وطني
أخر الأخبار

الباحث قادة دين البكيري: الصراع الجزائري المغربي سابق على الحدود الاستعمارية

تميزت العلاقة الجزائرية المغربية الرسمية بالتفاهم والتضامن وحسن الجيرة في مراحل نادرة من التاريخ، ولكنها في الغالب اتسمت بالتوتر الذي بلغ درجة العداء والنزاع منذ ما قبل الوجود العثماني في الجزائر إلى غاية اليوم، ولعل إحدى أعنف الأزمات المعاصرة هي تلك التي نتجت عن تطبيع المغرب لعلاقاته مع الكيان الصهيوني مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بخضوع الصحراء الغربية للسيادة المغربية، ومع تراكُم دوافع القطيعة أعلنت الجزائر قطعها العلاقات الدبلوماسية مع الجارة؛ العلاقات التي كانت محل اهتمام الباحثين والدارسين المختصين في التاريخ وفي العلوم السياسية على حد سواء مِن كِلا البلدين، نظرا للأحداث والتقلبات الكثيرة والتأثيرات التي شهدتها عبر مختلف العصور، وفي سياق مُقارِب أصدر الدكتور “قادة دين البكيري” كتابه الموسوم ب “جزائريو المغرب؛ النخبة الجزائرية وتأثيرها بالمغرب الأقصى خلال القرن العشرين” ليثير بذلك نقاشا أكاديميا تاريخيا ليس بعيدا عن الأحداث الراهنة.

والدكتور “البكيري” كان طبيبا بيطريا لمدة 18 عاما، قبل أن يتخصص في التاريخ المعاصر وعلى وجه التحديد تاريخ المغرب الأقصى، ليتحوَّل إلى التعليم العالي كأستاذ جامعي محاضر، وينشر أبحاثا تاريخية مهمة.

حاورته: فائزة سعد لعـمامري
1.بداية، ما هي الدوافع الحقيقية وراء إصداركم هذا المؤلف؟
لقد كان هذا الكتاب هو ثمرة بحث جانبي، في الشأن المغربي المعاصر، بصفتي باحثا متخصصا في تاريخ المغرب الأقصى الحديث والمعاصر، وإنجازي رسالة الماجيستير والدكتوراه حول ذلك مع عدد من المقالات الأكاديمية… فقد استوقفني وأنا أنقب في المصادر التاريخية وفي أخبار المغرب المعاصر، وجود شخصيات ذات أصل جزائري قامت بأدوار كبيرة واستثنائية في المغرب، خاصة على الصعيد السياسي، وساهمت مساهمة جبارة في الأحداث التي دارت هناك خلال القرن العشرين، واكتشفت أن جل تلك الشخصيات كان ينظر إليهم كجزائريين، ولم يحصل من بقي حيا منهم ولم يعد للجزائر، على الجنسية المغربية سوى سنة 1958، فقررت أن أتبع مسار تلك الشخصيات، وأجمع ما يمكن حولها من المادة التاريخية، وأخرجها في كتاب، يؤكد أولا أصلهم الجزائري، وثانيا يبين أهمية الأعمال التي قاموا بها في المغرب، وثالثا: يؤرخ للعلاقة التاريخية بين الشعبين، وللتأثير الجزائر في المغرب الأقصى.

2.نستوقفكم عند مصطلح “جزائريو المغرب” الذي عنونتم به كتابكم، ما هي دلالات استخدامكم هذا المصطلح؟
الكتاب يحمل عنوان “جزائريو المغرب، النخبة الجزائرية وتأثيرها بالمغرب الأقصى خلال القرن العشرين”، فالعنوان يحاول أن يعبر عن مضمون الكتاب من ناحية، ومن ناحية ثانية الخروج من الجمود الأكاديمي التقليدي عبر عنوان مختصر وجذاب، وإذا جئنا لدلالات هذا التعبير “جزائريو المغرب”، فالقصد منه أننا نتحدث عن جزائريين لم يعيشوا في الجزائر، ولكن عاشوا وأثروا في المغرب، فالقصد هو الجالية الجزائرية في المغرب، أو رموزها المؤثرة.

3.سنتدرج معكم بالأسئلة حتى نصل إلى الإطار الزماني المحدد في كتابكم.. الأطماع التوسعية لدى سلطة المغرب الأقصى ليست جديدة وهذا ما تثبته المصادر التاريخية، فهذه الأطماع موجودة وبارزة منذ عهد الدولة المرينية والمرينيون سعوا إلى إسقاط الدولة الزيانية في المغرب الأوسط (الجزائر) .. فكيف تعلقون على من يدعي أن المشاكل بين البلدين هي وليدة الحدود الاستعمارية؟
إذا تجاوزنا المرحلة الوسيطة من تاريخ البلدين، والتي شهدت صراعا مرينيا زيانيا مريرا، بسبب أن لها سياقات معينة تختلف جذريا عن سياقات الفترة الحديثة والمعاصرة، وإذا ركزنا فقط على الفترة التي ظهرت فيها الجزائر الحديثة والمغرب الحديث، فيمكن القول أن الصراع بين القطرين ليس وليد الزمن المعاصر، ولكن له امتدادات في التاريخ وسابق على الحدود الاستعمارية.
وإذا جئنا لنسأل عن أسباب ذلك الصراع المستديم، فلن يعجز أي مؤرخ أو متابع حتى المبتدئ، عن تحديد خلفياته وجذوره، فالسلط المغربية المتوالية، منذ عهد السعديين، ثم العلويين، دائما كانت تمتلك نزعة توسعية، ودائما كانت أنظارها وأطماعها نحو الشرق، الأمر الذي تسبب في عشرات الصدامات خلال القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر وحتى بداية القرن التاسع عشر، بل تسبب في اقتطاع أجزاء واسعة من الجزائر، مثل وجدة وغرسيف وفيجيج. وللأسف الدولة العلوية الحديثة، رغم الطابع القطري المعاصر لها، ورغم التزاماتها القانونية الدولية، لكن ما زالت رهينة عقلية سلطانية توسعية عتيقة، ولا زالت لم تتحرر مطلقا من رواسب القرون الماضية، ولا زالت تلجأ لتفسير وتبرير تحركات سياسية معاصرة، بتصرفات والتزامات وإجراءات بل بأساطير ومشاريع تاريخية قديمة، فنجد الملك المغربي من جهة، يعتبر نفسه ملك في ملكية دستورية، وضمن دولة برلمانية انتخابية، ومن جهة أخرى هو أمير المؤمنين، الذي يقع فوق القانون، ولا يخضع لأي نوع من المحاسبة، بل له الحق في التصرف في كل المملكة بما يهوى ويريد، ونجد مثلا أن المغرب الدولة عضو في هيئة الأمم المتحدة، ويعترف حتى بكيان غاصب مثل الكيان الصهيوني، الذي تأسس بطريقة غير صحيحة ولا قانونية، وفي نفس الوقت ما زالت الدعوات قائمة بها، لعدم الاعتراف بكيانات سياسية مجاورة، نتيجة ترتيبات تاريخية عابرة، مضى على انتهائها قرون عديدة.
قد يقول قائل هذا كلام شوفيني قطري، ينبع من مواقف سياسية معادية ومن عصبية وطنية ضيقة، معليش.. فلننظر في تاريخ الصراع السياسي الثنائي بين القطرين خلال الفترة العثمانية، ولنبحث عن المتسبب في اندلاع تلك الحروب الثنائية وأسبابها، ثم لنبحث في أسباب الصراع المعاصر وخلفياته التاريخية، والطروحات المؤسسة له ؟
وبالنسبة لمن يقول أن الحدود الاستعمارية هي سبب هذا الصراع، فأولا: هاته الحدود قد رسمت في غياب الجزائر، وفي ظل وجود الدولة المغربية، التي أمضت على اتفاقيات قبول بها، ومنها اتفاقية لالة مغنية سنة 1845م، التي رسمت الحدود الشمالية، وقالت بالحرف الواحد أن مناطق الصحراء جنوبا لا تتبع لأي أحد، بما فيها المغرب، وثانيا: هاته الحدود ظلمت الجزائر بانتزاع شريط حدودي كامل منها شمالا، ثالثا: المغرب لم تبدي أي احتجاج أو رفض لهاته الحدود قبل استقلال الجزائر، وعندما كانت تابعة للمحتل الأجنبي، وهي التي استقلت سنة 1956م، لكن بمجرد أن استقلت الجزائر بدأت بطروحات معادية، تطالب باقتطاع مساحات من الجزائر بدعوى أنها كانت تابعة للمغرب تاريخيا، وهو ما لا يثبت حتى تاريخيا. فماذا لو فكرت السلطة السعودية في الحجاز أو السلطة السورية في دمشق أو السلطة العراقية في بغداد، بنفس العقلية والطرح، واعتبرت أن باقي الدول العربية جزء منها وأراضي تابعة لها، بحكم أنه في يوم من الأيام كانت هناك سلطة لهم على باقي البلاد العربية ؟

