ثقافات

طريق العودة إلى الأندلس

 

رفع الصليب الفضي على قصر الحمراء، إنتهى مجد غرناطة وسقطت الأندلس، هكذا كان المشهد الأول في فيلم “الأندلسي” لمحمد شويخ، بدأت تتوالى قوافل الفارين من جنائن الأندلس ليجدوا مستقرا لهم على أرض المغرب الكبير، كان سقوط الأندلس بداية أفول حضارة قائمة على مبادئ التسامح والتعايش، قيم حضارية أضعنا الكثير منها اليوم، لقد خنا ميراث أجدادنا، وعبثنا بموروثهم، كنوز ودرر أتوا بها من هناك ولا ندري كيف السبيل إليها اليوم، إنتهى الفيلم،وبدأ نبض السؤال في رأسي: من أين درب الرجوع الى الأندلس؟.

حين أتكلم عن الرجوع إلى الأندلس، فأنا لا أقصد رجوعا مكانيا زمانيا تحكمه الجغرافيا والتاريخ، إنما رجوعا حضاريا ثقافيا، احياء موروث رائع، إيصال رسالة للنشء أن أجدادنا المغاربة أقامو فردوسا على تلك الأرض، وأقاموا جنة على أرضنا حين عادوا فارين من هناك، أن نحيي قيم التسامح والتعايش فينا، أن نتعلم أننا مختلفون، أن لا نخاف إختلافنا، أن ننشأ تشابكا اجتماعيا يسع الجميع. في الفيلم، وردت قصة هروب إمرأة مسيحية، وخياط يهودي في موكب الهاربين، لكنهما واصلا الحياة في مدينة مستغانم، أين وجدوا ناسا يفقهون أن “ربي خلق وفرق”، فأين نحن من كل هذا، لماذا نضطر لاستيراد نماذج مجتمعية لا تنطبق معنا؟، لماذا نخاف النظر للمرآة والتعامل مع حقيقتنا، لما لا نفتح خزائننا؟ لما لا ندرك أن في ثقافة أبائنا و”إسلام جداتنا” ما يكفي لتسع رقعة الوطن أفكار الجميع، لم لا نفعل كل هذا؟ أننتظر الخراب..

 إن المتجول في دلس، أزفون، جيجل، وهران والعاصمة، أو الساحرة شفشاون في المغرب، يرى عوالم حضارة الأندلس، من عمارة وطريقة عيش وأسماء أماكن وعائلات، ذلك موروثنا المادي واللامادي الذي تركه لنا أجدادنا، اليوم، يتغير العالم، والأمم العظمى هي التي عرفت استنباط دروس الماضي، وجعلها مفاتيح للمستقبل، معضلتنا أننا خائفون من التصالح مع أنفسنا،علاقتنا مع البحر والجبل والموسيقى فريدة من نوعها، طريقة ترتيلنا للقرأن ومجالس علمنا لها خصوصية، نعم، نستورد كل شيء، لكن ستكون طامة كبرى إستيراد هوية وحضارة لا علاقة لنا بها، مهما كان مصدرها، أزمة المجتمع التي نعيشها اليوم لها مصدر واحد: لا نريد أن نفهم من نحن.. العودة إلى الأندلس لايعني شق البر والبحر، فقط استحضار أسس حضارة الأجداد، وإقامتها في نفوسنا، أن نجعل الأندلس يأتي إلى مدننا وقرانا.

بقلم بلقاسم بوبكر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق