آراء وتحاليلوطني

مواطن تحت العادة بقلم الدكتور في الطب مصطفى بوالطين

مواطن تحت العادة – مصطفى بوالطين –

لم يؤلمني وقع العصا على رأسي، منظر الدم يسيل من رأسي لم يروعني، تعودت لونه على مئزري. ذراعي المكسورة لا تهمني، صارت الكسور بالنسبة لي شيئا من اليوميات. وجه أمي الشاحب، دموع ابنتي العالقة، نظرات زوجتي المرتبكة، كلها لم تثر شفقتي. أصبحت انسانا فوق العادة .. لا يحس، هكذا يريدونني، انسانا مهيئا للعمل فقط، لا يأكل، لا ينام ولا يمرض. صحيح لم أنم منذ زمن، آخذ فترات من الغيبوبة تنسيني واقعي، الهالات حول عيني شاهدة أنني لم أخلف يوما بعهد الإنسان فوق العادة. أنا لا آكل، أحاول أن أمنع هذا الجسد المفرغ من الروح عن التلف.
يظنون أنه يجب أن يمنح جل حياته لمرضاه، متعب أنا، أريد أن أسترجع شيئا من حياتي، عزيزي المريض هل تسمح بأن لا أهب لك حياتي كلها؟ هل تتنازل لي عن قليل يسمح لي باحتضان ابنتي دون أن أفكر في غير عينيها.
هذا العام لاحظ الإنسان فوق العادة أن حياته التي وهبها ذهبت سدى، فالمواطنون لازالو يموتون على أبواب المستشفيات وداخل سيارات الإسعاف، لازال هو يتنقل آلاف الكيلومترات ليجد أن المرضى قطعوا نفس المسافة في الاتجاه المعاكس بحثا عن مستشفى يليق به هذا الإسم، مستشفى يتوفر على التجهيزات اللازمة وعلى أطباء سخروا حياتهم للبحث عن صحة المريض لا عن لقمة عيشه وعن سقف يؤويه هو وعائلته.
تسائل الإنسان فوق العادة كيف أنه ورغم تنازله عن حياته لم يضمن حياة غيره. أدرك أن الخطب ليس منه وحده وإنما من قطاع مريض يحتاج أن تتكاثف الجهود حتى تبث فيه الروح من جديد، قضى شهورا في الصراخ مشيرا للخطب لكن لا أحد ينصت.
هذا الصراخ أزعج من به صمم، فحاول اسكاته كالعادة بالعصا والصاعق الكهربائي والاعتقالات.
صور الإسكات أيقظت الإنسان العادي، لم يصدق عينيه، كيف للإنسان فوق العادة أن يصرخ، كيف له أن يطالب بشيء ما، هل يملك روحا داخل هذا الجسد، هل يحس بألم العصا …
أخذ في تأويل الصور متأثرا بما سمعه عبر وسائل الإعلام التي أوردت المطالب على أنها تكبر من الأطباء على أهل الجنوب ودلال زائد، في حين كان الأطباء يطالبون برفعهم من رتبة مواطن تحت العادة إلى مواطن عادي يتساوى مع غيره في الواجبات وفي الحقوق.
في هذه اللحظة تحول قطاع الصحة إلى جسد خال من الأمراض سوى عنجهية الطبيب وطمعه في مال المريض.
في هذه اللحظة انزوى الطبيب في زاوية مظلمة بعينين شاخصتين ينظر إلى اللاشيء.

بقلم الدكتور في الطب  مصطفى بوالطين.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق