آراء وتحاليل
السياسة العالمية في حالة جمود!!
“السياسة هي فن الإقناع” ولكن يبدو أننا نعيش اليوم حالة من الركود السياسي المرتبط بعدم وجود قادة سياسيين كالسابق، حيث كان صناع السياسة يطبقون المخططات المحضرة داخل الغرف المظلمة بسهولة، مما جعل إقناع الرأي العام المحلي والعالمي مسألة وقت وليس مسألة صعوبة العملية نفسها.
اليوم، الأمر مختلف تماماً. السبب يكمن في زيادة وعي الرأي العام بفضل التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، أو ربما في كفاءة الفاعلين داخل الغرف المظلمة ومنفذي الأجندات السياسية، الذين أثبتوا عجزهم في تطبيق مخططاتهم. هذا العجز أعطى الفرصة لرجال المال والأعمال للسيطرة على السياسة، مما جعلها مقيدة بما يمليه أصحاب الأوليغارشية العالمية، وأفرغها من فحواها، مستبدلاً الفن والحجة بقوة الدولار واليورو.
تضارب المصالح في السباق السياسي كان مرتبطاً بفرض منطق واحد وجعل السياسة الخارجية امتداداً للسياسة الداخلية، بغض النظر عن قوة المال. لو تفحصنا الواقع السياسي في فرنسا أو حتى أمريكا، نلاحظ هيمنة لوبي المال والأعمال على السياسة، مما أفرز واقعاً سياسياً متعفناً وفاسداً، وأعطى الفرصة لظهور تيارات سياسية متشددة تُقدّم ذاتها كبديل قوي للواقع الحالي. هذه الكيانات السياسية الهجينة تبنت بعض مطالب المجتمعات الغربية بطريقة تخدم مصالح عرابيها، تحت عنوان القومية وحماية الأصول الأوروبية.
يمكن إسقاط هذا الأمر على الأنظمة العربية، التي أصبحت رهينة لكيانات المال المتحكمة في السياسة. والنتيجة هي ظهور تيارات إسلامية ولايكية تحاول تبني الوازع الوطني والنظرة الشاملة المتحضرة لتغيير الواقع، كما نشهد في تونس، ليبيا، المغرب، السودان وغيرها.
في الجزائر، الوضع مشابه حيث أثرت الأوليغارشية في الفترة الماضية على الواقع السياسي، وأدى ذلك إلى ثورة قادها الرئيس عبد المجيد تبون ضد المال الفاسد داخل الهيئات السياسية. هذه الثورة مستمرة وغير محصورة زمنياً لحماية النشاط السياسي في الجزائر وإعادة التنافسية السياسية المبنية على المشاريع.
في الختام، نشهد ركوداً في العملية السياسية العالمية من حيث المشاريع والأفكار، مما عبد الطريق أمام ظهور التيارات المتشددة ذات الأهداف المشبوهة، والتي تحاول تطبيق أجنداتها الخطيرة عن قصد أو عن غير قصد، مما يجعل من عملية استئصالها أمراً مجهدًا، خاصة في ظل الوضع الجيوسياسي المتقلب إقليمياً وعالمياً.
محمد لمين مغنين