4.دائما وِفق المصادر التاريخية السلطان المغربي “محمد الوطاسي” بعد اعترافه بالسلطة العثمانية على الجزائر وسعيه لتوطيد العلاقة مع الدولة الجزائرية، أثار ذلك استياء فرنسا وإسبانيا آنذاك وسعى كلاهما لإفساد تلك العلاقة، ما هو الدور الذي لعبته كل من فرنسا وإسبانيا في العلاقات الجزائرية المغربية؟
أولا السلطان الوطاسي محمد البرتغالي الذي حكم المغرب بين سنوات 1504 و1526م دخل في حلف مع إيالة الجزائر العثمانية منذ وصول عروج إلى الجزائر سنة 1516م، وكذلك فعل ابنه أبو العباس أحمد بن محمد وشقيقه أبو حسون الوطاسي، وفي عهد هذا الأخير سنة 1554م، وصل الأمر لانضمام المغرب رسميا للدولة العثمانية وضرب السكة باسم السلطان العثماني، رغم أنه سرعان ما أطاح به السعديون وأعلنوا استقلال المغرب من جديد، وهو ما ينكره جل المؤرخين المغاربة رغم أنه حدث تاريخي، وفي عهد هؤلاء “السعديون”، دخلت العلاقة الثنائية بين إيالة الجزائر وبين المغرب في حالة من التوتر والعداوة الدائمة.
وقد أثارت العلاقات الوطاسية الجزائرية الجيدة أول ما أثارت حفيظة السعديين، الذين تخوفوا من إمكانية انضمام المغرب للدولة العثمانية وتوحده مع الجزائر، فتحركوا صوب فاس من الجنوب لإسقاط دولة الوطاسيين، كما أن ذلك التحالف قد أثار أيضا تخوفات الإسبان، الذين تمركزوا في وهران وفي الكثير من موانئ الغرب وحلفائهم البرتغاليين، وأخذوا يعملون جاهدين على تكريس الخلاف الثنائي، والسعي لاستمالة الدول المغربية، فعمل الإسبان على قطع طريق التواصل في الغرب الجزائري من خلال التحالف مع السلطان الزياني أبو حمو الثالث، والتجييش ضد العثمانيين في الجزائر، وعمل البرتغاليون على استمالة السلاطين الوطاسيين، محمد ناصر الدين القصري وأبو حسون وأبو العباس، سنوات 1545 و1549م، مما أثر على العلاقة الجزائرية المغربية فعليا، وجعلها تدخل فترة ركود، ومكن للسعديين من السيطرة على المغرب، وفي عهد السعديين انتعشت العلاقة الإسبانية – المغربية، وشهدت حتى وجود تحالفات رسمية ضد إيالة الجزائر، في عهد السلطان السعدي محمد الشيخ (1544- 1557م) والسلطان عبد الله الغالب (1557- 1574م) وفي عهد السلطان محمد المتوكل (1574- 1576م)، والسلطان أحمد المنصور الذهبي (1578- 1603).
أما بالنسبة للفرنسيين، فقد كانوا مهتمين أكثر بالعلاقة مع السلطة العثمانية بإسطنبول، من أجل الفوز ببعض الامتيازات التجارية بالجزائر، ومن أجل وقف تحرشات رياس البحر الجزائريين بموانئهم وسفنهم، ولم يعرف لهم خلال القرن السادس عشر والسابع عشر وحتى الثامن عشر مساعي للتحالف مع السلطة المغربية، فقد كان تركيزهم خلال هذه الفترة على العلاقة مع الجزائر، وكانت مساعيهم المغرضة دائما تتوجه ناحية إسطنبول كما فعلوا سنة 1552م حين تمكنوا عبر تحريض الباب العالي من عزل حسن باشا بن خير الدين، بيلرباي الجزائر.

