آراء وتحاليل

ارفعوا القيود عن تجارة الكوكايين في الجزائر

 

ارفعوا القيود عن تجارة الكوكايين في الجزائر

د. مصطفى راجعي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة مستغانم 

( المقال مصنف في خانة الآراء فهو  يمثل رأي صاحب النص فقط )

 

فجّرت كمية الكوكايين المحتجزة، قبل نحو 20 يوم، بميناء وهران، المقدرة في حدود 7 قناطير، صدمة كبيرة وسط ذهول الرأي العام، نجمت عن الواقعة أسئلة تبحث في الجهات التي تقف من خلفها ووجهة هذه الحمولة وهناك من ربط هذه الحادثة بمسألة الاستحقاقات الرئاسية المزمع تنظيمها في 2019.

 

بعيدا عن السجال الحاصل،  فضلت تناول الواقعة من زاوية مختلفة تنظر إلى هذه حادثة الكوكايين من نافذة اقتصادية بغرض البحث في الظواهر المرتبطة بتجارة الكوكايين بغية فهمها.

 

واستنادا لأطروحة اقتصادية ليبرالية أثبتت نجاعتها في العديد من البلدان، بينها الولايات المتحدة الأمريكية تبين أن المشكل ليس في الكوكايين أو المخدرات على وجه العموم كون هذه الأخيرة عبارة  عن مواد كيميائية سامة.

 

لكن، الخطر يكمن في منع تجارتها وممارسة الحظر عليها، مما يزيد في تفاقم الظاهرة ويؤدي إلى ظهور نتائج عكسية لا أحد كان يرغب فيها.

 

في علم اقتصاديات الجريمة والمخدرات، إتضح من خلال تجربة الحظر الأمريكي للكحول في العشرينات من القرن الماضي أن هذه العملية خلقت نتائج خطيرة أسوء من نتائج  الاستهلاك.

 

هذا ما ينسحب أيضا على الكوكايين، إذ مازالت الحكومات تبذل مجهودات بتسخير موارد بشرية ومادية ضخمة في حربها عليه.

 

ورغم الإمكانات التي وفرتها الحكومات، غير أنها لم تستطع القضاء لا على إنتاجها ولا على استهلاكها، بل تزايد، بحسب مؤشرات قدمتها منظمة الصحة، على الطلب عليها.

 

ومرد ذلك في اعتقادي هو تورط الموظفين الحكوميين في الفساد نتيجة هذه الحرب ضد الجريمة المنظمة العابرة للقارات.

 

وفي تقديري أن التفكير الاقتصادي يمكنه أن يفك طلاسم الحرب على الكوكايين، ويقترح بدائل وحلول جذرية قد تساعد في الحد من هذه الظاهرة.

 

لهذا ينبغي أولا النظر إلى مخدر الكوكايين على أنه سلعة اقتصادية، إضافة الى كونه مادة مخدرة محظورة، فلكل سلعة سعر والسوق، كما هو متعارف عليه، هي من تحدد أسعار السلع نتيجة تفاعل العرض مع الطلب .

 

وعبر هذه العملية، قد تطرأ تقلبات في الأسعار- تنخفض أو ترتفع- حسب المتغيرات في الكميات المعروضة من السلع.

 

 

ولا يخفى على أحد أن المخدرات بصفة عامة أو الكوكايين على وجه الخصوص، سلعة اقتصادية ثمنها مرتفع جدا وتحقق ربحية عالية للممتهنين، لأن كميات المخدرات المتوفرة في السوق محدودة بسبب القانون الذي يحظر إنتاج والمتاجرة فيها.

 

وبفعل تضاؤل السلعة ترتفع أسعار الكوكايين في مقابل تزايد الطلبات عليه أصبح يدر هذا النشاط أرباحا خيالية على المنتجين والباعة لكن هذا النشاط التجاري بات يؤدي بصاحبه إلى السجن أو الإعدام .

 

إن الربحية العالية في تجارة الكوكايين الناجمة عن ارتفاع الأسعار تغري بعض الافراد  على ممارسة هذا النشاط ذو المخاطر العالية وعموما سيكون هؤلاء الأشخاص ممن يزاولون هذا النشاط المحظور ذوي سمعة اجتماعية سيئة وذوي مهارات عنيفة.

 

وبسبب الخطورة التي تكتنف هذا النشاط، فإن تجارها يضيفون تكاليف تحمل المخاطرة والمجازفة في أسعارها .

 

وبالرغم من ذلك، إلا أن الجهات الأمنية لا تبذل مساع في هذا الصدد ونادرا ما تتمكن من توقيف “المافيا”الناشطة في المجال.

 

ذلك أن أفراد الأمن والقضاة ألفوا التعامل “الجرائم”، بناءا على  شكاوى، بيد أن الأمر يختلف تماما مع تجار الكوكايين والمستهلكين، فهي يمكن وصفها أنها جرائم بلا ضحايا.

 

وقد يجد القاضي أو رجل الأمن نفسه أمام أشخاص يتاجرون في سلعة كثر عليه الطلب من طرف بعض المستهلكين أو تجار دون حدوث أي ضرر، ومن هذا المنطلق، يحدث نوع من التراخي في وسط المسؤولين الحكوميين لمواجهة هذه الظاهرة .

 

ومع مرور الوقت، تبدو لهم هذه التجارة المصنفة قانونا جريمة أنها لا تشبه الجرائم الأخرى في شيء ومن هنا ينشأ الفساد الحكومي لدفع أجور  من قبل  تجار الكوكايين للموظفين الذين لم يؤدوا مهامهم وبالتالي تتحول تجارة الكوكايين إلى سبب في الفساد الحكومي .

 

فضلا عن ذلك، فإن العائدات المحققة من وراء هذه التجارة، تجعل الرؤوس الكبيرة لهذا الميدان توفر مبالغ طائلة لشراء صمت أو تعاون الموظفين الحكوميين عن انشطتهم التجارية غير الشرعية في نظر القانون.

 

والمفارقة، أنه كلما شددت الحكومات في حظر الكوكايين كلما زاد ارتفاع أثمانها وتعاظمت مداخيل التجار وسهل عليهم رشوة الموظفين كما كان الحال مع حكومة طالبان التي ادعت تطبيق الشريعة.

 

وتتجه اليوم كل دول العالم إلى إعادة النظر في التشريعات المتعلقة  بالكوكايين أو المواد المخدرة، من خلال التعاطي مع الظاهرة اقتصاديا  لمحاربتها والتأثير على العوامل التي تتسبب في ارتفاع أسعارها مما ينعكس ايجابيا على عائدات تجارها.

 

وفي هذا المسعى الإصلاحي ، هناك توجه في بعض البلدان إلى مراجعة العقوبات المرتبطة بتجارة تلك المواد التي تتسبب في الإدمان برفع الطابع الجنائي عن هذا النشاط  والنظر اليه من زاوية الصحة العمومية، كما هو الحال في البرتغال.

 

وأثبتت الدراسات الإقتصادية أن رفع الحظر عن تلك المواد ساهم في خفض  أسعارها و خفض أرباح  المنتجين والموزعين وجعل الحكومة أكثر فعالية في محاربة الجريمة المنظمة العابرة للقارات.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق