وطني

وزارة التربية … غار بوزنزل

خصوصية وزارة التربية لا تكمن في العدد الكبير لموظفيها وما يميزهم سوسيولوجيا وعلاقات مع المجتمع وادوار فقط، بل في مكانتها كوزارة تعبر عن قطاعية الدولة وقبلها عن تلك الانقسامية التي تميز النخب في الجزائر . فما المقصود بكل هده المفاهيم التي تبدو غامضة والناس صايمة ومصروعة .
لتتبع هده المفاهيم المستعملة في هدا التحليل القصير الدي نريده ان يكون اطارا عاما لفهم خلفيات ما حصل من غش في البكالوريا وما بدى وكأنه عجز عن تنظيم هدا الامتحان المهم ، رغم كل الامكانيات المسخرة والجو شبه العسكري الدي تم فيه ،لدرجة ان اللغة السائدة عند المسؤولين وهم يتحدثون عن تنظيم هدا التمرين البيداغوجي ،كانت أقرب الى لغة العسكر والثكنات ….
الوقت لن يسعنا لكي نتحدث عن كل تفاصيل ما حدث وخلفياته لذا سنكتفي بطرح سؤال واضح من قبيل ،من عين من الجزائريين والجزائريات على رأس وزارة التربية مند الاستقلال؟ وما هي مواصفاتهم الشخصية والفكرية؟ ولماذا هو مهم التعرف على خصائصهم وخلفياتهم ؟ وما شروط ومقاييس التعيين في هدا المنصب ؟
باختصار يمكن ان نقول ان هناك نصا غير مكتوب لدى صاحب القرار، مفاده ان من ينصب على رأس وزارة التربية، لابد ان يكون بمواصفات محددة تراعي اول ما تراعي ما سميناه بانقسامية النخبة والحياة الثقافية والفكرية بصفة عامة .فالمرشح لهدا المنصب لابد ان يكون من بين ابناء القسم المعرب للنخبة القريب من التيارات المحافظة والمعربة أو تكنوقراطي، من دون لون ولا رائحة، كما حصل في بعض الاحيان ،غير معروف عليه اتخاد اي مواقف فكرية ، باستثناء تطبيق التعليمات وهو ما يجعله يطول به المقام على رأس الوزارة .وهو ما يحيلنا مباشرة مما هو مطلوب من المدرسة من انتاج وموقف الجزائريين من المدرسة ومنتوجها .
فالمدرسة في الجزائر ليست محل اجماع وكل طرف يريد ان يوظفها لإعادة انتاج الانقسامية التي عانت منها الجزائر طويلا ،باختصار كل طرف يطلب من المدرسة ان تعيد انتاجه هو ،بكل مواصفاته اللغوية والفكرية، فالمعرب يريدها …محافظة على الثوابت وتعمل بلغة الضاد، بل تتكفل بنشر الإسلام والمذهب المالكي ،في حين يطلب منها المفرنس…الانفتاح والعصرنة والازدواجية اللغوية، بالتركيز على الفرنسية كلغة للعلم والثقافة وإلا غادرها نحو المدرسة الخاصة . بالطبع لا احد من الطرفين وتحت ضغط الصراع الإيديولوجي، يفكر في الجوانب الاقتصادية كتمويل هده المدرسة،على سبيل المثال وكأن ميزانية هده المدرسة التي توظف نصف مليون اجير وتجند ملايين التلاميذ تأتي من السماء .
هدا الصراع اللغوي والفكري المتجدد الذي يزداد حدة عند الحديث عن اول مسؤول على الوزارة الذي يتحول بدوره الى عدو فكري وايديولوجي لدى طرف ضد أخ ،من طرفي الصراع بالضرورة . يكفي هنا ان ندكر بما حصل للدكتور بن محمد وقبله للأستاذ مصطفى لشرف .فقد صرح لي الاستاذ لشرف في احد اللقاءات معه أن الرئيس بومدين قال له عندما اشتكى له من الحملة السياسية والاعلامية التي شنها ضده بعض رموز التيار المعرب والمحافظ، بعد انطلاقه في اصلاح ما يمكن اصلاحه و ابعاد لعدد كبير من المسؤولين داخل وزارة التربية ….انا نفسي كرئيس جمهورية وأول مسؤول في البلد لا استطيع ان “اصفي” هدا العدد الكبير من الاطارات كما فعلت انت ….فما عليك إلا ان تتحمل مسؤولياتك …فهم لشرف الدرس، فغادر الحكومة بسرعة .