5.المرحلة التاريخية التي تناولتموها بالدراسة في كتابكم تبدأ من مطلع القرن العشرين، وقبلها تحدثتم عن الهجرة الأولى للأسر الجزائرية نحو المغرب، أين وجدوا ترحيبا رسميا وشعبيا، وأشرتم إلى التناغم والتلاحم الذي كان بين الجزائريين والمغربيين لدرجة تشاركهم في حرب تطوان (1859- 1860م) ضد الإسبان دفاعا عن المدينة. لكن المؤرخين تحدثوا عن التحالف المغربي مع الإسبانيين والبرتغاليين بهدف التوسع على حساب الجزائر، وحدث ذلك قبل عام 1830م وحتى بعد المعركة التي أشعلها السلطان المغربي ضد الأمير عبدالقادر الجزائري.. وهناك من يؤكد أن العلاقات الشعبية فقط هي الوحيدة التي كانت ثابتة على مبدأ التكافل والتضامن الأخوي، عكس التلون والتقلب الذي كان في موقف السلطة المغربية عبر التاريخ تجاه الجزائر، هل سجلتم هذه الملاحظة خلال بحثكم وقراءاتكم؟
أولا: يجب أن نفرق بين المراحل التاريخية فلكل مرحلة ظروفها وحيثياتها وطبيعتها وخصوصيتها، فخلال كل فترة حكم السعديين الممتد رسميا من 1554م إلى 1659م، وفترة حكم العلويين (1635م/ 1830م) لم تتوقف الصدامات بين الجزائر والمغرب بسبب الأطماع المغربية في الأراضي الجزائرية، وبسبب تحالف السلطة المغربية مع الإسبان والبرتغاليين وحتى الإنجليز، وإن اصطدمت كل تعديات وحملات السلاطين المغاربة برد فعل قوي من الجزائريين، وتعرضت في مجملها لهزائم وخيبات كبرى خلال القرن ال16 و17 و18، فقد تمكن العلويين من قضم مساحات واسعة من الجزائر في بداية القرن التاسع عشر نتيجة القلاقل التي ظهرت في بايلك الغرب الجزائري، بسبب ثورة درقاوة والتيجانية ضد السلطة العثمانية المركزية، وهو ما تجلى في استيلاء السلطان المغربي “سلميان بن محمد العلوي” على مدينة وجدة، التي ظلت جزائرية عبر تاريخها، ومن ثمة ضمها إلى المغرب.
وبعد الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830، قدمت سلطة الاحتلال بالجزائر رشوة للسلطان المغربي “عبد الرحمن بن هشام العلوي” (1822- 1859م)، من أجل محاصرة مقاومة الأمير عبد القادر، فتنازلت عن شريط حدودي كامل للمغرب يمتد من الشمال وحتى واحة فجيج، بموجب معاهدة لالة مغنية الموقعة يوم 18 مارس 1845م.
ثانيا: العلاقات الجزائرية – المغربية رغم دوام التوتر الرسمي وحتى في فترات الصدام العسكري، لم تتأثر على الصعيد الشعبي، وظل المغاربة مرحب بهم في الجزائر والجزائريون مرحب بهم في المغرب، وهو ما تجلى في هجرة أعداد كبيرة من العائلات الجزائرية إلى المغرب الأقصى بعد سقوط الجزائر ضحية الاحتلال الفرنسي، ومشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية المغربية، ومساهمتهم في الفعل الوطني المغربي.

