Mobilis Ad

ANEP PN2400002

آراء وتحاليل

صنصال: عندما يصبح الخضوع للمستعمر القديم خيانة لوطن الأحرار

لقد ترعرع شرفاء الجزائر وشبّوا على كره الاستعمار ومقت الظلم وبغض المذلة ونبذ الخضوع، وقد ورثوا ذلك كنزًا ثمينًا وتوارثوه جيلاً بعد جيل منذ فجر التاريخ وبداية الأزمان.  ومن عصر إلى عصر، يحدث وأن تزل رحم العزيزة سهوا فتطرح للناس من الحثالة أسوأها، كما يحدث اليوم تمامًا مع المسمى “بوعلام صنصال” الذي أثبت بكل دناءة ونذالة، بأن ليس له من شرف الجزائرية سوى الرسم والاسم ومسقط الرأس.

يذكر التاريخ أن الإمبراطور الفرنسي “نابليون بونابرت”، وعندما لم يتمكن من الحاق الهزيمة بالنمسا والاستيلاء عليها في معركة “آسبرن”، أمر بالبحث عن جاسوس نمساوي يساعد الجيوش الفرنسية على اقتحام الأسوار والقلاع المحصنة للجيوش النمساوية. وبالفعل، وبعد برهة عثروا على أحد المهربين من تجار الأسلحة والممنوعات، واتفقوا معه على تزويدهم بكل المعلومات المتعلقة بنقاط الضعف والاختلالات الممكنة داخل الأسوار، مقابل منحه ما يحتاج من أموال. تمت الصفقة كما تم الاتفاق عليه، وانتصر نابليون بفضل خيانة الرجل لأمته.

وعندما انتهت المعركة، وقف الجاسوس الخاضع لإرادة الاستعمار عند باب المدينة منتظراً مرور نابليون ليحظى من لدنه ولو بسلام عابر، فلما سنحت له الفرصة ومد يده ليصافح الإمبراطور، قال له نابليون: “يد الإمبراطور لا تصافح الخونة..!” وقذفه بصرة دراهم التقطها مثل الكلب الجائع. وهنا، استغرب القادة والعساكر الفرنسيس موقف الإمبراطور، فقال لهم قولته الشهيرة؛ إن الخائن لوطنه مثل من يسرق مال والده ليطعم اللصوص، فلا الوالد يسامحه، ولا اللصوص يشكرونه.

“صنصال” أخسأ وأذل من أن يكون بمستوى الخائن النمساوي، وإن كان يشابهه اليوم في الفعل، وغداً سيشابهه في الجزاء، عندما يشتد حبل المهانة الذي ربطه حول عنقه، وشدّه من الرباط إلى باريس إلى تل أبيب، معتقداً بأنه في حمى الشيطان إلى الأبد.. متناسياً بأنه مجرد خاضع لإرادة المستعمر القديم، سينتهي به الأمر إلى مزبلة التاريخ حالما تنتهي صلاحيته.. وهذا شأن كل من سبقه بالخيانة والغدر والخداع، وقد يصدق فيه قول الشاعر؛

يا خائنًا، أتبيعُ نفسَك لقمةً
فيلوكها علجٌ ومبدؤهُ نتنْ
ماذا جنيت سوى الدناءةِ والردى
وبقبحِ فعلكَ أنت منبوذٌ عفنْ

إلا أن الغريب في المشهد كله، ليس فيما حملته التصريحات السوقية الغبية التي أطلقها هذا الشخص اللئيم، ولا في خضوعه وانبطاحه المعلن والمبطن للمخزن المغربي تارة، ولليمين الفرنسي المتطرف تارة أخرى، وللصهاينة الأوغاد في كل التارات، لا ولا في جهله بالتاريخ وتزييفه للحقائق وكذبه الواضح وحقده الفاضح.. فهو بالنهاية جزائري الأصل والجنسية، أكل من خيرات هذا البلد وتنعم بأموال شعبه وحل وارتحل بجواز سفره، فلما تنكّر لفضل الجزائر عليه وراح يتهجم عليها  ويكيل لها التهم المغرضة، تم اعتقاله باسم القانون من قبل الأجهزة المكلفة بالحفاظ على الأمن القومي للبلد، تماماً كما يحدث في كل بلاد العالم التي تحترم نفسها وتقدر سيادتها.

إنما الغريب في المشهد هو هذا التحامل المشين والحملة الشرسة ضد الجزائر، من قبل الإعلام والفاعلين ودوائر صنع القرار في فرنسا، وعلى رأسهم الإليزيه الذي لم يعجبه قرار توقيف المسمى صنصال..؟ وأما الأغرب منه، فهذا الحشد المندد هنا بين ظهرانينا، والذي تشكّل باسم الديمقراطية وحرية التعبير من قبل بعض زناة التاريخ ويتامى الشرف والعزة والكرامة.. هؤلاء الفشلة الذين يبررون موقفهم المقرف بحجة أن صنصال وتصريحاته أدنى من أن ترقى إلى مستوى قرار التوقيف والاعتقال، وأنه قد أُعطي حجماً أكبر من وزنه..؟ إذاً، والأمر على ما ترون يا “سفلة”، دعوا أمره للمصالح الأمنية المعنية، ما دام أحقر في أعينكم من أن يكون موضوعًا لعملية إنفاذ سلطة الحق والقانون.

