شخصيات

عبد الرحمان بن سالم .. قصة رجل أرعب فرنسا

ولد عبد الرّحمان بن سالم سنة 1923م ما بين بوحجّار و عين الكرمة في دوار الشّيابنة من أسرة فقيرة تشتغل بالفلاحة التّقليديّة تتكوّن من ثمانية أفراد يملكون أربع هكتارات من الأرض الصّعبة ،وفي طفولته و شبابه لم تتح له الفرصة في التّعليم و العيش الرّغد بسبب ثقل الفقر على أسرته ، شانه شان مئات الآلاف من الشّباب الجزائرييّن في سنّه.
التحاقه بالجيش الفرنسي:
لم يجد عملا يشغله ،وبعد طول عناء لم يجد مخرجا من الوضع الّذي يعيشه إلاّ التّجنيد في صفوف الجيش الفرنسي و عمره تسعة عشر عاما ،وبقي في صفوف هذا الجيش أربع عشرة سنة متنقّلا بين الجزائر و فرنسا و الهند الصّينيّة في ميادين القتال تحت قيادة الجنرال ”جيرودوس” الذّي خاض المعارك ضدّ الماريشال “رومل” حتّى الوقت الذّي دمّرت فيه الوحدة الّتي ينتمي إليها و كان “عبد الرّحمان” من بين الأسرى حتى انتصار الحلفاء في شمال إفريقيا ، وعندما انتقل الحلفاء إلى الجبهة الايطاليّة شارك “بن سالم” في معركة صعبة في ”مانت كاسينو” و من ثمّ أرسل إلى “سانت تروبي ” ثمّ إلى مرسيليا و قادته الحرب إلى ” الرّين” و بعدها في جيوش الاحتلال إلى “شتوتغارت” و في مدن أخرى بالمنطقة الفرنسيّة.
فأثناء الحرب العالميّة الثّانيّة كان الجزائريّون في الصّفوف الأماميّة من المعارك القاسية ، و كلّ رفاقه يشهدون له بأنّه من امهر الرّماة بالبنادق الرّشّاشة ، و من بعد الحرب أرسل بعضهم إلى مدغشقر و السّنغال ثمّ إلى الهند الصّينيّة ، و في منتصف سنة 1945م وجد عبد الرّحمان نفسه في الفيتنام حتى سنة 1954م على ندّ جلاء القوّات الفرنسيّة و هزيمتها هناك ، وفي سنة 1953م تقلّد رتبة رقيب أوّل (ضابط صف) و قاد فصيلة تتكوّن من 38 جنديّا نقلت إلى هانوي و بالضّبط في “ديان بيان فو” حيث بدأت فرنسا في إنشاء قوّتها المقدّرة بـ 8000 جزائري وقوّات أخرى من التّونسيّين والمغاربة و السّنغاليّين و اللّفيف الأجنبي ، ومن بين المدافعين في معركة ”ديان بيان فو” المقدّر عددهم بـ24000 جندي آنذاك يوجد 2000 فرنسي ،ففي اليوم الأوّل من الهجوم الفيتنامي دمّر فيلق اللّفيف الأجنبي ،و في اليوم الثّاني قتل 400 من الجزائريّين و استسلم 400 آخرون و اسر بعضهم منهم “عبد الرّحمان بن سالم” …بوجهه الأسمر البشوش الكاشف عن أسنان بيضاء ناصعة يحكي قصّة أسره في فيتنام :”آه…إنّ المحافظين السّياسيّين في ثورة الفيتنام كانوا يحدّثوننا عن الاستعمار الفرنسي و بشاعة استغلاله لهم ، وعندما أتذكّر ما عاناه هذا الشّعب البطل كان يصيبني الدّوار و الغثيان ، لقد عاملونا بلطف أثناء أسرنا – خاصة نحن الجزائريّين- وانيّ مدين للرّئيس ”هوشي منه” و ضّباطه، وعندما تنتهي الثّورة و أكون على قيد الحياة ساردّ و اعترف لهم بالجميل.
التحاقه بالثورة التحريرية:
وعندما اندلعت الثّورة بالجزائر عاد مع القوّات الفرنسيّة و تنقل ما بين عنابة و الاوراس و منها إلى سوق آهراس وكان محبوبا كجندي فرنسي بأوسمته الاثني عشر و اقترح لنيل و سام الشّرف و رتبة مساعد. نقلت وحدته الكتيبة الثالثة للرماة الجزائريين – إلى مركز البطيحة-على بعد 15كم شمال غرب سوق أهراس و هناك خطّط مع رفاقه في عمليّة البطيحة للالتحاق بالثّورة عندها التحق بجيش التحرير ليلة 9 مارس 1956، وكان يجر وراءه تجربة حربية ميدانية عمرها نحو 14 سنة.
