الأرشيفسياسةوطني

هذا ما قاله الجنرال رشيد بن يلس في مذكراته

“في أروقة السلطة” هو عنوان مذكرات الجنرال المتقاعد رشيد بن يلس. الكتاب يحكي ذاكرة وذكريات الرجل. كما يروي تفاصيلا من تاريخ الجزائر المستقلة في الفترة بين 1962و1999.
كان بن يلس فاعلا ثانويا خلال الثورة التحريرية، يملك الرجل مشوارا طويلا من قرية المنصورة إلى مدينة فاس إلى الإسكندرية أين تلقى الشاب رشيد بن يلس تكوينا في القوات البحرية. شهد بن يلس لحظة ميلاد الجيش الشعبي الوطني والتركيبة البشرية لأعضاء قادة الولايات التاريخية،عناصر من جيش الحدود ،ضباط تلقوا تكوين في الشرق الأوسط و الفارين من الجيش الفرنسي. هذه الموزاييك شكلت النواة الأولى للجيش ،كان بن بلة أول من حاول تقسيم الجيش إلى عصب و تكتلات ، في صراعه مع بومدين و قصد تقويض نفوذ وزيره الدفاع الذي اعتمد على الضباط الفارين من الجيش الأكثر التزاما و انضباطا.
يسرد بن يلس قائلا “راح بن بلة يلعب على وتر الشعبية والوطنية والتخوين وكان من ضحايا هذا الطموح السياسي العقيد شعباني. اعتمد بن بلة على مليشيات مسلحة خارج الأطر النظامية و عين قائد الأركان طاهر زبيري دون استشارة وزير الدفاع بومدين الذي كان موجودا في روسيا”، التصحيح الثوري تاريخ وقف عليه بن يلس في مذاكراته ، مبدئيا كان معارضا لكن كعسكري التزم بتعليمات القيادة العسكرية خاصة أن تسير بن بلة كان كارثيا.

شهادة أخرى جاءت في الكتاب ، وهي أن محاولة انقلاب طاهر زبيري حسب بن يلس جاءت لاعتبارات جهوية كون أغلب القادة منحدرين من منطقة واحدة و كان التحضير لها عشوائيا يعكس مستوى طاهر زبيري قايد الأركان حينها، تفاصيل أخرى جاءت في المذكرة حول اختيار الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية فلم يكن اعتباره أكبر القادة سنا معيار الإختيار كما هو متداول فعبد الله بلهوشات كان أكبر منه سنا لكن شخصية شاذلي المستقيمة، المتعاونة هي معيار ذلك الخيار، كان على المجموعة بن يلس ، بلوصيف، بلهوشات، مرباح قطع الطريق على صالح يحياوي و بوتفليقة، إقتحام 800 ضابط وصف ضابط قاعة المؤتمرات أعطى انطباعا للقوة الوحيدة في حين وضعت التنظيمات النقابية قرب أبواب القاعة كي يسهل الطرد في حالة التشويش.

كما أوضح الجنرال المتقاعد خلفيات تعيين قاصدي مرباح في الأمانة العامة لوزارة الدفاع كي يسيطر جهاز المخابرات على ما تبقى من وحدات الجيش، جهاز عمل على حماية النظام بدل من أداء مهام استشرافية و استباقية حسبه.

ورد في الكتاب فصل كامل أشاد بن يلس فيه بمرحلة هواري بومدين في إدارة الحكم وأعطى تبريرات لكل الخطوات السياسية والخيارات الإقتصادية ، نافيا الإغتيالات السياسية التي مست خيضر، كريم بلقاسم وغيرهم. المرحلة الأهم سياسيا وعسكريا في حياة بن يلس هي تولي الأمانة العامة لوزارة الدفاع الوطني ،منصب منحه له  الشاذلي بن جديد كي يبعد بلوصيف من الوزارة الذي أصبحت شكوك تحول حول سوء تسييره المالي، حتى أن بلوصيف رفض مغادرة “طقارة” إلى “عين النعجة” مقر قيادة الأركان.

بن يلس يقدم شهادة لا تزال تطرح في النقاش العام حول الصراع بين العربي بلخير و بلوصيف حول صفقة الرادارات لحماية الإقليم البحري و الجوي، بلوصيف الذي كان قد اتفق مع البريطانيين في صفقة بيع جزافية، بينما كان الإقتراح الفرنسي عبر العربي بلخير نقطة اختلاف ،بن يلس يقول أن العرض الفرنسي كان الأفضل ويقدم الكثير من الإمتيازات على نظيره البريطاني لكن أبدى ملاحظة أن التكلفة المالية كانت كبيرة في ظل تراجع المداخيل الوطنية .ملف آخر تولى بن يلس العناية به و هو مسعود زكار، المعتقل من طرف المخابرات بتهمة التواطؤ مع جهات أجنبية و تلقي رشاوي، تباحث بن يلس مع لكحل عياط وعين الرائد فوزي مسؤولا على الملف ، بعدها اكتشف بن يلس أن الملف فارغ و أن المخابرات كعادتها في تضخيم الملف وكان تمحاولة منها تدعيم الرئيس في إزالة رجال بومدين من الواجهة.

 وجد بن يلس بعدها عراقيلا في محاولة بعث الصناعة العسكرية مع الجنرال سليم سعدي الذي عمل على إرساء القاعدة الهيليكة للصناعة العسكرية لكن شاذلي و حسب بن يلس كان دائما تحت تأثير الثنائي بلوصيف والعربي بلخير.في عام 1985 يقدم بن يلس الإستقالة وينتقل إلى الحياة المدنية ، وكانت وزارة النقل أول حقيبة له في حكومة الإبراهيمي.

كان لما قبل أكتوبر 88 وما بعد أكتوبرفصل تحدث فيها لكاتب ،عن بويعلي والتمرد المسلح وعجز الأجهزة الأمنية عن احتواء الظاهرة الإسلامية، تكلم عن مظاهرات سطيف وقسنطينة وعدم التنبؤ لكارثة أكتوبر، تحدث عن ما الذي حصل أيام قبل 5 من أكتوبر، لماذا خاطب الشاذلي بتلك لهجة العنيفة ضد كل أجهزة الدولة ، صعود حمروش وإبعادالعربي بلخير هل كان وراء الأحداث. تحدث بن يلس أيضا عن  التعددية السياسية ،عن صعود الفيس و أزمة التسعينات ومحطات أخرى يقف عليها بن يلس كملاحظ سياسي له من الأدوات ما يعطي قراءة صائبة وموضوعية على كثير منها.

الفصل الأخير هو كرونولوجيا الأحداث بعد استقالة الشاذلي بن جديد، مجيء بوضياف، إغتياله بعد ذلك والأخطاء التي قام بها ، تحدث عن المجلس الأعلى للدولة والرجل القوي في تلك المرحلة خالد نزار، وعودة لمين زوال لوزارة الدفاع وتعيين محمد لعماري قائد للأركان، والعنف المسلح والمجازر ،تحدث عن سانتيجيديو . قدم قرءات سياسية عديدة .

يتوقف رشيد بن يلس عند عام 1999 أي مرحلة صعود بوتفليقة ؟ هذا التاريخ يعني له خروجه من أركان النظام القديم وبداية عهد من التسيير العشوائي و الشمولي.

لشموت عمار

مقالات ذات صلة

إغلاق