حملة فرنسية سافرة قذرة لها مبرراتها “الكلبية” ودوافعها السياسية السادية وخلفياتها التاريخية الاستعمارية، إلا أنها لا تخفي صُنَان توابلها الصهيونية الخبيثة دعماً وتأييداً وإسناداً بالأموال وبالدعاية والإعلام، من دون أن يُغفل التأييد المطلق لهذه الحملة من قبل “الجارة الغربية” ومناصرتها المخزنية المخزية.. وهو التحالف الثلاثي الذي وإن كان قد تشكل منذ زمن بعيد، إلا أنه استتب ورسى وتكرس مع آخر زيارة للرئيس الفرنسي إلى مملكة الموالي، حيث تم الاتفاق بين الأنظمة الثلاثة على تحقيق الهدف الأسمى في المنطقة، ألا وهو؛ كسر شوكة الجزائر التي ما فتئت تشتد مع كل يوم وتزداد صلابة وتكبر.

فرنسا، ومنذ آخر خرجة إعلامية رسمية للرئيس “تبون” واستعارته العبارة الشهيرة؛ “لن أذهب إلى كانوسا”، والتي أبان من خلالها عن علو كعبه ثقافة ورفعة أنفه سيادة وعزة نفسه كرامة.. أدركت فعلاً بأنها تعبث مع الرجل الخطأ الذي لا يحابي أحدًا، وتشعبذ مع النظام الخطأ الذي لا يُساوَم في سيادة البلد، وتلعب في الوقت الخطأ الذي أثبت لها بأن الجزائر ماضية على درب إصلاح نفسها بنفسها وتطوير ذاتها بذاتها من دون أن تمد يدها لأحد.. فرنسا أدركت بأنها تراهن على الأوهام الكاذبة والسرابات الخادعة، إلا أنها وعوض أن تعود إلى رشدها وتخضع إلى منطق التاريخ وسياقات الأحداث، لا تزال ماضية في صلفها سائرة في طغيانها، تأخذها العزّة بالغطرسة والاثم بالجبروت، من دون أن تتعظ ولو مرة من الدروس الماضية ولا الوقائع البالية.

فرنسا الغيّ والبهتان، تأوي على أراضيها أخطر المجرمين وأقذر الإرهابيين المترصدين بأمن الجزائر ووحدتها، وتمنح لهم الحماية والدعم، من دون أن تأبه لعواقب جرمها وتداعيات استهتارها بقدسية الدماء الجزائرية وحرمة التراب المفدى.. ثم توغر أكثر في استعدائها الجزائر من خلال شحن الشارع الفرنسي وتجييش الرأي العام في حملة قذرة دعماً لقضية الخاضع لإرادة المستعمر المسمى “صنصال”، والتي ستليها قضية “داود” في قابل الأيام، وهي “الأوراق” التي طالما اتخذت منها وسائط ضغط و”هرسلة” وابتزاز في مفاوضاتها مع السلطات الجزائرية، فيما يتعلق بملفات الذاكرة والتاريخ وقضايا الاقتصاد والاستثمار والمبادلات البينية، من أجل الحصول على امتيازات أوفر وتنازلات أكثر من لدن الطرف الجزائري.

تجدر الإشارة إلى أن المثقفين الفرنسيين الكبار، من طينة “دومينيك دو فيلبان”، من أبناء البلد ومن غير الوافدين الملوثين لقطاء التاريخ والجغرافيا، لهم رأي آخر مخالف للتوجه العام لسياسة الاستحمار المنتهجة من قبل ساكن الإليزيه، حيث يُكِنُّون الاحترام للجزائر شعبًا ودولة وتاريخًا وحضارة، إلا أن صوتهم غير مسموع وسط الهرج والمرج المفتعل من طرف شذاذ الآفاق محترفي المكر والغدر والنفاق.

حلف الشرّ الثلاثي الذي تشكل في الظلّ خلف هول الإبادة الجارية في غزّة/فلسطين، والذي يقوده الإليزيه بدعم مطلق من الكيان الصهيوني وتأييد مسبق من المخزن المغربي، يسعى صناعه إلى إسكات صوت الحق والعزّة والشرف، الذي تتزعمه الجزائر باسم القيم والأخلاق التي جبلت عليها الأمة العربية الأصيلة، وباسم الضمير الإنساني الذي فطرت عليه البشرية النقية.

لقد أثبت النظام الفرنسي القائم، بأنه مجرد هياكل تنظيمية نخرة مخترقة حد النخاع من قبل العصابات الصهيونية الإرهابية، وأنه ليس إلا “إدارة صهيونية” في الحقيقة.

أما بالنسبة لـ”صنصال”، فأقول له ولكل من على شاكلته؛ إن هذه الأرض، أرض الجزائر، قد سادت بأبنائها الأصليين، وإن من يدعي السيطرة عليها لا يكون إلا دخيلًا.

ب م

مقالات ذات صلة

إغلاق