صورة لثكنة البطيحة ، الصورة مقتبسة من شريط وثائقي حول عملية البطيحة و مجازر البسباسة ، انتاج سنة 2013.
محاربان كان رفيقا سلاح ،أصبحا عدوان “بن سالم” و” بيجار” :
من بين الجنود الأسرى في ” ديان بيان فو’‘، كان هناك محاربان معروفان بشجاعتهما:
القائد “مارسيل بيجار” و الرقيب “عبد الرحمان بن سالم”.
التقيا يوما ما وجها لوجه ، بضواحي “بوحجار” القائد “بن سالم” ضد العقيد “بيجار”.
أحدهما يدافع عن وطنه المستعمر والأخر عن قضية خاسرة.
قصف الرعد في أجواء بوحجار :
هذا الرجل القصير البدين داكن البشرة الملقب بـ ”الشيخ” هو “عبد الرحمان بن سالم” الرجل الذي تحدى الجنرال “فانوكسيم” ، كان حدث متناقض : جنرال فرنسي ضد الرقيب السابق استقر “بن سالم” نهائيا على المرتفعات المتطاولة لجبل منقار البطة و استمرت المناظرة ضد عدوه حتى بزوغ فجر الاستقلال.
شتاءً يختلط رعد السماء ورعد الرجال الذين يقاتلون وجها لوجه لكي لا يشكلا إلا صوتا واحدا يعج فضاء الليل القارص، كلا يحافظ على موقفه على حدا ، وذات ليلة ، سمع شيخ يقيم في دوار “وشتاته” ضجيج الرعد فقال لأحفاده ،”أصغوا ،انه ”بن سالم” الذي يلقن درسا للفرنسيين ” ، فتظاهر أحفاده بالموافقة مع التعجب للبرق في السماء المظلمة.
أهم المناصب التي شغلها اثناء الثورة وبعدها:
عيّن قائد الفيلق الثّاني بالقاعدة الشّرقيّة بعد تشكيله في 1 نوفمبر 1956م وأسندت قيادته إلى النقيب عبد الرحمان بن سالم ، ينوبه 3نواب برتبة ملازم أول هم :
الملازم الأول لخضر ورتسي ، نائب أول مكلف بالشؤون العسكرية
الملازم الأول رماضنية الحفناوي ، نائب ثاني مكلف بالشؤون السياسية
الملازم الأول علي بوخضير ، نائب ثالث مكلف بالأخبار والمواصلات
و من بين نوابه أيضا الشهيد جبار الطيب مكلف بالاخبار و الاتصال و تموين الفيلق .
القائد عبد الرحمان بن سالم قائد الفيلق الثاني الميداني
من اليمين إلى اليسار : جبار الطيب ، عمارة بوقلاز ، محمد عواشرية ، عبد الرحمان بن سالم و الطاهر زبيري .
عين أيضا برتبة رائد قائدا للمنطقة الشمالية سنة 1960م ينوبه الشاذلي بن جديد ،عبد القادر مولاي المدعو شابو ،احمد عبد الغني حيث ضمت المنطقة الشمالية 14 فيلقا و 4 كتائب للأسلحة الثقيلة .
صورة توضح اطارات جيش التحرير الوطني في سنة 1960م في القاعدة الشرقية ، بالتحديد في المنطقة الشمالية التي كانت تحت قيادة الراحل عبد الرحمان بن سالم ،الذي دعاهم الى المنطقة لاعادة تنظيم الجيش بعد التغييرات التي جرت عليه ميدانيا ،الشخص المظلل في الصورة هو ”عبد الرحمان بن سالم” على يساره العقيد هواري بومدين ” و على يمينه ”عمار شمام” .
من اليمين الى اليسار : عبد الرحمان بن سالم ، يزيد بن يزار، علي منجلي، هواري بومدين و هاشمي هجرس ….و هم ياخذون صورة تذكارية مع اول قطعة سلاح يوغسلافية الصنع من نوع ” دوشكا ” في خريف سنة 1959 م ….
عضوا في مجلس الثورة
قائد المقر العام لوزارة الدفاع الوطني سنة 1962م و المسمى حالياً ” علي خوجة “.
قائدا عاما للحرس الجمهوري سنة 1964.
مديرا لأكاديمية شرشال 1967م – 1968م.
المقدم عبد الرحمان بن سالم قائد الاكاديمية العسكرية لمختلف الاسلحة بشرشال
 غادر صفوف الجيش الوطني  سنة 1967م  و عاد إلى مسقط رأسه
أهم المعارك و العمليات التي شارك فيها :
عملية البطيحة 09-03-1956م
معركة جبل الكدية ببني صالح فيفري 1957م
عملية عين الزانة في افريل سنة 1958م
معركة بوخندف ببني صالح 09 -10 – 1958م
معركة قرون عايشه 03-03-1959م
الهجوم على مركز بوحجار من جميع النواحي في أوت سنة 1959م
التسميات التي لقب بها المجاهد ” عبد الرحمان بن سالم ” :
“يوغرطة الجزائر ” من طرف الصحفي اليوغسلافي ” زدرافكو بيتشار ” .
“خالد بن الوليد ” من طرف المجاهدين.
“الرجل الأسمر” من طرف قيادات الثورة .
” الرعد المدوي في سماء بوحجار ” من طرف الضابط “براهيم لحرش “.
وفــاتـــه :
بعد إحالته عن التقاعد برتبة مقدم سنة 1976 م ، عاد إلى مسقط رأسه بـ “بوحجار” ،و اكتفى بمعيشة البسطاء متواضعا بين مختلف فئات المنطقة مع من عايشوه أثناء الثورة و شباب و نشئ تلك الفترة ،ولان الإنسان ابن بيئته فقد كان يقوم برعي الغنم و الأبقار خاصة و أن العودة للأصل فضيلة، كسب قلوب الناس بفضل وجهه الأسمر البشوش الكاشف عن أسنان ناصعة البياض . في يوم من الأيام قامت جرافات تابعة لمصالح حماية الغابات ببوحجار بالكشف عن رفاة العديد من شهداء معركة جبل بوخدف التي شرحناها سابقا ، وكان ذلك خلال الأيام الأولى من شهر أكتوبر سنة 1980م فما كان على السلطات سوى الاستنجاد بالمقدم بن سالم لأنه كان قائدا للمنطقة الشمالية و هذه المنطقة خاضعة له أثناء الثورة ، كان اليوم الذي ذهب فيه الراحل مع السلطات مع المحلية يصادف 09 من أكتوبر وهو اليوم الذي جرت فيه وقائع معركة بوخندف قبل 22 سنة خلت أي سنة 1958م ، اخذ بن سالم يتذكر بمرارة كيف استشهد رفاقه في السلاح آنذاك و من بينهم رفيقه و نائبه “جبار الطيب ” و هو يتعجب لماذا بعض المجاهدين نسوا إخوانهم في الجهاد طيلة هذه المدة كيف جمعتهم الثورة و فرقهم الاستقلال ! واخذ يتذكر المعركة و هو يقود رحاها و الملا بجانبه مندهشون لما يقوم به ، فاخذ يجري من مكان لأخر و يصرخ : أنت لقم سلاحك ،أنت تفقد ذخيرتك و أنت هناك اختبئ جيدا و هو ينادي الشهداء رحمهم الله بأسمائهم ،ومن لحظة لأخرى يصرخ قائلا : اختبئوا الطائرة ,الطائرة. . . تحصنوا جيدا ،أماكنكم احذروا القصف . و من شدة تأثره بالمعركة و فقدانه لصديقه توفي فوق قبر الشهيد ” جبار الطيب ” ، ليلتحق البطل “عبد الرحمان بن سالم” بإخوانه عند الرفيق الأعلى ، حيث دفن بمقبرة الشهداء ببوحجار وحضر جنازته رئيس الحكومة في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد نيابة عنه الذي كان مشغولا بضحايا زلزال الاصنام بالشلف.
* ضريح المجاهد عبد الرحمان بن سالم بمقبرة الشهداء ببلدية بوحجار
و في سنة 1999 عند مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقه قام اسداءه وسام الاثير تكريما لمجهوداته و ردا للاعتبار لمجاهد من الطراز النادر الذي خدموا ثورة التحرير و البناء بعد الاستقلال .

مقالات ذات صلة

إغلاق