آراء وتحاليل

هل النظام السياسي الجزائري ديمقراطي ؟ … بقلم محمد تناح

مقال محمد تناح
محمد تناح

” الطبيعة السلوكية السياسية الغير السليمة التي يتميّز بها النظامُ السياسي الجزائري الحالي المُتسبّبة في تأزّم الوضع الإجتماعي والإقتصادي والتربوي للبلد لا تجعلَ منه نظامًا يَحمل مواصفات الأنظمة الديمقراطية الحقيقية “

يتحدّث البعض داخل الجزائر عن طبيعة نظامها السياسي، هناك من يجعل منه نظامًا ديمقراطيًا و هناك من يعتبره نظاما غير ديمقراطي، الفئة الأولى و هي فئة المُوالاة تدافع عن موقفها بناءا على نزاهة وشفافية العملية السياسية المُتّبعة في إختيار مُمثلي الشعب و رئيس الدولة وفق رَأيهم، و الفئة الثانية وهي فئة المُعارضة الحزبية تدافع عن موقفها بناءا على إفتقاد النظام السياسي للشرعية الشعبية على حدّ تعبيرهم، أمّا نظرتنا المُستقلة و المُختلفة تحكم على طبيعة النظام السياسي الجزائري من خلال الوضع القائم، و طبيعة المُشاركة السياسية وكيفية تنظيمها، و إستقلالية السلطات الثلاث.

نشير بداية قبل التطرّق للموضوع الى معنى الديمقراطية، و الحكومة الديمقراطية، و حكومة الأقلية:

الديمقراطية في مفهومها العام هي حكم الأغلبية مع إحترام رأي و حقوق الأقلية التي تسمى اليوم بالمعارضة، تتضمّن تعددية في الآراء و الإتجاهات السياسية، هي نظام حكم يعطي السيادة و السلطة للشعب الذي يختار مُمثليه بكل حرية و نزاهة و شفافية.

ينبثق عن الإختيار النزيه و الشفّاف للشعب مايسمى بـ “الحكومة الديمقراطية” و التي تعني السلطة والسيادة للشعب فهي ليست لفرد أو أقلية تحتكر الحكم بل هي لكل الشعب.

عكس الحكومة الديمقراطية نجد “حكومة الأقلية”، التي تعبّر عن هيمنة مجموعة محدودة من الأفراد على الحكم و تتمتع وحدها بالحقوق السياسية و مُمارسة السلطة، تصل هذه المجموعة للحكم إمّا بإنقلاب عسكري أو بإنتخابات مزوّرة.

إذن و من خلال الحديث عن المفاهيم الثلاث فإنّ الذي يسقط منها على الجزائر وفق الوضع القائم الموجود في واقعها السياسي و الإجتماعي الحالي -الذي سنتحدث عنه- هو حكومة الأقلية الحاكمة الغير ديمقراطية.

*          *         *

الوضع القائم الذي عاشته الجزائر و مازالت تعيشه على الأقل في الـ 10 سنوات الأخيرة و هي التي شهدت فيه هدوءًا أمنيا و طفرة مالية كبيرة بفضل عائدات النفط  مّـُتأزم، حيث لم يتغير الواقع المَعاش لغالبية الجزائريين و لا الواقع السياسي و لا الإقتصادي.

فلم نشهد تطوّرًا علميًا ولا تكنولوجيًا ولا صناعيًا ولا فكريًا في البلد، بل غرق هذا الأخير في التبعية وفي الأزمات الإجتماعية و الإقتصادية والخُلقية، إضافة الى الفساد الكبير الذي إنتشر بشكل رهيب في مُؤسسات الدّولة و الذي بلغ ذروته في السنوات الأخيرة.

المُعطيات المَوجودة في الواقع الجزائري اليوم من غياب العدالة الإجتماعية و غياب المُساواة أمام القانون و التضييق على الحريات و إنتشار الفقر والبطالة الكبيرة و ضعف الدخل الفردي و رداءة البُنية التحتية لمُعظم المُدن التي يعيش فيها الجزائري خاصة منها في عمق البلاد حيث أبسط مُقومات الحياة الكريمة غير موجودة، تثبت بأنّ السياسات المُتّبعة من السلطة الحاكمة في البلاد فاشلة.

