آراء وتحاليلدولي

إنقلاب إسطنبول .. خمسة دروس

صارت أخبار الموت تأتي من كل بقاع العالم، وصار الدم سلعة رائجة، يكفي فقط أن تكون في الزمن والمكان الخاطئين لتضاف لقائمة الضحايا، صدمة أخرى تلّقاها العالم في أمسية صيفية هادئة، أتت من هناك من الريفيرا الفرنسية، من مدينة نيس، سائق شاحنة، يدهس مواطنين في “فسحة الانجليز” أحد أجمل مناطق المدينة، غرق الجميع في التحليل والتنظير، والكلام عن سبب ومنفذ العملية، في خضم كل ذلك، أتى خبر مفاجئ، لم يكن في حسبان الكثيرين، إنقلاب عسكري في تركيا، قادة من الجيش يقودون عملية إسقاط “رجب طيب أردوغان” وإزاحته عن السلطة، توالت وتضاربت الأخبار لأكثر من خمس ساعات، ليلة عصيبة، صنع فيها الشعب التركي صورة نادرا ما نراها في شوارع العالم، خرج الجميع على اختلاف انتماءاتهم لا من أجل أردوغان الشخص، بل من أجل تركيا الوطن، في خمس ساعات علّمتنا العملية الفاشلة خمسة دروس.
1-المجد للشعب
أعلن الانقلابيون تولّيهم الحكم، وأخرجوا الدبابات للشوارع، تكلم أردوغان مرتبكا في مكالمة مع أحد القنوات، داعيا الشعب للخروج إلى الشوارع والوقوف ضد الانقلاب، والمحافظة على الدولة التي انتخبوه رئيسا شرعيا لها، كان الآراء الأولى تجمع على عدم استجابة الأتراك لنداء رئيسهم، خوفا من الدبابات المنتشرة في الشارع، لكن حدث عكس ذلك تماما، وغزا الأتراك شوارع اسطنبول بمختلف أطيافهم، رافضين عملية الانقلاب، ومحافظين على ما أنجزوه طيلة مدة تقارب العشرين عاما، رغم ما يشوبها من سلبيات وانتقادات، لكن الشعب التركي الواعي، المتشبع بالحس الحضاري، رفض رفضا قاطعا ديمقراطية الدبابات.
2-معارضة وطنية
كان الجميع ينتظر مباركة خصوم أردوغان لعملية الانقلاب، إلى إن أصدر أكبر معارضيه وهو حزب الشعب الجمهوري بيانا يرفض فيه التجاوز الذي حدث، ومعبرا عن رفضه الكامل لعملية الانقلاب، داعيا مؤيديه ومناضليه، للخروج للشوارع، والتظاهر مع بقية الشعب، ضد حكم عسكري في الأفق، حكم لن يكون أفضل من حكم أردوغان الذي يعارضونه معارضة راديكالية شديدة، توالت بعدها بيانات الأحزاب الرافضة للانقلاب، باعثة درسا لكل شعوب العالم، أن مصلحة الوطن أولى من جميع الإغراءات.
3-أردوغان ليس ملاكا
بعد الإعلان الرسمي عن فشل عملية الانقلاب، بدأ الكثيرون يهللون للرئيس رجب طيب أردوغان، وينسبون له فشل المحاولة، لكن المتمعن في الواقع التركي بمنظور محايد وبعيد عن كل أفكار مسبقة وانتماء إيديولوجي، يرى ذلك التطور الاقتصادي الذي تشهده تركيا، لكن يرى أيضا التراجع الذي شهده البلد في مجال حرية التعبير، وسجن الكثير من المعارضين، وإغلاق الصحف والقنوات، وكذا حجب مواقع التواصل الاجتماعي في الكثير من المرات، كما تبقى نقطة الاستفهام الكبرى هو جعل تركيا كمنفذ للكثير من مجندي “داعش” الذين يدخلون سوريا والعراق مرورا بالأراضي التركية، وهو ما جعل الكثيرين يقولون أن تركيا وأردوغان مساهمة في الخراب الذي حلّ بالمنطقة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
4-ريال مدريد وبرشلونة
يتعامل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع الأزمات التي تحل بالعالم، كمثل تعاملهم مع مباراة كرة قدم، تفاعلات حينية، شوفينية، شعبوية، بعيدة كل البعد عن الصواب والتحليل السليم، ما حدث في تركيا، كشف تناقضا كبيرا، حين ترى “ديمقراطيا” يدعم انقلابا عسكريا، ويهلل لديمقراطية الدبابات، وترى الطرف الأخر، يجعل كل الحديث متمحورا حول شخص أردوغان، متناسيا دور الشعب وفصيل من الجيش والشرطة، ثنائية شبيهة جدا بكلاسيكو الدوري الاسباني، رغم أن تاريخ الشعوب أكبر من حصره زواية مع أو ضد.
5-نحن من كل هذا..
من الملاحظ التفاعل الكبير من طرف الجزائريين فيما حدث في تركيا، خاصة من طرف الإسلاميين الذين ينتمي الحزب الحاكم في تركيا لنفس إيديولوجيتهم العالمية، في النهاية وبعد إطلالة على الكثير من الصفحات والحسابات، نجد مايشبه الإجماع حول ثلاثة نقاط، أولها أن الشعب التركي بعيدا جدا عنّا في درجة الوعي السياسيٍ، ثانيا الكل اتفّق على الدور الايجابي للجيش والشرطة في عدم نزوحها للعنف والقمع، وأخيرا أجمع الكل على أننا قد نكون أخر من يقدم دروسا في الديمقراطية، فواقعنا أكثر مرارة من واقع الكثير من المجتمعات.
بقلم بلقاسم بوبكر

[images_grid auto_slide=”no” auto_duration=”1″ cols=”three” lightbox=”yes” source=”media: 1374,1391,1390,1389,1388,1387,1386,1385,1384,1382,1380,1379,1377,1375″][/images_grid]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق