الأرشيفوطني

الأطباء المقيمون ..”وابوتفليقاه”

وهذا نص الرسالة الكامل :

سيادة الرئيس، القاضي الأول في البلاد، إننا على وعي بالمرحلة المهمة والحساسة التي تمر بها بلادنا ضمن هذا المحيط الإقليمي الملتهب والدولي النازح للحروب والصراعات، كما نعلي فيكم إصراركم على محاربة كل ما يحاك ضد أمنها وسلامتها، وضد كل من يريد تعكير مسار التنمية الذي شرعتم فيه منذ أن استلمتم مقاليد الحكم.

سيادة الرئيس، إيمانا منا نحن الأطباء المقيمون في العلوم الطبية بأن وحدة الجبهة الداخلية وتلاحمها يعتبر أكبر ضامن لاستمرار التنمية واستتباب الأمن، وبعد أن استفرغنا الجهد والوقت مع الجهات الوصية دون أن تثمر جولات الحوار المتكررة والطويلة، إضافة إلى تصريحات غير مبررة لبعض المسؤولين كيلت فيها التهم الباطلة لنا، ومع ما لاحظناه من تأليب للرأي العام ضدنا وخوفا منا على أن تتحول قضيتنا المشروعة والقانونية إلى ورقة قد يستعملها مرضى القلوب والمناصب، ممن لا يدخرون جهدا في جعل مطامعهم الشخصية قبل الشعب والوطن.

نرفع لكم سيادة الرئيس هذه الرسالة حرصا منا على أن تصلكم مطالبنا نقية من كل تأويل وزيف، ويقينا منا بأنكم نصير المظلوم وحامي الدستور والناظر لرعيته بعين المساواة في الحقوق والواجبات.

سيادة الرئيس، منذ ستة أشهر من الزمن شرعنا نحن، ما يقارب خمسة عشر ألف طبيب مقيم، في حركة احتجاجية سلمية مسَّت كل ربوع الوطن وذلك بعد أن أوصدت أمامنا كل أبواب الحوار الجدي، وغُيّبَت النية الصادقة لإيجاد حتى أدنى حد من التوافق‫ والتفاهم، فأصل المسألة يرجع لكرامة الطبيب التي تم تدنيسها، لذلك توجهنا بمطالبنا المشروعة إليك، كيف لا وقد كنتم ولازلتم، سيادة الرئيس، ترفعون شعار العزة والكرامة.

سيادة الرئيس، ان فئتنا، الاطباء المقيمون، ‪‬ترفض الرضوخ لغير مبادئ السمو و العدل، وتقاوم بشدة كل محاولات الاذلال و سلب الكرامة من أي طرف كان. إن الأطباء المقيمين بكل تخصصاتهم قد أقسموا على أنفسهم وتعاهدوا‬ ‫أمام الله منذ أن وطئت أقدامهم كليات الطب ومعاهده، على أن يجعلوا راحة المريض فوق راحتهم وعلى أن يسهروا على أنين‬ ‫العليل حتى يخف وعلى توظيف علمهم وجهدهم وإفناء شبابهم بل وكل حياتهم خدمة للمرضى وعيادة الأسقام والآلام، احتسابا لله، بكل وعي وتكريس للغالي والنفيس، بتقان عالي وهمة قليلة النظير.

سيادة الرئيس، نحن بحكم وظيفتنا، ‬نشخص الداء ونعرف مكمن الخلل لنتفادى المرض ولنصف العلاج الصحيح، هذا ما يحصل منذ سنوات، تقارير وشكاوي وتظلمات، ترفع باستمرار الى الوصاية، ‬مرفقة بوصايا وخطط واقتراحات لتذليل‬ ‫العقبات، واضعين نصب أعيينا صحة المواطن وكيفية الرقي بها ‬إلا أن الإجابة كانت وعودا وتطمينات ثم حوارا من أجل الحوار ثم‬ تهميشا وتجاهلا والآن هروبا للأمام و تنصل من المسؤولية من طف الوزارة الوصية.

سيدي الرئيس، ‬إن التشريعات الخاصة بالقطاع صارت تُقَنن دون اشراك أو مشاورة جادة لعمال القطاع.

سيدي الرئيس، ان المشكل أعمق والخطب اجل، ما يعاني منه الأطباء المقيمون اليوم من ظلم وتمييز يعود أصله إلى انتهاك وتعدي غير مسبوق للدستور، ‪‬أي أنه تحد مباشر لتعليماتكم سيدي الرئيس كونكم الحامي الأول ‫للدستور وقاضي القضاة.

