سياسة

الجزائر ترد على قرار إنهاء اتفاق السلام في مالي الموقع سنة 2015

طريق نيوز : ظلت إلى وقت طويل العلاقات بين الجزائر ومالي توصف بـ”الجيدة” وتتسم بـ “حسن الجوار”، من قبل مسؤولي البلدين منذ عقود، حتى أن هناك من السياسيين في باماكو من يصفها بالشقيقة الكبرى، كما كانت ترجمة ذلك في الواقع من خلال زيارات متبادلة على أعلى مستوى ومساعدات جزائرية متنوعة لجارتها الجنوبية فضلا عن لعبها دور وساطة عدة مرات بين سلطات باماكو وطوارق الشمال، إلى أن اندلعت شرارة الأزمة شهر ديسمبر الماضي وصولا إلى اعلان إنهاء العمل بشكل فوري باتفاق الجزائر للسلام الذي يعود لسنة 2015

و بدورها سجلت الجزائر بأسف شديد وانشغال عميق تنديد سلطات مالي باتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر اليوم الجمعة في بيان لها معبرة عن “قلقها العميق وبالغ أسفها” بعد قرار المجلس العسكري الحاكم في مالي وقف العمل باتفاق المصالحة الوطنية الموقع عام 2015 مع الجماعات الانفصاليّة الشماليّة.

وأشار ذات المصدر إلى أن “الجزائر تحيط علما بهذا القرار الذي تود أن تشير إلى خطورته الخاصة بالنسبة لمالي نفسها، و بالنسبة لكل المنطقة التي تتطلع إلى السلم والأمن و للمجتمع الدولي برمته الذي وضع كل ثقله والكثير من الموارد لمساعدة مالي على استعادة الاستقرار من خلال المصالحة الوطنية”.

ويضيف البيان أنه “من واجب الجزائر ابلاغ شعب مالي الشقيق” الذي “يعلم أن الجزائر لم تتخلف قط عن العمل من أجل تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر، بإخلاص وحسن نية وتضامن لا يتزعزع تجاه مالي الشقيق”.

إن شعب مالي “يجب أيضا أن يعلم وأن يقتنع بأن القائمة الطويلة حول الأسباب المقدمة لدعم التنديد بالاتفاق لا تتطابق إطلاقا مع الحقيقة أو الواقع لا من قريب ولا من بعيد”.

في الواقع، أن المتابعون للشأن المالي يؤكدون أن سلطات مالي كانت تحضر لهذا القرار من مدة طويلة. فقد تجلت بوادر هذه الخطوة منذ عامين في تراجعها شبه الكلي عن تنفيذ الاتفاق ورفضها المستمر لكل محاولة تهدف الى بعث تنفيذ الاتفاق وتشكيكها في نزاهة الوساطة الدولية وتصنيفها للموقعين على الاتفاق، المعترف بهم حسب التقاليد والأعراف، على أنهم قادة إرهابيون،

إضافة الى طلبها انسحاب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) وتكثيفها مؤخرا لبرامج التسلح بتمويل من بلدان أجنبية ولجوئها إلى الاستعانة بالمرتزقة الدوليين، حيث عبدت هذه التدابير الممنهجة الطريق إلى التخلي عن الخيار السياسي لفائدة الخيار العسكري كوسيلة لحل الأزمة المالية”، حسب نفس المصدر.

و استرسل البيان أنه “على الشعب المالي الشقيق أن يدرك أن مثل هذه القرارات المؤسفة والمرفوضة قد أثبتت في السابق أن الخيار العسكري هو التهديد الأول لوحدة وسلامة الأراضي المالية وأن هذا الخيار يحمل بين طياته بذور حرب أهلية في مالي وأنه يعقد المصالحة الوطنية عوض تسهيلها كما يشكل تهديدا فعليا للأمن والاستقرار الإقليميين”.

وخلص ذات المصدر الى أن دولة مالي “تحتاج دائما إلى الأمن والمصالحة ولا تحتاج بأي شكل من الأشكال حلولا قد سبق وتجرع منها دمارا وتمزقا في الماضي”، مؤكدا أن ” تكرار أخطاء الماضي يعني إطالة أمد مأساة وأحزان دولة مالي وشعبها الشقيق”.

وكان المجلس العسكري في مالي، أمس الخميس قد أعلن إنهاء العمل بشكل فوري باتفاق الجزائر للسلام الذي يعود لسنة 2015 في خطوة تصعيدية عقب الأزمة الأخيرة مع الجزائر، والتي من المنتظر أن تشهد تداعيات لها على النزاع داخل هذا البلد الأفريقي الذي يعيش على وقع التوترات منذ سنة 2012.

