اقتصاد ومؤسساتوطني

الوزيرة الأولى الفرنسية: زيارة الجزائر أمر مهم لأي مسؤول فرنسي

أكدت الوزيرة الأولى الفرنسية، إليزابيت بورن، على أهمية الزيارة التي تقودها إلى الجزائر بداية من اليوم وستدوم يومين، حيث سيكون برفقتها وفد وزاري ضخم يشارك في الطبعة الخامسة للجنة العليا للبلدين، خاصة أن زيارتها تأتي بعد 40 يوما فقط من زيارة الرئيس، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر التي توجت بإعلان الجزائر من أجل شراكة متجددة، سيكون وسيبقى أساس المبادلات المستقبلية بين البلدين، “وسنعمل جاهدين على تجسيده بشكل ملموس وفعال قدر الإمكان”.

وتوقفت بورن، في هذا الحوار مع “الخبر” وموقع “TSA”، عند أهم الملفات التي ستكون في صلب زيارتها إلى الجزائر وفي أجندة الدورة الخامسة للجنة الحكومية رفيعة المستوى، على غرار التعاون الاقتصادي والثقافي والشباب وموضوع التأشيرات، مشددة على أن فترة عدم التفاهم بين البلدين قد ولت.

وأشادت رئيسة الوزراء الفرنسية بالدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة في محاربة الإرهاب واستتباب الأمن في الساحل، وجددت دعم بلادها لاتفاق السلم والمصالحة بمالي الموقع بالجزائر.

أما فيما يتعلق بملف الذاكرة، فقد أكدت بورن: “مقاربتنا هي النظر إلى الحقائق التاريخية وجها لوجه بكل تواضع وبصيرة”، مشيرة إلى أن “العمل الموجه للنظر في حقائق تاريخنا المشترك، من شأنه أن يشكل فضاء للاعتراف المتبادل. هذا شرط تطوير علاقاتنا المستقبلية”.

تأتي زيارتك إلى الجزائر بعد أقل من شهرين من زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون، وحينها قررت فرنسا والجزائر بدء عهد جديد في علاقاتهما.

هل يمكن أن نعرف ما هي الملفات الرئيسية التي سيتم تناولها خلال هذه الزيارة؟

بغض النظر عن البعد المؤسساتي، زيارة الجزائر أمر مهم لأي مسؤول فرنسي. سأحل بالجزائر على رأس وفد وزاري ضخم، وهذا أمر لم يسبق أن حصل، إذ يرافقني تقريبا نصف أعضاء الحكومة، في إطار إعلان الجزائر الذي صدر في 27 أوت الفارط. في هذا النص المهم، تلتزم فرنسا والجزائر بإعادة ربط شراكة استثنائية. من خلال هذا الإعلان المشترك، نعزز مستوى التعاون على جميع الأصعدة: سياسيا، إداريا وتقنيا. باجتماعنا في الجزائر، ستواصل حكومتانا هذه الحركية التي بدأها رئيسا البلدين.

الدورة الخامسة للجنة الحكومية رفيعة المستوى التي ستنعقد، 40 يوما بعد زيارة الرئيس ماكرون، تشهد من خلال التنوع الكبير للمسائل التي ستعالجها على حركية وثراء وكثافة تعاوننا، وكذا حجم المنافع المشتركة التي يمكننا جنيها من علاقة وطيدة أكثر. نحن نسير نحو وتيرة أكبر من الاتصالات والمبادلات. تعكس هذه الزيارة الرغبة المشتركة لخلق الظروف الملائمة لشراكة مستدامة ومستقرة تعود بالنفع على شباب بلدينا بشكل خاص. إنها شراكة متجهة بعزم نحو المستقبل.

إعلان الجزائر من أجل شراكة متجددة، ومن خلال محاوره الستة، سيكون وسيبقى أساس مبادلاتنا المستقبلية، وسنعمل جاهدين على تجسيده بشكل ملموس وفعال قدر الإمكان. من بين الملفات التي سنتطرق إليها: التربية، الثقافة، الانتقال الطاقوي والاقتصاد، التعاون بشكل أكبر سيكون مصدر نماء لبلدينا. في هذا الصدد، سنفتتح مع الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان منتدى الأعمال الثنائي الذي سيجمع، على مدار يومين، عددا من الشركات الفرنسية والجزائرية. أنا مقتنعة بأن هذه الملفات هي في قلب تطلعات بلدينا.