6.في حديثكم عن الموجة الثانية من لجوء النخب الجزائرية إلى المغرب إبان الاستعمار الفرنسي، ذكرتم مجموعة من الأسباب وراء تلك الهجرة، ولعل أكثرها لفتا للانتباه هو “رغبة فرنسا في السيطرة على الجهاز الإداري المغربي تمهيدا لضم المغرب وقد استُعمِلت بعض الأسماء لهذا الغرض”. والمعلوم أن الباحثين المغاربة نشروا الكثير من المغالطات والتهويل حول هذه النقطة، كيف تردّون عليهم؟
الكتاب لم يعالج مسألة الجالية الجزائرية بالجملة في المغرب الأقصى، وتعرض لها باقتضاب في التمهيد، لكن تتبع مسيرة أبرز رموز تلك الجالية، والذين كان لهم أثر سياسي كبير وبارز بالمغرب الأقصى، وبالنسبة لهؤلاء فالسبب الرئيسي للهجرة هو الهروب من واقع الاستعمار، والبحث عن فرص جديدة بالمغرب، خاصة أن معظمهم حاز مستوى علميا لابأس به بالجزائر، نتيجة التمدرس في المدارس والمعاهد الفرنسية، وإن كانت يد فرنسا حاضرة في الأمر، فإن ذلك وقع بشكل محدود وبالنسبة لبعض الأسماء، وحتى بالنسبة لهؤلاء، فقد تملصوا سريعا من الأدوار الإدارية التي كلفوا بها، وتحولوا إلى النشاط الوطني المعادي لفرنسا.
فـ “الأمير عبد الملك” تخلص سريعا من وظيفة مدير الشرطة الدولية في مدينة طنجة وأشعل ثورة عارمة ضد الوجود الفرنسي بالمغرب، و”محمد الصالح ميسة” تظاهر بالعمل في القضاء الفرنسي بالمغرب، وكان يكتب في الجرائد المغربية بأسماء مستعارة، يدعو إلى الأعمال الوطنية، ومنها دعوته لإقامة عيد العرش، والذي كان يرمز إلى رفض سلطة الحماية الفرنسية، في مقابل تكريس سلطة سلطان المغرب الشرعية، و”محمد معمري الزواوي” الذي كان وزيرا ومسؤولا ساميا في المغرب، وصل لمناصبه بمساندة السلطة الفرنسية، أظهر في كل المناسبات الحساسة من تاريخ المغرب، حسا وطنيا عاليا، وتمرد على السلطة الفرنسية سنة 1953م عندما عمدت إلى نفي السلطان “محمد الخامس”، وتعرض هو بدوره للنفي من المغرب، الأمر الذي جعل الملك المغربي “محمد الخامس” يكرمه بعد الاستقلال ويعينه وزيرا شرفيا حتى وفاة الأخير، فعاد لمسقط رأسه بمنطقة القبائل الجزائرية.
أما شخصية مثل “عبد الكريم الخطيب” فرغم أن والده “سي عمر الخطيب” كان موظفا في المصالح الفرنسية بالجزائر ثم المغرب، وجدّه لأمه “محمد الجباس” كان الصدر الأعظم “رئيس الوزراء” في المغرب في فترة بداية الحماية الفرنسية، وكان هو أول طبيب جراح في تاريخ المغرب، فإنه يعتبر من رموز المقاومة الوطنية المغربية والمغاربية، وقدم خدمات جليلة للمقاومة المغربية في مدينة الدار البيضاء، ثم عين بتوصية من “محمد بوضياف” رحمه الله والمناضلين الجزائريين، كقائد عام لجيش التحرير المغربي، ومثله المناضل الكبير “نذير بوزار” الذي كان ضابطا وموظفا مرموقا في السلطة الفرنسية بالجزائر ثم المغرب، لكنه آثر الهروب إلى القاهرة والالتحاق بقيادة الثورة هناك، ومنها عاد على ظهر اليخت دينا إلى المغرب في بداية مارس 1955م، ليصبح القائد الميداني لفرق الأطلس من جيش التحرير المغربي، ويكون له الفضل في توقيع استقلال المغرب في 02 مارس 1956م.
والشخص الوحيد الذي يتفق على لعبه دور سلبي في تاريخ المغرب المعاصر هو “قدور بن غبريط” الذي ذهب إلى المغرب مكلف بمهمة لصالح السلطة الفرنسية، لكن هذا الرجل تعرض لمقاومة كبيرة من طرف الجزائريين قبل المغاربة، وفي الوقت الذي كان يحتفى به رسما في المغرب بوصفه وزير مغربي مفوض في فرنسا، فقد كان عرضة يومية للتجريح والهجوم في الصحافة الجزائرية الوطنية خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وصحف الحركة الإصلاحية شاهد على ذلك.
أما طروحات المغاربة، التي عمدت إلى المغالطات والتحريف، فبعضها لا يستند إلى أي دليل تاريخي، وبعضها مجرد شوفينية وتعصب قطري، مثل ما نجده في مصنف “التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير” للمؤرخ والسياسي المغربي “عبد الكريم الفيلالي” وخاصة ما نجده في أطروحة الباحث المغرب “محمد أمطاط” لرسالة الدكتوراه، التي حملت عنوان “الجزائريون في المغرب ما بين سنتي 1830 و1962م”، والتي صورت الجالية الجزائرية في المغرب الأقصى كطابور خامس، استقدمته فرنسا من أجل احتلال المغرب، بينما نجد أول من أشعل ثورة في المغرب ضد الفرنسيين هو جزائري، وآخر من أشعل ثورة ضد الفرنسيين هو أيضا جزائري.
ورغم ذلك التحامل فتوجد كتابات مغربية منصفة، مثل ما نجده خاصة في مذكرات السياسيين مثل “محمد بن الحسن الوزان” و”عبد الرحمن اليوسفي” و”الحسن العرائشي” والمهدي بركة” و”السعيد بونعيلات”.. وكتابات المؤرخ المغربي “عبد الرحيم الورديغي”.

