الأرشيفثقافاتوطني

للاّ المنوبية ..سيدة من تحت الرماد

تروي لنا المخرجة التونسية سامية بوعلاقي ، في فيلمها الوثائقي “سيدة من تحت الرماد” الذي عرض أمس في وهران في إطار المنافسة الرسمية لمهرجان الفيلم العربي  في دورته العاشرة، قلق النسوة اللواتي يسيّرن زاوية “السيدة المنوبية” بعد موجة  الاعتداءات العنيفة التي عرفتها الزوايا في تونس سنة 2012، حين أحرقت العشرات منها، ووصم  من يرتادها بالشرك والكفر .

كشفت المخرجة بإتقان وروية الستار عن هذا العالم الروحاني المعقد والعميق والموغل في البساطة. حيث بدأت النسوة يحكين ببطأ  عن سبب تواجدهن في هذا المكان عن  ” كرامات السيدة المنوبية” إسترسلن في الدفاع  عنها بصدق وقوة وبيقين قل نظيره، كانت المشاركات في تقديم شهاداتهن على علم بأن الكلام بوجه مكشوف قد يسبب لهن مشاكل كبرى أهونها القتل من طرف  متطرفين سلفيين، لكن لم يبدو هذا الأمر يقلقهن  نظرا للهيام الكبير  والمحبة القصوى التي كانت تشع من أعينهن تجاه  للاّ المنوبية  الصوفية التي عاشت  في القرن 12. وذاع صيتها آنذاك،لتحاكي الأسطورة بعد موتها،  ولقد أقرت المخرجة في النقاش الذي دار بعد  عرض الفيلم عن صعوبة تحديد  الحدث التاريخي المؤرخ من الأسطورة والايمان والروحانيات التي لا يمكن  اخضاعها للبحث العلمي الدقيق، مضيفة  بأن فيلمها ليس فيلم تاريخي ” لم أستعن بعالم تاريخ في تحضير فيلمي بل بعالم أنثربولوجيا، لأن الأهم الآن في رأيي هو الحديث  عن التأثير الكبير للسيدة المنوبية”.

يرفض  زوار  الزاوية وصفهم  بالمشركين بشدة،كما يرفضون وقف التوسل بالسيدة .”نحن ندري بأن الله لا يحتاج  لوساطة” “نحن  نناجي الله بها،بمكانتها  عنده”.

ركزت المخرجة  في رحلتها داخل  عوالم المريدين، الذين رهنوا أنفسهم لخدمة الزاوية على تفاصيل الوجه والأعين، على البكاء المتكرر كلما تذكروا بأن منزلهم ،مآواهم الروحي و المادي أحرق بتهمة الشرك بالله.تطبق من حين لآخر نسوة الزاوية في صمت طويل  قبل أن ترتفع  أذكار وأغاني، رددها الحضور التونسيون في القاعة.

تصرخ امرأة “أي أنتم يا رجال  تونس؟ من أحرق هذه الزاوية اليوم سيحرق كل البلد غدا،هذا تاريخنا، هذه عاداتنا” وتقول أخرى” يأكل المسكين هنا، ينام عابر السبيل،يفضفض المهوم عن همه،نناجي ربنا بكرامات  السيدة التي كانت صادقة في  حبها لله، نسترزق هنا ونوزع على كل محتاج فقير” فأين الخلل فيما  نقوم به؟؟..هكذا من دون مقدمات  تطلق مريدات للاّالمنوبية أسئلة حارقة، وهن ينظفن جدرانا إلتهمتها النيران.

لم تشأ سامية بوعلاقي في الوثائقي الحديث عن هوية محرقي الزوايا “أرفض  أن أمنح إشهارا مجانيا لهذا الفكر الارهابي العنيف،أردت أن أنقل صوت أولئك النسوة، حياتهن ،آمالهن،شكوكهن، وخوفهن الكبير  من الغد”.

جعفر  خلوفي

 

 

مقالات ذات صلة

إغلاق