أوروبا جمعاء متخوفة من أزمة طاقوية حادة خلال فصل الشتاء القادم. ماذا تنتظر فرنسا من الجزائر فيما يخص رفع إمدادات الغاز؟ وقد تحدثت بعض وسائل الإعلام الفرنسية عن استعداد الجزائر لمضاعفة إمداداتها لفرنسا، هل تؤكدين صحة هذه المعلومة؟

تمر فرنسا وأوروبا بأزمة طاقوية متعلقة بتأثيرات الحرب في أوكرانيا. وقد استبقت فرنسا ذلك بتنويع مصادر التموين الطاقوية، لا سيما من الغاز، وسرّعت تطوير الطاقات المتجددة، ووضعت مخططا لخفض استهلاك الطاقة قدمناه للتو.

يجدر التذكير بأن الغاز لا يمثل سوى 20% من الخليط الطاقوي الفرنسي، إذ تعتمد فرنسا بشكل أقل على واردات الغاز مقارنة بدول أوروبية أخرى. وفي هذا الخليط الطاقوي، تمثل الجزائر حوالي 8 إلى 9% من مجموع واردات فرنسا من الغاز. غير أننا نرغب في مواصلة تطوير شراكتنا مع الجزائر في هذا القطاع، لا سيما فيما يخص الغاز الطبيعي المسال، وكذا للرفع من فعالية القدرات الجزائرية لإنتاج الغاز، ما يسمح بزيادة قدراتها التصديرية نحو أوروبا.

بالموازاة مع ذلك، وعلى المدى الطويل، نرغب في ربط شراكة مع الجزائر في مجال الصناعة والبحث للتقليل من انبعاثات الطاقات الأحفورية وللاستثمار في الطاقات المتجددة، لا سيما الطاقة الشمسية التي تعتبر بشكل واضح مصدرا طاقويا رئيسيا بالنسبة للجزائر في المستقبل. من جهة أخرى، نرغب أيضا في تطوير شراكات اقتصادية أخرى تخص المعادن والأتربة النادرة، ما يفتح أفقا للتعاون بين بلدينا. وهنا أيضا، الطريق مفتوح أمام مبادلات صلبة تعود بالمنفعة على الجزائر وعلى فرنسا أيضا.

قرار السلطات الفرنسية التقليل بشكل كبير جدا في عدد التأشيرات الممنوحة لرعايا الدول المغاربية، ومن بينها الجزائر، أثر بشكل حاد على العلاقات بين بلدينا. هل فتحت الزيارة الأخيرة للرئيس ماكرون أي آفاق لحل إيجابي لهذه المسألة الحساسة؟

إصدار التأشيرة هو فعل سيادي. نود توضيح مقاربتنا المشتركة للهجرة بشكل بنّاء أكثر وللتركيز أكثر على الهجرة المنتقاة، للطلبة والمقاولين والمسؤولين السياسيين والباحثين والفاعلين الثقافيين والرياضيين، مع صرامة أكبر في محاربة الهجرة غير الشرعية. نحن في حوار مع السلطات الجزائرية لجعل تعاوننا في مجال الهجرة أكثر انسيابية وأكثر فعالية، لأن تعزيز التنقل الشرعي وإفشال التنقلات غير الشرعية يعود بالفائدة المشتركة على بلدينا.

خلافا لما هو شائع، لم تتوقف فرنسا عن إصدار التأشيرات للجزائريين، إذ تم منح أكثر من 85.000 تأشيرة هذه السنة إلى غاية 31 أوت الفارط، بالرغم من القيود المفروضة على السفر بسبب الأزمة الصحية. كما لم يتوقف عدد تأشيرات الطلبة عن الارتفاع، حتى أثناء فترة غلق الحدود بسبب الجائحة، إذ قفز الرقم من 5.288 تأشيرة سنة 2019 إلى 7.717 تأشيرة خلال سنة 2021، أي ارتفع بنسبة 45%. بنهاية شهر أوت الفارط، أصدرنا أكثر من 5.000 تأشيرة للطلبة. بلغ عدد الطلبة الجزائريين في فرنسا أكثر من 29.000 طالب، ما يعادل 8% من إجمالي الطلبة الأجانب في فرنسا. يمثل الطلبة الجزائريون ثاني جالية طلابية في فرنسا من حيث العدد، بعد الصينيين والهنديين، والإيطاليين الذين يمثلون الجالية الأوروبية الأولى.

