وطني

الجمعة التاسعة عشر، الشرطة قمعت والمتظاهرين أصروا

الجمعة التاسعة عشر من تاريخ الحراك الجزائري والموافق ل 28 جوان 2019، كل المؤشرات صباحا كانت توحي أن المسيرات ستقمع، فالكم الهائل من شاحنات الشرطة التي ملئت الشوارع الرئيسية للعاصمة، و الإعتقالات التي طالت بعض المواطنين في الصباح الباكر، كان خير دليل عن سوء النية، فكيف لسلطة تجرأ على إقتياد الأطفال الصغار لمراكز الشرطة أن تحسن الضن فيها؟

وكما جرت العادة، الساعة الثانية بعد الزوال، قوة الحراك تكمن بعد صلاة الجمعة، حيث رسم المتظاهرين جماعات جماعات أجمل وأبهى صور التآخي وأسمى مظاهر التحضر الذي غاب هذه المرة في الجهة المقابلة، التي باشرت باستعمال الغازات المسيلة للدموع لتخويف  وتفريق المواطنين المصرين على “دولة مدنية ماشي عسكرية“  والذين أستطاعوا إجتياز هذا الحاجز بنجاح، ربما لأنهم تعودوا على هذه الرائحة في الجمعات الأولى من تاريخ الحراك الجزائري، خاصة وأن الجمعة التاسعة عشر كانت شبيهة كثيرا بجمعة 22 فيفري، كيف لا ونفس ممارسات نظام بوتفليقة عادت للميدان و أصبح الإعتقال سيد الموقف.

الساعة الثانية والنصف بعد الزوال، بعد تمكن المتظاهرين من إجتياز محور دوران مستشفى مصطفى باشا متجهين صوب البريد المركزي وساحة الشهداء فوق ميدان حسيبة بن بوعلي الذي لا يزيدهم سوى  القوة والعزيمة، مثل التي كانت تملكها الشهيدة حسيبة التي ضحت بنفسها لنعيش أحرار، فنصف الحرية لن يقبلها الجزائريون الأحرار الذين يحلمون بوطن يضمن الكرامة قبل الحياة. نعم كيف لا وفي منتصف الطريق تفاجأ المتظاهرون بقطع مسارهم بشاحنات الشرطة التي أستعملت للمرة الثانية الغازات المسيلة للدموع لتشتيت المسيرة.

لكن وللمرة الثانية لم تنجح وتمكن المتظاهرون مرة أخرى من إجتياز هذا الحاجز، ما يجدر ذكره في هذه اللحظات هو تعالي بعض الأصوات المطالبة بأخذ مسار نهج فيكتور هيجو والإلتحاق بمتظاهري شارع ديدوش مراد لتلقى الرفض عند أغلب المتظاهرين وإلحاحهم على عدم تغييرهم للمسار وبالفعل تمكنوا من المرور بعد دخولهم في مواجهات مع قوات الشرطة وتمكنهم من الإجتياز فوق الرصيف  قبل أن يسترجع  الطريق كاملا وتغادر تلك الشاحنات التي أغلقته رافضين أن يسلب منهم معلم آخر من معالم الحراك مثلما سلب قبل هذا الكثير.

وهنا وجب التوضيح، الحراك في العاصمة منذ بدايته أخذ ثلاثة مسالك، القادمين من شارع حسيبة والقادمين من شارع ديدوش والقادمين من ساحة الشهداء، باب الواد وقصبة الجزائر، ليلتقي الجميع أمام البريد المركزي ويتجهون في الأخير نحو قصر المرادية  سالكين نفق الجامعة المركزية أو ما يسمى بغار الحراك، ثم نهج محمد الخامس ليقمعون في كل مرة بطريقة عنيفة أمام قصر الشعب دون وصولهم لقصر الرئاسة بالمرادية إذ يتسلل بعض البلطجية في هذا المكان بالذات (قصر الشعب) و يغيروا الإتجاه السلمي للمسيرة  وهنا نذكركم ونترحم أيضا على الشهيد سليم بن خذة الذي إستشهد جراء التدافع حينها، لتقرر فيما بعد السلطات غلق نهج محمد الخامس، ويتحول البلطجية لنفق الجامعة المركزية أين تعرض العديد من المواطنين هناك للسرقة والإعتداء وهنا أيضا سقط الشهيد الثاني وهو شاب في مقتبل العمر أستشهد بعد سقوطه والدوس عليه جراء الإستعمال المفرط للغازات المسيلة للدموع وتوجيهها صوب النفق،  ليتقرر فيما بعد غلق النفق  بحجة سلامة المتظاهرين، نفس الحجة التي أغلقت بها مدرجات وسلالم البريد المركزي خوف عليه من السقوط بعدما لوحظ على البناية تشققات حسب ما جاء في تقرير تقني للجهات الوصية.

الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال، حر شديد، قمع، خوف من مواجهات أخرى  مع أفراد الشرطة، ربما ليس خوفا من الشرطة لأن سبب الخروج نبيل ومطالبه موحدة فتحقيقها يضمن الكرامة للجميع، مدنيين، عسكريين وشرطة، كيف لا وهذا شعب طالما هتف، ” جيش شعب خاوة خاوة ”، نعم أعتقد أنه هذا هو سبب الخوف، مواجهة أخيك في الميدان، آلاف، ربما مئات الآلاف من المتظاهرين، في شارع الشهيد ديدوش مراد و بعد تمكنهم من إجتياز جميع الحواجز وجميع العقبات هتفوا للحرية ولسلطة الشعب وللسلمية و للأخوة وللدولة المدنية.

الساعة الخامسة بعد الزوال، وبكل تحضر ينصرف الجميع في مشهد راقي، تاركين خلفهم شوارع نظيفة بعدما أدى الشباب الجزائري الواعي دوره كاملا في الإسعاف، التنظيف و التأطير، ضاربين موعدا آخرا مع الحرية في عيد الحرية، والجمعة العشرين  من تاريخ الحراك وثورة الإبتسامة الموافقة لخمسة جويلية 2019.

محمد لمين مغنين

مقالات ذات صلة

إغلاق