين في الجهاز، مما أدى لوفاتهم جيمعا، ثم يُتداولُ الطرح القائل أن التفجير كان مدبرا من “بشار” بغرض التخلص من زوج شقيقته، والتعليل هو استحالة دخول أي شخص لمكتب مدير جهاز الأمن القومي ، فإذا صح هذا التحليل أو لا فالمؤكد أن الخلاف كان قائم بين “بشار” وشقيقه “ماهر” من جهة وبين زوج شقيقتهما من جهة اخرى لكنه لم يخرج للأضواء.
بالعودة لـ “رامي” فهو ابن خال “بشار” أي “محمد مخلوف” الذي كان دائما في ظهر الرئيس “حافظ “مستفيدا من الامتيازات غير القانونية في ظل الفساد الذي عمّ سوريا ليكوّن من ورائها أموالاً طائلة، ويستمر ابنه في نفس الموقع مع الرئيس الابن، مستحوذا مع بداية الثورة على شركتين للاتصالات كانتا ملك للدولة بثمنٍ زهيد بحسب رئيس الحكومة الأسبق “رياض حجاب”.
“رامي مخلوف” أيضا كان المموِل الرئيسي لجماعات “الشَبِيحَة” التي عبثت في أرض سوريا فسادا قبل الثورة، واستمرت في محاربة الثوار بعد اندلاعها، وبقي وفيا للبشار لآخر لحظة قبل ظهوره في الفيديو المذكور أعلاه، مذكرا الرئيس بكل هذا ومطالبا اياه بردِ الجميل وعدم الاستمرارِ في الإطاحة بمنظومته المالية.
فمنذ مدة تعرف المجموعة المقربة من “رامي” وغالبيتهم مدراء ومسؤولين في شركاته، جملة من الاعتقالات في كثير من الأحيان والتضييق في بعضها، هذه الحملة تقودها زوجة الرئيس بحسب “رامي مخلوف” الذي لمح لهذا، مطالبا الرئيس بوقف هذه التصرفات غير أخلاقية بحسب تعبيره.
ما يحدث اليوم داخل العائلة الحاكمة في سوريا هو نتاج الوضع الذي تعيشه سوريا منذ عقد من الزمن، وهو محاولة إعادة توزيع ريّع سوريا المنهوب قبل الثورة واثنائها، ومحاولة التكيف مع ما يسمى باقتصاد الحرب، الخاصية المستحدثة هذه المرة هي خروج هذا المشهد للعلن، بينما بقي سرِياً طوال الأزمات التي مرت بتاريخ الحكم في سوريا، اشهار هذا خلاف قد ينبئ بسقوط “آل مخلوف” التي لطالما كانت في ظهر حافظ وبشار؟ وبداية تفكك المنظومة الاوليغارشية لـ “الأسد” ونهاية عهده رغم الانتصارات التي يدعيها؟

حمزة زايت / باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولة

مقالات ذات صلة

إغلاق