النظام السياسي الجزائري لم يُحقق لا الحدّ الأدنى من المَعيشة الكريمة والمُحترمة لمواطنيه بالرغم من البحبوحة المالية الكبيرة التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة و لا يعلم المُواطنين أين ذهبت، و لا عملية سياسية ديمقراطية تحترم إرداة الشعب و إختياراته، فهو سيءُ ُ في كلا الحالتين المَعيشية والسياسية، حقيقة ُ ُلا يُريد البَعض الإعترافَ بهَا، و هي أسباب مباشرة أدّت الى مقاطعة غالبية الشعب للعملية السياسية داخل الجزائر.

المُقاطعة الشعبية للعملية السياسية تُقاس من خلال المشاركة الإنتخابية، وفق أرقام رسمية هناك أكثر من 22 مليون جزائري لهم حقّ الإنتخاب، المُشاركون منهم في مُختلف الإستحقاقات الإنتخابية لا يتجاوزون 10 مليون ناخب على الأكثر، غالبيتهم من كبار السن الذين مازالوا مُتمسكين بالعهد القديم، أي أكثر من نصف عدد الوعاء الإنتخابي مقاطع، هذه النسبة المُقدّمة من الحكومة لا تثق فيها المُعارضة التي تراها مُضخّمة وغير صحيحة وعدد المُشاركين أقل بكثير من ذلك و فق رأيها.

إذا أخذنا بنسبة المشاركة القليلة المُقدّمة من  السلطة و التي لا تتجاوز نصف الوعاء الإنتخابي فهذا يعني أنّ غالبية الجزائريين لم يعد يهمهم الجانب السياسي وخاصّة منهم في فئة الشباب، لأنهم فقدوا الثقة في المسؤولين بسبب عدم إلتزامهم بوعودهم المقدّمة كل مرّة في مختلف العمليات الإنتخابية، هذه مشكلة كبيرة منتشرة داخل الجزائر، و لم تستطع السلطة ولا المُعارضة إقناع هذه الفئة الواسعة بالمشاركة السياسية الإيجابية.

العزوف السياسي و الإنتخابي في الجزائر ليس وليد السنوات الأخيرة بل يرجع الى بداية التسعينات من القرن الماضي عندما تمّ توقيف المسار الإنتخابي الذي تسبّب في أزمة أمنية إستمرت لسنوات راح ضحيتها ما يقرب 200 ألف جزائري، منذ ذلك الوقت إنعدمت الثقة بين الحاكم و المحكوم.

أمّا عملية تنظيم المشاركة السياسية الشعبية المُتمثلة في الإستحقاقات الإنتخابية، فهي في الجزائر بيد هيئة غير مستقلة تابعة للحكومة أشرفت على كل الإنتخابات السابقة، و اليوم وفق المادة 194 من الدستور الجديد فسيتم تعيين هيئة مستقلة لمراقبة الإنتخابات، ولكن الذي يسقط الإستقلالية عن هذه الهيئة هو تدخل رئيس الجمهورية في تعيين من يرأسها بعد إستشارة الأحزاب السياسية، وبالتالي هنا تبقى تابعة وغير مُستقلة و سيكون بإستطاعتها توجيه النتائج العامّة والتحكّم في أرقام نسبة المشاركة وفق مقاس الحاكم، حتى و إن وجد مُراقبين دوليين لمراقبة الإنتخابات لا يعطي هذه الأخيرة صبغة الشفافية والنزاهة، و هذا الذي تحدثت عنه أحزاب المعارضة بشكل صريح، وطالبت بتحديث هيئة مُستقلة مُحايدة لا تتدخّل فيها السلطة التنفيذية و لا أيّة جهة حكومية تشرف على تنظيم الإنتخابات، و لكن يبدو أنّ السلطة لا تريد ذلك، ممّا يضع شكوك حول مصداقية الإستحقاقات الإنتخابية القادمة.

ثم هناك إشكالية أخرى تثبت عدم ديمقراطية النظام السياسي الجزائري و هي في غياب مبدأ الفصل بين السلطات الذي يعتبر أحد المبادئ الجوهرية التي يتميّز بها النظام الديمقراطي، فمثلا رئيس الجمهورية وهو ممثل الأعلى للسلطة التنفيذية له صلاحيات تسمح له بالتدخل في السلطة القضائية، الدستور الجديد يضمن له ذلك في المادة 91 في بندها السابع التي تُجيز له إصدار العفو وحق تخفيض العقوبات أو إستبدالها،  ومن صلاحياته أيضًا تعيين الرئيس الأول للمحكمة العليا في البند الرابع من المادة 92، ثم تأتي المادة 173 التي تعطي صلاحية رئاسة المجلس الأعلى للقضاء لرئيس الجمهورية، و هذا المجلس هو الذي يعين القضاة و نقلهم و سير سُلّمهم الوظيفي وفق المادة 174، مواد تثبت تدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية، و هذا يسقط الإستقلالية عنها، أمّا السلطة التشريعية فهي دائمًا في الجزائر تحت إدارة السلطة التنفيذية والواقع الذي نراه اليوم يثبت ذلك، فقدانها للشرعية الشعبية وفق رأي المُعارضة يجعلها غير مُستقلة و تابعة للأقلية الحاكمة، الذي يهم في كل السلطات هو إستقلالية السلطة القضائية نهائيا لأنها هي الضامن الوحيد لنزاهة الحياة السياسية في البلاد و هي الضابط و المُراقب للجميع.

*         *         *

إذا كان الوضع السياسي لبلد ما غير ديمقراطي و مزيّف و غالبية مُجتمعه يعيش على درجة الفقر و لا يشارك في السياسة سيكون تصنيفه سيئ و هذا الوصف يسقط على الجزائر، و ليس صحيح ما يُروج له البعض هنا وهناك بأنّ النظام السياسي الجزائري جيّد و ديمقراطي.

المعيار الخُلقي والمُجتمَعي والسياسي و الإقتصادي الحالي جعل من الدولة الجزائرية فاشلة لكنها لم تصل بعد إلى درجة الدولة المُنهَارة مثل ما وصلت إليه دُول ليبيا وسورية واليمن، التي كانت أنظمتها تشبه النظام الجزائري في الجانب السياسي والتعاملي مع شعوبها، و في الأخير إنتفضت الشعوب عليها منها من أزيح من زعمائها مثل الذي حدث في ليبيا واليمن و منها من بقيا يُخرّب بلده مثل الذي يحدث في سورية، و الوصف الجامع بينهما هو أنّ الدول الثلاث إنتقلت من درجة الدولة الفاشلة التي هي عليها الجزائر اليوم الى درجة الدولة المُنهَارة.

إذن و من خلال الأزمات التي تعيشها الجزائر اليوم الإجتماعية و التربوية و الإقتصادية الناتجة عن العملية السياسية الغير السليمة التي أدّت الى عزوف شعبي عن المشاركة فيها، تتضح حقيقة ْغياب الديمقراطية عن النظام السياسي الجزائري و بالتالي فهو يصنف ضمن الأنظمة الغير الديمقراطية.

الذي  نريده في الجزائر هو وجود نظام سياسي يستمدّ قوّته من الشرعية الشعبية و المَشروعية الدستورية والقانونية بحيث يجعل من النظام الديمقراطي منهجًا له في تسيير شؤون البلد والذي سيُحقق بدون شكّ مبدأ العدالة والمساواة و الحرية للجميع، من خلال إحترام الشعب وخدمته، لأنّ الديمقراطية كنظام حكم وهي التي تقابل الشورى في الإسلام في غالبية مبادئها، لم تطبّق أبدًا لا في الجزائر و لا في أيّة بلد عربي، بإستثناء تونس اليوم التي هي في بداية الإنتقال الديمقراطي، لو طبّقت فعلا وبشكل صحيح لما وصل إليه الوطن العربي اليوم ومنذ سنين وهو على حاله من تسلّط وشمولية وفساد و تبعية وحروب وتدخلات خارجية دمّرت بلدانه وهجّرة شعوبه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم محمد تناح
*كاتب و باحث جزائري مُستقل لا ينتمي لأي فصيل أو مكوّن أو حزب سياسي، متحصل على شهادة الليسانس في العلاقات الدولية و شهادة الماستر في السياسة الخارجية، مُختص في السياسة والعلاقات الدولية، نشر له عدد من المقالات السياسية على صحف عربية و مواقع إلكترونية مُختلفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق