الأرشيفسياسة

تشريعيات 2017.. المشاركة من أجل عزل السلطة في مؤسساتها.

سبق وأن كتبت في هذا المنبر الإعلامي مقالا شاملا حول الانتخابات التشريعية المقبلة المزمع تنظيمها في ربيع 2017, بحيث كتبت يومها أنه من اللائق سياسيا وشعبيا أن تتخذ المعارضة المنضوية في التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي, وأحزاب هيئة التشاور والمتابعة قرارا وموقفا جماعيا في مقاطعة الانتخابات أو المشاركة فيها, وتفضلت بتشريح شامل للمشهد السياسي الذي يعاني من فوضى ونكسة تنظيمية وندرة الواجهة الفعلية التي بإمكانها تنظيم الرأي العام الجزائري وتلقينه أدوات النضال والتمرد السياسي الإيجابي, وقلت يومها وأنا مؤمن في قرارة نفسي بعقيدة المقاطعة الراديكالية ونفض كل أشكال التواصل غير المجدي مع النظام القائم, أنه ينبغي على المعارضة أن تثبت جديتها ومحاسن العمل السياسي الموحد, خاصة بعدما برهنت ذلك, من خلال تشكيلها لأكبر تكتل سياسي معارض للسلطة, وهو الأول من نوعه منذ التعددية الحزبية سنة 1989, وأن تحترم تصريحاتها ومواقفها التي صدرت عنها في السنوات الماضية, والمتمثلة في اتهامها المتكرر بتزوير الانتخابات وفبركتها من قبل الأجهزة الإدارية التابعة للسلطة, ومطالبتها بعد ذلك بضرورة إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات, وغيرها من البيانات العديدة والمختلفة التي سمعناها من طرف زعماء هذه الأحزاب المعارضة.

أمر مؤكد, ومفروغ منه, أن الانتخابات المقبلة لن تكون شفافة وذات مصداقية, رغم محاولة السلطة  مراوغة المعارضة وخداعها, بتشكيلها هيئة وطنية للإشراف على الانتخابات وسمتها هيئة “مستقلة” زورا وبهتانا, ولكن بعدما أعلنت جل التشكيلات السياسية مشاركتها في التشريعيات المقبلة, وزال “السوسبانس” السياسي لدى النظام خاصة والرأي العام عامة, ولكل حزب حجته ونظرته, واستقلاليته المطلقة في تبني وطرح مواقفه, أعتقد أنه من الذكاء السياسي وبعيدا عن الشعبوية القاتلة, أن خيار المشاركة الجماعية لأحزاب المعارضة سيدفع السلطة بطريقة غير مباشرة إلى مراجعة حساباتها وتكتيكها القمعي, بمعنى ماذا لو تكتلت مثلا أحزاب التنسيقية في البرلمان, لتشكل بذلك قطب كبير لمعارضة مقترحات السلطة؟ ماذا لو تمكنت المعارضة  من دفع المنظومة الحاكمة إلى الحوار حول خطة جديدة لتمرير رسائل الديمقراطية والرقي الاقتصادي, وتغيير بعض من المصطلحات السياسية؟...

إن المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة لفرصة مناسبة للمعارضة في إعادة ترتيب أدوات النضال والتفكير عن كيفية التوغل داخل البيت الشعبي الجزائري, ونحن نعرف جميعا أن أحزاب المعارضة تفتقر إلى أدنى وسائل المواصلة في النضال, فلا تغطية إعلامية لأنشطتها, ولا تمويل مادي قصد ديمومة فعاليتها,وبالتالي فهي معرضة للتصحر الوجودي والاندثار التنظيمي إن واصلت التشبث في اعتناق القطيعة والراديكالية المطلقة.

ويجب كذلك قراءة خيار المشاركة الجماعية لأحزاب المعارضة بثقافة سياسة العالم الثالث, بمعنى أن مقاطعة الانتخابات في ظل تعنت السلطة الحالية المبنية على أركان القمع والقوة والدوس على القوانين, وعلى التوريث واللا شرعية, لا يخدم إلا جماعة الحكم وأجهزتها السياسية, فعقيدة الكرسي الشاغر لا تؤذي مطلقا مكانة السلطة دوليا أو داخليا, كما لا تزعزعها ولا تغيرها, إذن ينبغي المشاركة بقوة أو إعادة الاعتماد كلية. وضف إلى ذلك, فإن التغيير في التموقع السياسي والتنظيمي عند الأحزاب السياسية ليس محرما في النواميس السياسية المتعارف عليها عالميا, ولا يعني أن تشارك في النضال بطريقة جديدة برغم من أن لا شيء تغير في المشهد السياسي, أنه نكران للمبادئ أو طمع ذاتي أو حزبي, وإنما فقط عندما نشتغل في النضال من أجل إصلاح الوطن والمواطن, وإعادة مجريات الحياة الاجتماعية إلى مقامها المناسب, يعد نوع من الكفاح المستمر ضد الشمولية التي أرهقتنا بوجود البحبوحة المالية أو مع انعدامها. وكما لا يجب أن نجهل أن الأحزاب تأسست من أجل المشاركة في صنع البديل وتغيير نمط الشمولية والشلل الموجود في كل الميادين نحو حياة أفضل وكرامة أخرى أكرم من تلك التي تروجها السلطة لنفسها.وليس التشبث الدائم والمطلق في مواقف لا تخدمها ولا تشرفها ومن ثم ينعكس ذلك بالسلب على الأفراد والمجتمع.

في الأخير, وللتوضيح, لست ناطقا رسميا لأحزاب المعارضة, لكن بصفتي مواطنا وصحفيا ومناضلا سياسيا قبل أن أحكم على المتغيرات السياسية استبق العقل والمنطق قبل الغريزة الوطنية والعاطفة الجزائرية, فمن لا يحيط علمه بالمنطق فلا ثقة في علومه.

بوشن فريد.

مقالات ذات صلة

إغلاق