آراء وتحاليلثقافات

الإعلام … موهبة فطرية أم شهادة أكاديمية ؟!

بقلم: حسام بن سكايم

نقاشات حادة تلك التي نراها يوميا على منصات مواقع التواصل الاجتماعي بين طلبة الإعلام وغيرهم حول ما إذا كان الإعلام فن كالغناء والرسم أم أنه علم قائم بذاته يجب أن يدرس خلف أسوار الجامعات، و لا يدق أبوابه سوى الحاملين لشهادات أكاديمية في تخصص الإعلام والاتصال.

هذان الفريقان المختلفان يرى أولهم أن الإعلامي ليس بحاجة إلى شهادة جامعية حتى يظهر أمام شاشة التلفاز أو يكتب مقالا في جريدة، ويضرب مثالا على ذلك ويقول: أن الإعلام كالغناء تماما، لأن أشهر المغنيين لم يدخلوا معاهد الموسيقى ولا يملكون شهادات جامعية لكن رغم ذلك حققوا نجاحات باهرة واستطاعوا أن يكونوا جمهورا خاص بهم من كل انحاء العالم.
أما الفريق الثاني ومعظم رواده من طلبة الإعلام يرفضون كل دخيل على تخصصهم حتى ولو كان حاملا لموهبة إعلامية رهيبة مؤكدين على أولويتهم في هذا المجال.

وبين هذا وذاك فأي رأي يمكن أن نسلم به ونستطيع أن نطبقه على أرض الواقع ؟ أم هناك رأي وسط يجمع بين الرأيين السابقين ؟

قبل كل شيء يجب أن نتفق على أن الإعلام مثلث متساوي الأضلاع ضلعه الأول يشكله “العلم” أما ضلعه الثاني فتشكله “الصناعة” وقاعدته “الفن والموهبة”.

فلا يمكن لأي كان أن يظهر أمام الكاميرا ويقدم برنامجا دون موهبة ربانية، وفصاحة لغوية كانت قد تشكلت لديه بمرور الأيام والسنوات … أي أن الإعلام يحتاج إلى إبداع فردي من قبل الفرد، والإعلامي الجيد يمتلك دون أدنى شك قدرة خلاقة في الإلقاء أو التحرير لتبدو كتاباته سلسة مرنة المدخل للنفوس بعيدا عن الخطابة والانفعال والإنشاء، وبالتالي فإن مفهوم الفن في الإعلام يعتمد على الفطرة الذاتية للفرد دون أي تدريب أو تعليم.

ولكن هذا الكلام لا يمكن أن يعتبر كليا لأن الواقع يثبت أن الموهبة وحدها لن تؤهلك لأن تكون إعلامي ما لم تكن ملما بمعظم جوانب علم الإعلام، فمن المستحيل أن يكتمل مفهوم الإعلام دون معرفة حقائق ملموسة على أرض الواقع، كما أن الكثير من الموهوبين لم يصمدوا كثيرا ورفعوا راية الإستسلام لشيء واحد هو جهلهم بأبجديات هذا العلم.

كما أنه من غير المعقول أن تكون إعلامي ناجح وأنت جاهل بالقوانين التي تضبط عملك، أو تجهل حقوقك وواجباتك، فكم من صحفي راح ضحية نفسه بسبب تعديه لخطوط حمراء كان يجهلها، وأصبح دمية في يد ملاك المؤسسات الإعلامية لجهله بحقوقه الأساسية.
وحتى بجهلك لنظريات التأثير على الجمهور كنظرية الحقنة تحت الجلد أو لولب الصمت … لن تكون قائد رأي بل مجرد صحفي بسيط يتوقف سقف أحلامك عند تقديم نشرة أخبار.
زيادة على هذا لا ننسى التغييرات الكبيرة التي أحدثتها تكنولوجيا الإعلام والاتصال حيث أصبح لزاما على الإعلامي أن يكون ملما بكثير من المهارات الفنية الجديدة، كمعالجة الصوت والصورة والتصوير … حتى يفتك لقب “الإعلامي الشامل”.
ومن لم يدرسوا الإعلام كعلم يبقى لديهم مشكلة في فهم فلسفة الاتصال، ولربما هم عندهم موهبة في صياغة الرسالة، لكن لم يدرسوا الابعاد النفسية والاجتماعية للاتصال، فلو كان الإعلام فقط كتابة خبر، او مقال، أو صورة صحفية، لأغلقنا أقسام الإعلام، والصحفي الذي يملك الموهبة دون العلم سوف يشعر نفسه غير ملم بكثير من الأشياء حتى بعد خبرة عشرين عام، و أن الصحفي الذي تعلم الصحافة سيشعر دائما أن لديه الأسس العلمية في الإعلام، وأنه لا ينقصه شيء سوى المزيد من الخبرة والتجربة.

إذن إذا كانت الموهبة وحدها غير كافية لتكوين إعلامي ناجح فهل العلم وحده كفيل بذلك ؟

كذلك العلم وحده دون موهبة لن يحقق شيء، فكم من بروفيسور في الإعلام لا يقوى حتى على الظهور أمام الكاميرا، وكم من حامل لشهادات أكاديمية يمارس الإعلام بأسوأ صوره.

فمن خلال كل ما تقدم نستطيع أن نعتبر الإعلام فن يقوم على أساس علمي، لا علم دون موهبة ولا موهبة دون علم.

أما الضلع الثالث من أضلاع مثلث الإعلام فهو الصناعة إذ يمكن اعتبار الإعلام صناعة كأي مشروع إقتصادي آخر يحتاج إلى تمويل متتعدد المنافذ حتى يلبي حاجات المؤسسة الإعلامية، فالمادة الأولية للإعلام هي الجانب المادي ومن بعده يأتي الفن والعلم.
وهذه هي الأضلاع الأساسية لمثلث الإعلام وأي خلل في أحد هذه الأضلاع سوف يؤثر على بشكل سلبي الإعلام المحتضن داخل هذا المثلث.

مقالات ذات صلة

إغلاق