آراء وتحاليلوطني

ديمقراطية “كابدال” التشاركية وبيروقراطية “دبري راسك” في الجزائر..

الديمقراطية التشاركية تنطلق من كون الديمقراطية التقليدية والتي هي الديمقراطية التمثيلية لم تعد صالحة حاليا، وهذا مايستمر في التأكد على المستوى العالمي من خلال الإنتفاضات التي تملىء عديد الساحات في الكثير من المناطق في العالم، والتي سميت في بدايتها بالموجة الثانية للربيع العربي ولكن فيما بعد سقط هذا الطرح، إذ لم تقتصر هذه المظاهرات على البلدان العربية بل توسعت لتطال “ايران” وحتى “الشيلي” مؤكدةً الطرح الأول القائل أن الديمقراطية التمثيلية لم تعد تلبي رغبات الناس ولابد من انتهاج الديمقراطية التشاركية كآلية بديلة تحاول الاستجابة لمطالب الشعوب.
في الجزائر وفي سنة 2017 أطلق مشروع كابدال لدعم التنمية في عشر قرى نموذجية قبل أن تتقلص الى ثمانية، وبدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوروبي كشركين لوزارة الداخلية والجماعات المحلية، آجال انجاز حددت الى افاق السنة الحالية (2020)، أما الهدف هو تحصيل تنمية على المستوى المحلي في الجزائر من خلال استنساخ تجارب ناجحة عبر العالم في مجال التنمية المحلية.
يعتمد مشروع “كابدال” على مجموعة من المحاور كالديمقراطية التشاركية، تحسين وعصرنة المرفق العام وتسيير المخاطر الكبرى، لكن المحور الأول يعتبر الحجر الأساس في المشروع فتحقيقه يعني نجاح المشروع، وعدم ادراكه يؤدي لفشل المشروع.
الديمقراطية التشاركية هي صورة جديدة للديمقراطية تتمثل في مشاركة المواطنيين مباشرة في مناقشة الشؤون العمومية واتخاذ القرارات المتعلقة بهم أي هي تمكين المواطن من ممارسة السلطة عن طريق اشراكه في الحوار والنقاش العمومي واتخاذ القرار السياسي المترتب عن ذلك.
باختصار الديمقراطية التشاركية تجعل من المواطن والمجتمع المدني طرفا محوريا في الاستشارة والاقتراح في صناعة القرار المحلي من خلال عدة أليات منها المبادرة الشعبية والتي هي آلية اقتراح متاحة يستطيع مواطن من خلالها الوصول بمقترحه إلى الاستفتاء كمحطة أخيرة، إضافة الى آلية تقديم العرائض التي تتيح للمواطن تقديم عريضة إلى السلطات المختصة، كالبرلمان مثلا من أجل عرض مشروع أو تعديل قانون أو شيء من هذا القبيل، أما الإستفتاء الشعبي يتميّز بكونه يضمن حق اشتراك جميع المواطنين بدون استثناء، فقاعدة المشاركة فيه هي الأوسع على الإطلاق ولكن في المقابل هو مكلف جدّا للدولة من الناحية التنظيمية، لهذا لا يتمّ اللجوء إليه إلا نادرا وفي قضايا مصيرية مثل الانفصال عن سلطة دولة مركزية أوتعديلات الدستورية.
أما أرقى آلياتها فهي الميزانية التشاركية التي يقرر من خلالها الأشخاص العاديون كيفية تخصيص جزء من الميزانية البلدية، وتعتبر هذه الآلية بامتياز أحد أفضل ممارسات الحوكمة التشاركية نظرا لأثرها الملموس على واقع المواطنين لا سيّما على المستوى المحلّي وتحفيز مشاركتهم في الشأن العام بشكل مباشر.
عكس الديمقراطية التشاركية، البريوقراطية في عقل الكثير هي الشكل الفاسد للإدارة وهي أداة للمحسوبية والمحاباة والتعسف في ممارسة السلطة، لكن الحقيقة مغايرة تماما فالبيروقراطية في حقيقة الأمر هي جهاز إداري متخصص في تطبيق الساسة العامة للدولة مرتبط باللوائح والتنظيمات التي تحدد سيرورة عمل هذا الجهاز.
يعرفها “فريديرك هيجل” أنها أداة للتنمية وتطوير الدولة وزيادة ولاء المواطنين للمؤسسات الوطنية، أما “كارل مارس” فهو يعارضه الطرح معتبراً البيروقراطية أداة بيد الدولة للممارسة سيادتها على الطبقات الاجتماعية من أجل التسيير الأفضل لمؤسساتها، أما الفيلسوف الألماني “ماكس فييبر” فقد وصف البيروقراطية بالنظام العقلاني الذي يتناسب مع المجتمع الصناعي في الغرب، وحصر خصائصها في تقسييم العمل على أساس الوظيفي يعتمد على التخصص إضافة الى التدرج الهرمي في السلطة والفصل الكامل بين الإدارة وبين العلاقات الإنسانية والإجتماعية، باختصار جد شديد كانت هذه بعض التوضيحات حول البيروقراطية التي لطالما لعبت دور كبش الفداء الذي تتم التضحية به في كل فشل بمناسبة أو بدون، من طرف مسؤولين معتبرين إياها في نفس الوقت ذلك العدو الهلامي الذي يحاربه الجميع دون القظاء عليه.
بيروقراطية الجزائر هي عكس ما تطرق له كل من “ماركس” و”هيجل” و”فييبر” هي تقديس المنصب وتأليه السطة، وتأميم الإدارة واعتبار مؤسسات الدولة إرث عائلي وحق شخصي والأمثلة على هذه الممارسات لا تعد ولا تحصى، فيكفي أن نذكر أنفسنا قبل غرينا بحادثة والي مستغانم والسيدة التي جاءت تشتكيه من مشكل سكن لم تتمكن من الحصول عليه، الحقيقة أن تصرف الوالي لا يمثله وحده بل هو يشير الى منظومة حكم اعتادت على ممارسة السلطة الأبوية، اعتادت على التعالي، اعتادت على احتقار الناخب والمنتخب، اعتادت على تقديس المنصب ونست ثقافة الدولة التي هي من أبجديات العلوم السياسية، فكيف مع عقلية إدارية “معينة” كهذه تجاوزها الزمن بعقود أن يتم فرض مشروع مستورد كبرنامج “كابدال” عليهم؟ بأبعاده ومحاوره التي لا يرقى مسؤولونا للفهمها ولايرقى معينيهم للإلتزام بها ولا نرقى نحن للمحاسبتهم عليها، مشروع “كابدال” بفلسفته على المستوى المحلي والإقليمي يصلح للبلدان التي هضمت الديمقراطية التقليدية وأصبحت تتمتع بتقاليد في التداول السلمي على السلطة، وما الديمقراطية التشاركية التي تم شرح جزء بسيط منها أعلاه دليل على تطور مفاهيمهم وتأخر مفاهيمنا، دليل على شفافيتهم وضبابيتنا، دليل على بيروقراطيتهم وبيروقراطيتنا…
حمزة زايت / باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

إغلاق