الأرشيف

في تجمعهــم الأسبوعي..عــائلات المفقــودين تتحــدى البــرد من أجل أبنـائهم

الأربعاء، دقائق بعد التاسعة صباحا نلمح هناك بين العربات أجسادا واهنة، تسير بخطى ثقيلة، بطيئة قاصدين الشارع المقابل للمقر السـابق للجنة الوطنية لترقية و حماية حقوق الانسان بالجزائر. 

لم يكن مرورهم عابرا في ذلك المكان، فقد أمضوا فيه أكثر من 20 سنة من أجل قضيتهم، هي قضية أبنائهم، قضية بالنسبة لهم كل الوجود.
انها عائلات المفقودين ; أمهــات، أبـاء، زوجــات و أخوة، رغم مرور أكثر من 20 سنة، مازالوا أفياء لأبنائهم، و أفياء للمكان الذي يجمعهم و يجمع معهم الكثير من اﻷلم، الكثير من الأمل و طول اﻹنتظار.
ككل يوم أربعاء، هم في الموعد يحضنون صور أبناءهم خوفا أن تتبلل. لم تمنعهم شدة البرد، ﻻ غزارة اﻷمطار و ﻻ طول الطريق من التحاق بالمكان المعتاد. بالرغم من معاناتهم يأبون الاستسلام، متمسكون بالتجمع الأسبوعي، وتبقى معـاناتهم شاهدة عن حق ضاع وسط ظلم المسؤولين، لم تنفع فيه لا آهات اﻷمهات و ﻻ تضرعاتهن ليصح ضميرهم.
20 سنة تمر و مازال أملهم قائما، 20 سنة لم يجف عروق الوصل في حبل الوريد، و مازال الحنين في صدورهم ينتظر ضم ابن طال غيابه. تختلف حكـاياتهم، ويختلف سردهم لتفاصيل إختطاف ذويهم، لكن القضية واحدة، قضية مفقود غــاب قسرا.  

 

“تجمعــنا الأسبــوعي هذا، ليس بنشـاطنـا الوحيد” تقـول خالتي جقجيقة أم المفقود حكيم.  ” فنحن اعتصمن لسنوات طويلة في كل مكان، تظاهرن في كل المناسبات، طرقن جميع اﻷبواب حاملين معنـا صور أبنـاءنا، لكن دون جدوى”. تضيف ام حكيم ” لم ننل سوى  قرارات و تصريحات، تنديدات و بيانات. لم ننل سوى حبرا على ورق “

رغـم كبر سنــها ماتزال أم حكيم قويــة، نعم قوية لدرجة أن عيونها ﻻ تجتمع فيهم الخوف و ﻻ تردد و هي يصرخ في أوجه رجال اﻷمن الذين يطوقون العـائلات ” نريد أبنائنا”. قوية لدرجة انها تملك صوت واثق يحمل كلمات متماسكة ” اعيدوا لنا ابناءنا لندخل بيوتنا”. تصرخ طويلا بروح تنصهر و صوت يخرج من حنجرتها كفيل بأن اﻷوجاع معه تزدحم. و تارة يخيم عليها الصمت، صمت مطبق و سكوت يعانق الشفاه المرتجفة لاجتياح الحنين و الشوق لإبنهـا. حنين مغموس بأشياء كثيرة، تعب و جروح ، آهات و ألم، حب و ضَمَّ  إبن .. مآله اﻹنتظار ثم اﻹنتظار.

مقالات ذات صلة

إغلاق