7.هل يمكن أن تذكروا لنا بعض الوثائق التي أدرجتها في الكتاب كدليل قاطع ويقيني لبعض المغالطات الرائجة ؟
الكتاب لا يذكر أي معلومة من دون وضع السند التاريخي الذي أخذت منه، فكل فصل فيه مدعم بعدد كبير من الإحالات إلى المصادر الأولية من شهادات ووثائق رسمية أرشيفية، فهناك مثلا شهادة الوطني المغربي الكبير “محمد بن الحسن الوزان”، عن كون “محمد الصالح ميسة” هو أول من دعا إلى الاحتفال بعيد العرش المغربي، التي ترد على طرح المغاربة بأن الوطني المغربي “محمد حصار” هو من فعل ذلك، لكون “ميسة” كان يكتب تحت اسم “محمد حصار” في جريدة “L’Action du peuple”التابعة للوزان.
وهناك شهادة للمثقف والسياسي المغرب “الحسن أوريد” عن كون “قدور بن غبريط” هو من صمم علم المغرب الحالي وليس الماريشال الفرنسي ليوتي (Hubert Lyautey) الحاكم الفرنس للمغرب في بداية الحماية، كما توجد مثلا شهادة للمؤرخ المغربي “عبد الرحمن بن زيدان” تثبت مشاركة الأمير “عبد الملك بن الأمير عبد القادر” في ثورة الشيخ بوعمامة، وتوجد وثائق عن دور كل شخصية مذكورة في الكتاب. إضافة إلى صور لتلك الشخصيات في مختلف مراحل عمرها وفي أماكن مختلفة، بعضها جديد، مثل صورة المناضل “علي الحمامي” في أواخر الأربعينيات وقبل أشهر قليلة من استشهاده، حيث لم يعرف له سابقا صور حديثة غير تلك الملتقطة في شبابه، وهناك صور جديدة للمناضل “نذير بوزار” في معسكر جنان الرهوني، رفقة المناضلين المغاربة ورفقة “علال الفاسي” أيضا، تثبت الدور الجزائري في النضال والمقاومة المغربية، وهناك صورة حديثة للمناضل المحسن “محمد خطاب الفرقاني الجيجلي” رفقة الرئيس “فرحات عباس”، وهناك صور لـ”محمد معمري الزواوي” و”علي يعتة” و”عبد الكريم الخطيب” وحتى لـ “الأمير عبد الملك”.