وذكرت السلطات العسكرية المالية في بيان لها أنه لم يعد من الممكن الاستمرار في الاتفاق بسبب عدم التزام الموقّعين الآخرين بتعهداتهم و”الأعمال العدائية” التي تقوم بها الجزائر، الوسيط الرئيسي في الاتفاق، على حد قولها.

واستندت السلطات المالية على استئناف عدد من الجماعات المسلحة عملياتها العسكرية ضد الجيش المالي في شمال البلاد بعد ثماني سنوات من الهدوء. ونتيجة لذلك، قال المجلس إن ما يسمى باتفاق الجزائر لم يعد قابلا للتطبيق. وأعلنت الحكومة “إنهاء العمل بالاتفاق بأثر فوري”.

قبل أيام من نهاية العام 2023، شهدت العلاقات بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي “هزة” غير مسبوقة، عقب استقبال الجزائر ممثلين عن حركات الطوارق المناوئين للسلطات في باماكو، وذلك في إطار مهمتها كوسيط بين الجانبين.

وتفجر الغضب المالي بعد الاجتماع الذي دعت إليه الجزائر بين الأطراف المتصارعة في مالي، واستقبال الرئيس عبد المجيد تبون في الجزائر العاصمة، الإمام محمود ديكو، وهو أبرز المرجعيات الدينية في شمال مالي والمعروف بانتقاداته المستمرة للجيش الممسك بالسلطة في بلاده، و اتخذت على إثرها السلطات المالية قرار سحب سفيرها، مطلقة اتهامات للجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية

وردت الجزائر في ذلك الحين، باستدعاء سفير مالي لديها، ماهامان أمادو مايغا، وإبلاغه عن طريق وزير الشؤون الخارجية شخصيا أحمد عطاف، بأن كافة المساهمات التاريخية للجزائر في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي كانت مبنية بصفة دائمة على ثلاثة مبادئ أساسية لم تَحِدْ ولن تحيد عنها بلادنا.

وأبرز عطاف خلال اللقاء، أن أول هذه المبادئ هو تمسك الجزائر الراسخ بسيادة جمهورية مالي، وبوحدتها الوطنية وسلامة أراضيها، وثانيها القناعة العميقة بأن السبل السلمية، دون سواها، هي وحدها الكفيلة بضمان السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي بشكل ثابت ودائم ومستدام.

و تتمثل النقطة الثالثة، في أن “المصالحة الوطنية، وليس الانقسامات والشقاقات المتكررة بين الإخوة والأشقاء، تظل الوسيلة المثلى التي من شأنها تمكين دولة مالي من الانخراط في مسار شامل وجامع لكافة أبنائها دون أي تمييز أو تفضيل أو إقصاء، وهو المسار الذي يضمن في نهاية المطاف ترسيخ سيادة جمهورية مالي ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها”.

وفي هذه النقطة، وقع الخلاف، فقد اعتبرت الجزائر أن هذه الاجتماعات التي تمت مع قادة الحركات الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر، تتوافق تماما مع نص وروح الدور الجزائري. بالمقابل، احتجت الخارجية المالية على كون هذه الاجتماعات “أفعالا غير ودّية” و”تدخلا في الشؤون الداخلية” لمالي. وقالت باماكو وقتها إنها تأخذ على الجزائر “الاجتماعات المتكررة التي تعقد في الجزائر على أعلى المستويات ومن دون أدنى علم أو تدخّل من السلطات المالية، من جهة مع أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية، ومن جهة أخرى مع بعض الحركات الموقّعة” على اتفاق 2015 والتي “اختارت المعسكر الإرهابي”.

وتقود الجزائر وساطة لعودة السلام إلى شمال مالي بعد “اتفاق الجزائر” الذي تم توقيعه في 2015 بين الحكومة المالية وجماعات مسلحة يغلب عليها الطوارق. ومنذ نهاية أوت ، استأنفت هذه الجماعات المسلحة عملياتها العسكرية ضد الجيش المالي في شمال البلاد بعد ثماني سنوات من الهدوء.

ويتنافس المتقاتلون من أجل السيطرة على الأراضي والمعسكرات التي أخلتها قوات حفظ السلام التابعة لبعثة الأمم المتحدة المنتشرة منذ 2013 في هذا البلد، والتي طردها الجيش منذ استولى على السلطة في انقلاب عام 2020

ويعود أصل الخلاف إلى انتفاضة جماعات الطوارق التي تقطن صحراء مالي في الشمال سنة 2012، والتي التي كانت تشكو من إهمال الحكومة وسعت إلى حكم ذاتي للمنطقة الصحراوية التي يطلق عليها اسم أزواد.

مقالات ذات صلة

إغلاق