آراء وتحاليلالأرشيف

تمثال عين الفوارة يكشف عورة المجتمع الجزائري

استعادت حادثة الإعتداء على تمثال عين الفورة بولاية سطيف شرق الجزائر من طرف شخص ملتح يرتدي قميصا في صورة شكلية تعكس توجهه المعتقدي و المذهبي السلفي، النقاش من جديد داخل المجتمع، كما تفاعل معه رواد مواقع التواصل الإجتماعي، فيما انخطت السلطات المركزية و المحلية في الجدل من خلال اقداما بشكل سريع على ترميم التحفة الفنية المخربة استجابة لعدة مطالب ناد بها “الفسابكة”.

من خلال ما حدث، يبدو أن التفاعل يعكس هاجس و تخوف الشارع الجزائري من احتمالية تكرار أحداث التسعينيات أين شهدت الساحة الوطنية، وقتها، صعود أسهم الحركات الأصولية وميلاد التيارات التكفيرية المتشددة. ومع مرور الزمن أخذ منعطف الأحداث مسارا دمويا حين اختارات التيارات التكفيرية منهج ما يسمى زورا بـ”العمل الجهادي” وهو ما كانت ترمي إليه استراتيجية حزب الجبهة الاسلامية للإنقاذ.

وكان خيار المواجهة المسلحة مع السلطة من بين السبل التي اعتنقها “الفيس” بعد توقيف المسار الإنتخابي في بداية التسعينات، مما خلف الالاف من القتلى أعداد هائلة من الجرحى فضلا عن تخريب العديد من الهياكل القاعدية، فيما لا تزال الصورة المأسوية راسخة في الأذهان إلى غاية اليوم .

وفي أعقاب تلك الأحداث، طفت إلى سطح النقاش جملة من الاسئلة، بينها، هل استفاد الجزائريون من أزمة التسعينات؟ وهل أدرك المجتمع خطورة التطرف على مستوى البنية الإجتماعية ؟ وهل يعي جيل ما بعد التسعينيات مخاطر التشدد الديني في وضع اقليمي ملتهب على الحدود؟ ولماذا ما زال التطرف يصنع الحدث باستمالته للعقول ؟ وكيف لجماعات ارهابية منهكة تماما تستقطب عبر خطاباتها بعض الشباب ؟ لماذا تصاعد و تزايد الخطابات الكراهية و العنف اللفظي و الرمزي تجاه المسائل الهواياتية و المختلف الديني تجاه المرأة ؟ لماذا تراجعت مستويات التسامح و العيش المشترك المختلف ؟

في حدود علمي، أعتقد أن تغييب المجتمع الأكاديمي و الجامعي في تناول أسباب و ظروف ميلاد ظاهرة العنف المسلح ومحاولة إيجاد الألية في فهم و قراءة مصادر التطرف و الغلو لدى الأفراد و الجماعات و انعدام اقتراحات عملية و نظرية كبدائل تجعل التطرف حالة شاذة و استثنائية و ليست حالة مجتمعية، رغم وجود بعض المبادرات الشحيحة تحاول قراءة المشهد قراءة معرفية و أنثروبولوجية، لكن في الغالب هي إسهامات خارج السياق المجتمعي و بعيدة عن النقاشات العامة حيث تبقى غير فعالة ودون تأثير ملموس على الواقع.

ومن وجهة نظري، الأمر يحتاج الى تأسيس و متابعة و إنشاء اكاديميات تتناول كل الأبعاد و المسائل الإقليمية و التحديات الأمنية و علاقاتها بالتطرف الديني، فإلى غاية اليوم مثلا يبقى الإنتاج الأدبي و الفني – السينمائي شبه منعدم في رسم صورة الدمار و معاناة المواطن الجزائري، خلال تلك الفترة، عدا ارشيف كمادة خامة احدثت صدمة لدى الشارع حينما بث التلفزيون الجزائري صور مذبحة بن طلحة خلال العشرية السوداء.

ومن هذا المنطلق، فإن الحديث عن العنف يبقى حديث طويل معقد لابد من الخوض في أعماقه ويبقى الخطاب المسجدي يعاني إفلاسا رهيبا على مستوى الأداء و الأسلوب و المعنى في محاربة التعصب الديني فالصورة الموجودة في المخيل المتشدد أن المساجد تبقى تابعة إلى الهيئات الحكومية و بالتالي لا تشكل أي مصداقية على المستوى الخطاب الديني أو تمثيله

على الضفة الأخرى، تبقى الحركات الاسلامية المعتدلة غير قادرة على فرض أديباتها و عاجزة عن تفكيك عقائديا و فقهيا الفكر المتشدد و المتطرف، مما يعود إلى الإفلاس القيادي و الزعماتي كمرجعية هامة في الاستقطاب الجماهيري و التراجع على مستوى الحضوري على الساحة الدينية-الدعوية و عدم وجود القدرة و الشجاعة في المواجهة، ربما البرغماتية السياسة قصد محاولة إستغلالها في المواعيد السياسية و الإنتخابية .

وعلى ما يبدو، فإن التجربة السياسية لدى الكثير من الأوساط الحقل الإسلامي أفقدها الكثير من الكاريزما والثقة لدى باقي الحركات الإسلام السياسي التي لم تتعاطى مع النهج السلمي و الديمقراطي في مقاربة التغيير و الوصول إلى الحكم.
وأتصور أنه من الأفضل الإعتماد على جزأرة ظاهرة العنف معرفيا و انتروبولوجيا فالتراكم التاريخي قبل وبعد الكولونالية وكذا الميلاد القيصري للدولة الوطنية و فشلها في بناء مجتمع متعدد الهوية متجانس في التركيبة الجماعية، انتج الكثير من السلوكيات اللاتسامحية وجعلها غير قادرة على قبول المتنوع و استيعابه، إضافة إلى البنية الاجتماعية الهشة ورفض الخضوع الى القانون، كل هذا و غيره أفرز حاضنة شعبية منتجة و منسجمة مع العنف و الراديكالية. .

لشموت عمر

مقالات ذات صلة

إغلاق