8.ذكرتم شخصيات جزائرية ذات توجه وطني كانت لها مساهمة جبارة في تثبيت قيم المغرب التاريخية وفي تحررها من الحماية الفرنسية، هل يمكن القول أن النخبة الجزائرية كانت مؤثرة ومسيطرة تماما على الساحة المغربية سياسيا وثقافيا؟
مسيطرة لا نستطيع القول هذا، لكن مؤثرة تأثيرا كبيرا على الصعيد السياسي والثقافي والاقتصادي وحتى العسكري، كيف لا ، ومن بينها من قادة ثورات كبيرة مثل “الأمير عبد الملك” و”عبد الكريم الخطيب” و”نذير بوزار”، ومن بينها من كان له الفضل حتى في وصول السلطان “محمد الخامس” لسدة الحكم مثل “معمري الزواوي”، ومنها من كان لها الفضل في تصميم علم البلاد مثل “قدور بن غبريط” ومنها من كان له الفضل في بعث الحياة الثقافية وترسيخ طقس كعيد العرش، مثل “محمد الصالح ميسة”، ومنها من كان هو المؤسس والأب الروحي للحزب الشيوعي مثل “علي يعتة”، ومنها من كان أبرز المستثمرين في المغرب مثل “محمد خطاب الفرقاني”.
9.عرضتم سيرة بعض الشخصيات بعينها منها؛ قدور بن غبريط، الأمير عبدالملك ابن الأمير عبدالقادر، محمد خطاب الفرقاني.. وغيرهم، على أي أساس اخترتم هذه الشخصيات؟
سببان رئيسيان وقفا خلف اختيار هذه الشخصيات: أولا قيمة الأدوار التي قام بها هؤلاء وأهميتها في واقع المغرب الأقصى، وثانيا: المادة العلمية التاريخية المتوفرة حولهم، ونذكر هنا أنه ليست هاته هي كل الشخصيات الجزائرية التي تواجدت بالمغرب خلال الفترة المعاصرة، ولا حتى كل الشخصيات المؤثرة، فهناك مثلا الوطني الكبير “عمر بن عبد الجليل التلمساني”؛ أحد القيادات التاريخية لحزب الاستقلال المغربي وهناك المؤرخ الرسمي للملكة المغربية “عبد الوهاب بن منصور”، وكلهم من أصول جزائرية، لكن لم تتوفر معلومات ووثائق عنهم.
10.انطلاقا من بحثكم التاريخي، كيف تصفون الوجود الجزائري في المغرب؟
الوجود الجزائري في المغرب الأقصى يتحدث عن نفسه، ويمكن الوقوف على خلاصة واحدة، كان هناك تأثير كبير ومفصلي للجزائريين في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والنضالية المغربية، وبوجودهم هناك تغير واقع الحال المغربي.

مقالات ذات صلة

إغلاق