الأرشيفثقافاتوطني

“أعيش بجنسيتين..وهذه قصتي”/القصة الثالثة

حين كنت صغيرا، لم أكن أدرك سبب ذلك الإختلاف بيني وبين أقراني، في طريقة نطق بعض الحروف، وكذلك المعاملة الفضة من بعض الجيران ومن بعض أفراد العائلة الكبيرة، وكلمة ابن اليهودية التي أسمعها عدة مرات في اليوم، أتعجب لأستاذة التربية الإسلامية التي طردتني من القسم قائلة لي ليس من حقك أن تدرس الإسلام، كل هذا الغموض أزاله حديث أخي حين قال لي: “والدتنا لبنانية، مسيحية الديانة وهذا ما لم يعتد جيراننا على رؤيته في حيهم”.

كان جدي متعاقدا في الجيش  وكانت تربطه علاقة صداقة بزوج وردة الجزائرية، لقد كان والدي يرافق جدي في كل أسفاره فهو من كان يتكفل بتجارته، كانت لقريبة أمي علاقة قرابة مع وردة الجزائرية، أتت والدتي للمرة الأولى للجزائر مع قريبتها أين قابلها والدي في سوق أهراس، تبادلا الإعجاب، ثم أعلم جدي بذلك فذهبا معا لطلب يدها من أهلها في بيروت.

تبادل والدي مشاعر الحب وكوّنا عائلة، وأنجبا أولادا منهم من ولد في الجزائر ومنهم من ولد في لبنان، أنا ولدت في لبنان، وقضيت طفولتي ومراهقتي في حي باب الواد الشعبي، هناك عشت تجارب عسيرة، كنت أعاني من نظرة الناس إلي لمجرد أن أمي تدين بغير الإسلام، لقد دفعت ضريبة “الخوف من الإختلاف”، كنت أشعر أنني معزول من طرف المحيط الذي كبرت فيه رغم أن لا ذنب لي في كل ما يحدث. كنت أنسى كل هذا بمجرد أن تحضنني أم زميل لي، لقد كانت الملجأ الوحيد لي بعد أمي.

في فترة العشرية السوداء ازداد القلق والضغط أكثر، فقد كانت أمي تجد رسائل أمام الباب، فهي لم تكن متحجبة، وكان نص إحدى تلك الرسائل “سنضع رأسك أمام الباب ونرمي جثتك في البحر”. لقد كان زلزال باب الواد نقطة تحول في حياتي وحياة عائلتي، حيث اضطررنا للرحيل لمدينة أخرى، وقررت والدتي دخول الإسلام والذهاب لمكة المكرمة وأداء مناسك العمرة، منذ ذلك الحين فتحت صفحة جديدة في حياتي.

رغم كل هذه المشاكل، إلا أنني متصالح جدا مع ذاتي ومع البعدين الجزائري واللبناني في شخصيتي، تربيتي على يد أمي أكسبتني نوعا من النكهة الشرقية في تركيبتي، أغاني فيروز دائمة الحضور في المنزل، كما أنني أفتخر جدا بأصولي الشاوية، وأعشق مدينة مروانة وأزورها في كل عطلة، ولا أفهم حقا ذلك الشعور الجيّاش الذي ينتابني حين أسمع النشيد الوطني.

أمي تحمل نظرة جميلة عن الجزائريين منذ حطت قدماها لأول مرة أرض هذا البلد، الشعب الجزائري مضياف وكريم مقارنة بشعوب أخرى، رغم كل ما حدث لها إلا أنها تمسكت بزوجها وأولادها، وربتنا على عشق هذا الوطن..أنا موسى، جزائري لبناني وهذه كانت قصتي.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق