آراء وتحاليلالأرشيف

كيف خانوه .. يا العياشي ؟

اطلعت على مقال للأستاذ احميدة العياشي بعنوان “من هم خونة ابن باديس” المنشور على موقع جريدة الحياة الجزائرية فرأيت فيما أزعمه أن الكاتب جانب الصواب واعتدى على تاريخ نخبة وأصحاب نهضة علمية وفكرية في القرن الماضي. ولست أدري ما يرمي اليه الكاتب بمحاولة مقارنته بين بن قانة التي أرادت مؤخرا حفيدته أن تروج له كعالم وولي صالح نصر الدين والوطن وما هو إلا مجرم حركي باع دينه وأبناء شعبه لترف الدنيا الفانية، وبين عائلة ابن باديس.

 والذي أخشاه هو محاولة الوصول من زاوية أخرى للنيل من شخص الإمام عبد الحميد بن باديس بزعم أنه رضي لعائلته أن تكون عونا للمستدمر ولم ينكر عليها أو يهجرها.

 مع العلم أن أب  الإمام، محمد بن مصطفى بن باديس هو من سعى له للعودة للتدريس والنشاط عبر مساجد قسنطينة وآزره ووقف بجنبه، وقد دونت يراع الإمام عبد الحميد كلمة شكر لأبيه عبر الشهاب بعدما أُوقف من طرف سلطة المستدمر يومها بسعى من المفتي الحنفي مولود بن موهوب فقرر الفتى -حينها- الحج والهجرة من الوطن نهائيا لولا نصيحة شيخه المحدث أحمد العظيم آبادي الهندي بالرجوع للوطن والدفاع عن العربية والإسلام قدر الإمكان.

 نعم؛ هذه هي العائلة التي دافعت عن الشيخ عبد الحميد بن باديس وأحسنت تربيته ليكون شمعة نور ثم شمس لدنيا الجزائر في وسط ظلمات الطرقية والإستدمار الفرنسي،  كما أن عائلة ابن باديس لا يوجد مرجع تاريخي –حسب علمي- يؤكد أنها حملة السلاح ضد أبناء وطنها بعكس بن قانة بوعزيز، وما مثل عائلة الشيخ يومها إلا كمثل كبار التجار وأرباب الأعمال في غربتهم تسعى للمحافظة على مالها ومكانتها الإجتماعية مع تقديم كل ما بالوسع لبني جلدتها إذ تاريخها معروف بالجهاد والعلم والعمل. ولست هنا لأدافع عن العائلة الباديسية لأنه بالنسبة لي أمر فرعي وثانوي بقدر ما أرد على ما قاله صاحبنا العياشي من تخوين العلماء بعد مماته فتالله إنها من العجب العُجاب.

كيف خانوه !؟

وهم قد أجمعوا مع ابن باديس على عدم تأييد فرنسا في الحرب العالمية الثانية ولو من باب المداراة، ولم يشذ عن الإجماع إلا عالم واحد بسبب الضغط عليه وتهديده بالإعدام والمقصلة بالرجوع الى قضية مقتل المفتي كحول الذي هو من أئمتها، رغم أن المحكمة الفرنسية ذاتها برأته، وكتبت في هذا جرائد الجمعية وغير الجمعية.

 كيف خانوه !؟ وهم من رفضوا بعد مماته أن تستجيب جمعية العلماء لمطلب فرنسا في فرض عالم من اختيارها –بعد وفاة ابن باديس- حتى يكون أداة في يدها. فرفض العلماء ذلك بحجة أن رئيسهم القانوني الذي انتقلت اليه الرئاسة “أتوماتيكيا”هو البشير الإبراهيمي لأنه نائبه، ولا يمكن انتخاب رئيس غيره إلا في اجتماع عام يعقد عندما تسمح الظروف.

 كيف خانوه !؟ وخانوا العهد بمحاربة فرنسا التي قامت بالزَّج بالإبراهيمي والعربي التبسي وخير الدين  في السجن بعد أحداث 08 ماي 1945 بتهمة التحريض على المظاهرات. وآخر من أفرج عنه الابراهيمي في مارس 1947م ؛

 كيف خانوه !؟ وهم من بنوا بعده معهدا باسمه لإكمال مسيرته العلمية والفكرية والتحريرية. فتح أبوابه في ديسمبر 1947م واعترفت به جامعة الزيتونة كفرع لها.

 كيف خانوه !؟ وهذه وصية الشيخ التبسي مدير معهد عبد الحميد بن باديس يقول لطلابه موصيا لهم أثناء منحهم شهاداتهم والجوائز الرمزية: ((أنتم جنود الله والوطن، وإياكم وارتياد أماكن اللّهو والمقاهي، حدثوا آبائكم وأقاربكم عن تعليمكم وشيوخكم، وما سمعتم منهم من النصائح، علموهم ما تعلَّمتم من الدِّين والأخلاق حدثوهم عن الاستعمار وظلمه، فهذا واجبكم في عطلتكم فأنتم أمل شعبكم المسكين، فلا تنشغلوا عن واجباتكم بما يسرُّ أعداء وطنكم ويغيض آبائكم … تلك هي أمانة العلم في أعناقكم الى أن تعودوا الى المعهد)). الأعمال الكاملة للتبسي. جمع أحمد الرفاعي الشرفي ص: 20 ؛

 كيف خانوه !؟ وهم واصلوا بعده في انشاء المدارس والدفاع عن اللغة والدين بعدما كادت النصرانية تتغلب والعربية أصبحت أجنبية.

 كيف خانوه !؟ والإبراهيمي والفضيل الورثلاني أول من أيَّد الثورة ببيان ممضي من طرفهما في 02 نوفمبر من القاهرة، وأكدوه ببيان في 15 نوفمبر أذيع في إذاعة صوت العرب بالقاهرة .

 كيف خانوه !؟ وجبهة التحرير الوطني هي من أوعزَت الى المدارس التي كانت تابعة للحركة الوطنية أن تنضوي تحت مدارس جمعية العلماء ، وفرنسا تقوم بقتل أحمد رضا حوحو سنة 1956 وهو من خيرة رجال الجمعية، والشيخ العربي التبسي يختطف من طرف المستدمر من بيته ليلا وبلباس النوم سنة 1957م ولم يظهر له قبر لحد اليوم، بحجة التحريض على الإضراب.

= كيف خانوه !؟ وأن طلاب الجمعية من أوائل الملتحقين بالثورة مثل البطل الرمز عباس لغرور.

أما ماذكره من خيانتهم له كذلك بعد الإستقلال فهو محض إفتراء لأن حل الدولة يومها لجمعية العلماء برره أحمد حماني بقوله: ((أمر الإعتراض على عودة الجمعية كان صريحا، وخلافه يحدِث فتنة نحن في غنى عنه، فقلنا سمعا وطاعة، لأن هذا ما يأمرنا به ديننا، وإن تأمَّر علينا عبد حبشي رأسه زبيبة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى هوَّن علينا الأمر أننا يمكن أن نواصل عملَنا في ظل الدولة التي أنشأنها بمليون ونصف مليون من الشهداء، وأجهزتها مفتوحة أمامنا، ولنا من الشجاعة الكافية ما يمكننا من الجهر بأرائنا والصَّدع بالحق في مَواضعه)). المحاضرات والمقالات 1/313 مع العلم أنهم لمَّا وجدوا فرصة لإعادتها أعادوها وذلك في الذكرى الستون لتأسيسها وإعلان الإستئناف. أنظر المصدر السابق ص: 289 ؛

 كيف خانوه !؟ وهم أول من عارض أن تكون الجزائر دولة علمانية سنة 1962 في بيان لهم تناقلته حتى الصحافة العالمية  والإبراهيمي رجع من القاهرة للصلح بين الزعماء المقتتلين على السلطة بعد الإستقلال،

= كيف خانوه ؟  والإبراهيمي كتب نداء 16 أفريل 1964 الموافق لـ الذكرى 24  لوفاة إبن باديس يدعوا فيها الى الشورى الإسلامية، فكان مصيره رحمه الله الموت تحت الإقامة الجبرية.

هذه أبرز المحطات أذكر بها الأستاذ احميد العياشي لعله ينصف قلمه وما خطه من زلل بالرجوع الى الحق فهو رأس كل فضية.

بقلم/ عماد بن عبد السلام

مقالات ذات صلة

إغلاق