يعجز محور الجزائر باريس عن الخروج من علاقته المتسمة بالعاطفية، ويتعلق أصل الخلاف بقضايا ذاكرة الفترة الاستعمارية، وتبقى هذه القضايا حاسمة بالنسبة لتطبيع العلاقات. هل فرنسا مستعدة لفتح صفحة جديدة مع الأخذ في الاعتبار تطلعات الطرف الجزائري؟

أعتقد أن فترة عدم الفهم قد ولّت. الزيارة التي قام بها الرئيس ماكرون، أواخر أوت الفارط، كانت مناسبة لإعادة بناء العلاقات الثنائية على أساس الاحترام المتبادل. اليوم مقاربتنا هي النظر إلى الحقائق التاريخية وجها لوجه بكل تواضع وبصيرة. هذا الالتزام هو في قلب العلاقات الثنائية، كما يشهد عليه القرار المشترك للرئيسين ماكرون وتبون بخلق لجنة من المؤرخين للعمل معا على إيجاد نقاط التوافق التي تمكّن من بناء الذاكرات بشكل هادئ. هذا العمل الموجه للنظر في حقائق تاريخنا المشترك من شأنه أن يشكل فضاء للاعتراف المتبادل. هذا شرط تطوير علاقاتنا المستقبلية.

من جهة أخرى، سنعتمد ابتداء من الآن على إطار حوار مهيكَل من أجل ضمان متابعة الأعمال التي نقوم بها، مع عقد اجتماعات دورية. تم اعتماد هذه المقاربة الجديدة باتفاق مشترك بين رئيس الجمهورية ونظيره الرئيس تبون في أوت الفارط، ومن شأنها توجيه عملنا اليوم.

مثلما أبرزته تشكيلة الوفد المرافق له في زيارته للجزائر، يعوّل إيمانويل ماكرون كثيرا على الجالية الجزائرية كجسر بين فرنسا والجزائر. ما الذي يمكن أن تقدمه هذه الرؤية فيما يتعلق باندماج هذه الجالية وازدهارها؟

يحرص الرئيس ماكرون على تثمين الجاليات في فرنسا، إذ يذكّر في كل مرة بثرائها وإسهاماتها، وكذا قدرتها على خلق جسور بين ثقافتينا وبين بلدينا. للجاليات دور رئيسي في جميع المجالات، ولا سيما على الصعيدين الاقتصادي والثقافي. وأذكر هنا بشكل خاص المبادلات بين وزيرتي الثقافة خلال زيارة الرئيس للجزائر، والتي انبثقت عنها مبادرات ملموسة في مجال السينما مثلا، حيث سنعزز تعاوننا في مجال الإبداع والإنتاج.

من جهة أخرى، أعلن الرئيس ماكرون في مرسيليا شهر فيفري المنصرم، بمناسبة منتدى العوالم المتوسطية، عن إنشاء صندوق دعم خاص بقيمة 100 مليون يورو. تم إنشاء هذا الصندوق لمرافقة جاليتينا بشكل خاص في مشاريعها في هذه القطاعات، ولنتمكن من الذهاب أبعد.

أظهرت فرنسا دعمها من خلال الرئيس ماكرون لمخطط السلم في مالي، الذي بادرت به الجزائر، في وقت نرى توتر العلاقات بين باريس وباماكو، الذي بلغت ذروته مع سحب القوات الفرنسية المشاركة في عملية برخان. هل باريس بصدد تغيير مقاربتها بشأن المسألة المالية والتقرب من وجهة النظر الجزائرية؟

تلعب الجزائر دورا أساسيا، جغرافيا وسياسيا، في محاربة الإرهاب ومن أجل الاستقرار في منطقة الساحل. في مالي، حاربت القوات الفرنسية الحركات الإرهابية بطلب من السلطات المالية. وقد سمحت تدخلاتها بالقضاء على معظم كوادر الجماعات الإرهابية المالية. لقد اكتملت عملية انسحابنا العسكري من مالي، ولكن لا يمكن حصر دعم فرنسا لبلدان الساحل في حضورها العسكري فقط. جهودنا الدبلوماسية من أجل استتباب السلم والأمن في المنطقة، بشراكة وطيدة مع الجزائر، لم تتوقف أبدا، وكذلك دعمنا للتنمية الاقتصادية في منطقة الساحل.

الاجتماع الأول من نوعه الذي تم في زرالدة، والذي جمع مسؤولي الدفاع والأمن من فرنسا والجزائر، كان محطة أولى استجابة لطموح رفع مستوى تنسيقنا بشكل أكبر. في مالي، نواصل دعم تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة الذي وقعت عليه كل من الجزائر وفرنسا.

مقالات ذات صلة

إغلاق