إن الدستور الجزائري لا يضم مواطنا مع وقف التنفيذ أو مواطنا من الدرجة الثانية يُحرم من حقوقه ويُكلف بواجبات، لا لشيء سوى لكونه طبيبا، ‪‬في عبث وتعال ودوس على القانون والدستور ومبدأ المواطنة والتساوي ويتمثل الأمر في كون الطبيب، المواطن الجزائري الوحيد الذي يُجبَر على تأدية الخدمة المدنية والعسكرية تِباعا.

مكمن الخلل في الخدمة المدنية، في‬ ‫كون هذه السياسة تكريسا للفشل المستدام ومعاداة جلية لمسار التنمية الذي سعيتم لتجسيده، سيدي الرئيس، في برنامجكم، وفي هذا السياق، نستسمحكم، سيادة الرئيس، بأن نزيل لبسا وتأويلا مبطّنا بتأليب حين يقال بأننا نرفض الخدمة المدنية ونمتنع عن خدمة شعبنا العزيز.

سيادة الرئيس، فلما كانت القوانين تصاغ وتطبق لتحقيق أهداف لا لرفع عتب فإننا نؤكد لكم بأن كل الأطباء المقيمين في جميع التخصصات هم أول من يسبل نفسه ضد التصحر الطبي، إيمانا بحق المواطن في العلاج والوقاية. لكن لمّا ثبت بالدليل العلمي والواقع التطبيقي أن التشريعات الناظمة للخدمة المدنية لم تحقق الغرض المنشود بل وتجاوزته إلى حد النقيض، وعلى إثر كل هذا قدمنا مقترحات بديلة من شئنها توسيع مجال العلاج والوقاية في ظروف أحسن لكنها قوبلت بالرفض مرات عديدة رغم حجّيتها النظرية والعملية قياسا بتجارب دول أخرى. فلماذا الإصرار على الفشل ولماذا سلوك نفس الطريق عدة مرات رغم عدم نجاعته ‪‬ولماذا يفرض فقط على الطبيب وحده، ‫بإجبارية، أداء الخدمة المدنية في نوع من الإذلال النفسي في حين أن باقي خريجي الجامعة الجزائرية لا تفرض عليهم أي‬ ‫إجراءات مماثلة، ولما لا يتم تعويضها بنظام تحفيزي مهني اجتماعي يجعل الطبيب يحيي كرامة طالما تمناها.

أما بالنسبة للخدمة الوطنية، فإننا جاهزون للذود عن وطننا في كل آن، إلّا أنه تم استثناؤنا مؤخرا من الإجراءات القانونية التي تخص حقنا في الإعفاء ككل المواطنين الجزائريين وتمت مساواتنا بالعصاة.

سيدي الرئيس، ‪‬إن المتتبع لمسيرتكم لا يخفى عليه عنايتكم بالمرأة الجزائرية كما لا يخفى عنكم أن أكثر من ثلثي عدد الأطباء المقيمين هُن من النساء،‬ فهل تعلم سيدي الرئيس أن الطبيبات المقيمات الجزائريات محرومات من أبسط حقوقهن، إنه حق الأمومة، نعم سيدي الرئيس،‬ إن حق الأمومة اليوم صار موضع خيار ومساومة.

سيدي الرئيس، ‪‬إن الضغط الرهيب والمساومات والإجراءات التعسفية، ‬إضافة إلى تعنت الإدارة والوزارة الوصية وعملها‬ ‫الدؤوب على تطويق مطالبنا وتمييعها وخنقها وتشويهها أدّت إلى المزيد من الانسداد وتعميق الأزمة مما يدفع بالقطاع إلى المزيد من التعفن والشلل، وهذا ما يجعل من تدخلكم، سيادة الرئيس، الضمان الوحيد لوضع حد لهاته المهزلة التي لا تليق بجزائر العزة والكرامة، وكلنا ثقة في قدرتكم على إنقاذ الوضع وإعادة قاطرة القطاع إلى سكة النمو والتطور والرقي في خدمة المواطن والوطن.

سيادة الرئيس، كلنا ثقة في إقراركم بمشروعية مطالبنا وقدرتكم على تلبية جميع المطالب التي يشترك فيها الأطباء المقيمون في كل من التخصصات الطبية والتعليمية البيداغوجية والبيولوجية والتخصصات الصيدلانية وطب‬ ‫الأسنان، ‬ندعوكم، سيادة الرئيس، إلى إنصافنا وتمكيننا من حقوقنا المشروعة.

سيادة الرئيس، إن حلمنا يسبق الإحباط واليأس، وثقتنا فيكم أكبر من أن يُعكر صفوها تصريح استفزازي من مسؤول أو حملة منظمة لا تريد الخير للبلاد والعباد، هذه رسالة وصرخة باسم الآلاف من الأطباء المقيمين الصامدين المثابرين الواثقين في مستقبل أفضل.

مقالات ذات صلة

إغلاق