علما بأن هذه الانقسامية تعتمد في الأساس على النظرة الى اللغة ووظائفها جزائريا ، فالعربية من هذا المنظار لغة تاريخ وايدلوجيا ودين، بل آخرة ، مقابل الفرنسية لغة العلم و”الخبزة ” كما كان يقول به اجدادنا . نظرة الى اللغات تجعل وزارات معينة من احتكار المعرب كوزارة التربية والثقافة …الخ في حين يحتكر المفرنس الوزارات التقنية والاقتصادية .تاريخيا يمكن القول ان هذا التقسيم الذي ينظر الى الدولة كقطاعات مقسمة بين النخب تقوم بإعادة انتاج نفسها داخلها، قد احترم من قبل كل الرؤساء .في حين نجح الرئيس بوتفليقة في كسره بتعيين خليدة تومي على رأس وزارة الثقافة لوقت طويل ويحاول ان يقوم بنفس الشيء مع بن غبريت .
هذا الصراع الفكري واللغوي والمكانة الخاصة التي تميز وزارة التربية تجد تعبيراتها العديدة داخل الوزارة نفسها على مستوى اطاراتها الذين يتحولون في الغالب الى جزء ضمن هذا الصراع كأطراف وفاعلين وهو ما تزداد حدته اذا كان المسؤول الاول على القطاع يظهر وكأنه ممثل لتيار بعينه . كما هو حال الوزيرة الحالية التي تم تقديمها كممثلة لقوى فكرية وسياسية مفرنسة و “معادية لثوابت الامة “. تقديم ازدادت حدته بكونها امرأة لم تقبل على رأس وزارة كجل الوزيرات .ناهيك عن مسائل أخرى كعدم تحكمها في اللغة العربية ، داخل قطاع ، المسألة اللغوية على رأس اولويات الصراع الذي يعيشه .
عندما نتكلم عن التحكم في اللغة العربية او مواصفات شخصية أخرى بالنسبة للمسؤول الأول المعين على رأس الوزارة لا نعني بالضرورة انها مواصفات “موضوعية ” وحقيقية، فالصراع اللغوي والقيمي الذي يتحول الى صراع سياسي في الغالب ،يمكن ان يحول مصطفى لشرف، ابن مدرسة الجزائر والهضاب العليا ، مزدوج اللغة الى ” مفرنس ” معادي للعربية والتعريب لدى القسم المعرب من النخبة . ويتحول بموجب هذا الصراع الدكتور احمد طالب الابراهيمي .خريج طب باريس ،مزدوج اللغة الى “معرب ” معادي لكل ما هو عصري .أب … لأول بنت متحجة في ثانويات العاصمة ….هو الذي لم ينجب الا الذكور من الأبناء . فالصراع اللغوي والقيمي الذي ينخر جسم النخبة في الجزائر، يعتمد على أساليب شيطنة ،غير عقلانية بالضرورة ،يمكن ان تمرر في حالة احتدام الصراع كل شيء، بما فيها تلك المعطيات غير التاريخية .وهو ما يمكن ان نفهمه بالعودة الى ما قيل عن دين بن غبريت، لأن اسم زوجها وليست هي ،جاء على وزن “فعلون “.
اذا اضفنا الى كل ما قيل اننا نعيش هذه الأيام ساحة إعلامية وحزبية في جزء كبير منها تحت سيطرة نخبة انقسامية ، تعيد انتاج هذا الصراع الذي كنا نظن لبعض الوقت انه خفت، فهمنا كيف تتحول وزارة التربية “غار بوزنزل ” حقيقي ،لمن ابتلي بالجلوس على عرشها .
بقلم ناصر جابي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق