الأرشيفثقافات

قراءة في رواية “لعبة الملاك” للكاتب الإسباني كارلوس زافون

 

في أزقّة برشلونة، قبل الحرب الأهليّة سنة 1918، تدور أحداث الرواية، حيث يدخل بنا الكاتب كارلوس زافون (1964) مرة أخرى إلى سلسلة روايات مقبرة الكتب المنسية الّتي تفرّد بها، هذا الكاتب الذي أبهرني بأسلوبه السردي المذهل حقًّا.

قبل قرائتي للعبة الملاك، كنت قد قرأت قبلها رواية ظلّ الريح لنفس الكاتب، والّتي مهّدت لي الطّريق لولوج هذه المتاهة اللّذيذة، وتعود ترجمة هذه الرواية حديثا إلى العربية للمترجم معاوية عبد المجيد.

يأخدك زافون مع الشّخصية المحوريّة “ديفيد مارتين” في حبكة سرديّة مشوّقة بنكهة القصص البوليسيّة والثيمة الغرائبية بأسلوب “قوطي” متفرّد.

تبدأ الرّواية بمتكلّم وحيد متمثّلا في الكاتب “ديفيد مارتين” كشخصية رئيسيّة، يعيش هذا الشّخص وحيدا بعد مقتل أبيه أمام عينيه، حيث عمل لمدّة من الزّمن كما تسرد بداية الرواية، في الجريدة الّتي فتحت أمامه باب كتابة قصصه البوليسية، بتزكية من “بيدرو فيذال” الّذي أصبح صديقه المقرّب.
بعد نجاحه في تلك القصص، تلقّى دافيد رسالة من “أندرياس كوريالي” صاحب دار نشر النور في باريس، لتبدأ مرحلة جديدة.

يعود بنا “زافون” إلى طفولة “ديفيد مارتين” ليسرد أحداث انفصال أمّه عن أبيه، وتركها له في أحلك الظّروف وهو في مرحلة الطّفولة، حيث يأخده في إحدى المرّات إلى محلّ لبيع الألبسة، ليرى أمّه الّتي كانت تعمل هناك كبائعة، فيعود ليختلس الطّفل مارتين النّظر إلى أمّه من هناك عدّة مرات .
كما يكشف لنا تعلّق “مارتين” الطّفل بالكتب وشغفه بها، وكيف أحبّها بفضل السّيد سيمبيري صاحب المكتبة، كيف ناضل لإخفاء كتاب “آمال عظيمة” عن أبيه لكي لا يحرقه، وهرب به في اللّيل وهو دامي الوجه إلى بيت السّيد سيمبيري الذي اعتنى به حتّى رجعت عافيته، وأخده أوّل مرة سرّا الى مقبرة الكتب المنسية، وعرّفه إلى حارسها إسحاق، وهناك أخفى الكتاب، بعدها عاد الى البيت.

يخرجنا “زافون” من ذاكرة الكاتب دافيد مارتين لتتوالى بعد ذلك الأحداث ، فيتعاقد الكاتب مع دار نشر لباريدو و إسكوبياس في سلسلة قصصية يسميها بمدينة الملاعين، بعد سنوات من كتابة السلسلة القصصية ونجاحها يصاب مارتين بمرض خطير في رأسه فيعود الطبيب الذي ينبؤه بدنوّ أجله، فيُحبط مارتين حتّى يلتقي بالسّيد أندرياس كوريالي، ليطلب منه مساعدته مقابل أن يعمل معه في كتابة كتاب لم يحدّد نوعه في أوّل الأمر، يبيت مارتين في بيت مستأجر لأندرياس كوريالي فينهض صباحا بصحة جيدة وبعافية، ويجد أمامه مبلغ مائة ألف فيأخده معه، ولا ينسى زافون أن يعيش بالقارئ في حكاية حبّ بين كرستينا سكريتيرة فيذال الشّخصي التي لم تكتمل علاقة حبهما، حيث تمّ زواجها من “بيدرو فيذال” بعد موت أبيها مانويل سائقه الشخصي.

بعد انتهائي من الرواية التي تحتوي على 680 صفحة، بثلاثة فصول وخاتمة، أشعرني كارلوس زافون بالارتياح، رغم ما واجه الكاتب دافيد مارتين بعد ذلك من ظروف صعبة ونهاية أحداث بيت البرج بطريقة دراماتيكية، كارلوس زافون يشتهر بعبقريته، لديه طريقة في السّرد تجعل من القارئ شريكا في الأحداث وليس مجرّد متابع، أي أنك قد تصبح في أي لحظة أحد شخصياتها، يستطيع القارئ أن يقرأها في ليلة واحدة مع توالي أحداثها غير المملّ، حيث لا تتوقف عن الدهشة.

ننتظر الجزء الثّالث بعنوان “سجين السّماء”، والتي قارب المترجم معاوية عبد المجيد على الانتهاء من ترجمتها، هذا الشاب الذي ولد سنة 1985، درس الأدب الإيطالي في جامعة سيينا الإيطالية، و تحصل على ماجستير في الثّقافة الأدبيّة الأوروبية، والترجمة الأدبية من جامعة بولونيا و الألزاس العليا في فرنسا، و تتسم أعماله المترجمة بجودة اللّغة العربية، حتّى أنّه يتراءى لك أنّ الرّواية الأصلية قد كتبت بلغة عربية أصيلة ولا تبدو ملامح التّرجمة عليها.

زاكي ماضي

مقالات ذات صلة

إغلاق