آراء وتحاليل
هَل فُقَاعَةُ البَادِسِيَّةِ النُّوفَمْبِرِيَّةِ امْتِدَادٌ لِلتَّطَرُّفِ والفِكْرِ المَقِيتِ؟
الجميع يعلم أنه لا يوجد تعريف مقنع وكافٍ لمصطلح الإرهاب، ولعل الأمر يعود إلى ارتباط هذا المصطلح بالسياسة العالمية التي فرضتها الدول الاستعمارية بمنطق القوة، بهدف بسط هيمنتها على الدول الضعيفة فكريًا وسياسيًا والغنية من حيث مواردها الباطنية.
فمصطلح الإرهاب من وجهة نظرنا في موقع “طريق نيوز” هو في الواقع نظرية فكرية ترمي إلى تعزيز سلطة وهيمنة الدول العظمى على مناطق الطاقة والمناطق الاستراتيجية الموجودة في أنحاء العالم.
من أجل إعطاء نظرة علمية وأكاديمية أدق، لا يسعنا إلا أن نطلع على عالم اللسانيات الفرنسي فردينان دي سوسور الذي قام بدراسة علم الدلالات وكيفية فهم الدال والمدلول.
فلو أخذنا مصطلح الإرهاب، فهو مرتبط بالهيمنة والسيطرة عن طريق القوة، وهذا المفهوم الأصح الذي تم إخفاؤه لعقود نتيجة خوف هذه القوى من إفشاء حقيقته.
لهذا تم إعطاء مدلول آخر له باستعمال كل الوسائل الدعائية الممكنة من إعلام ومراكز دراسات عالمية، والذي هو الترهيب والقتل والدمار.
هنا ندرك تمامًا أن الحرب الأمريكية على الإرهاب ما هي إلا نمط جديد من السيطرة، لأن نشاط الجماعات الإرهابية المتطرفة ليس له وجود إلا في المناطق التي تزخر بالموارد الطبيعية. ولكي يتم تغطية هذا الأمر، قامت بعض الدول الغربية بفبركة بعض المسرحيات مثل “باتاكلان” وغيرها من أجل دحض هذه الفرضية.
من ناحية أخرى، عمدت الجهات الغربية المتنفذة في العالم إلى استبدال مصطلح الإرهاب بمصطلح الجهاد، الذي هو من أركان الإسلام، بهدف إعطاء صورة نمطية مغلوطة عن الجهاد وربطه بالإرهاب، الذي هو التدمير والقتل وغيرها.
نلاحظ جليًا أن معظم القنوات الغربية تعتمد كلمة “المجموعات الجهادية” بدلاً من “الجماعات الإرهابية”، وهذا يدل على عملية تضليلية الهدف منها هو حظر مصطلح الجهاد فكريًا لدى الدول الإسلامية والعربية التي تتخذ من الإسلام ديانة لها.
وعليه، فإن الإرهاب هو فكر تم التنظير له داخل أجهزة المخابرات الغربية، خاصة الصهيونية والأمريكية. وهذه النظرية وجب إرساؤها على أرض الواقع من خلال خلق كيانات مثل داعش، القاعدة، جبهة النصرة وغيرها من الجماعات التي تختلف ظاهريًا وشكليًا، لكن من ناحية المضمون والفكر فهي منسجمة تمامًا وتحمل نفس الأهداف.
خلق هذه الكيانات الإرهابية يتطلب دعاية إعلامية، ففي نظريات الإعلام والاتصال، الإكثار من تناول نفس الخبر يولد ترسيخه لدى العامة. وهذا الأمر قامت به العديد من وسائل الإعلام الغربية وحتى العربية منها، فالقيام بعرض الصور والفيديوهات لعمليات الذبح والقتل التي قامت بها داعش وجبهة النصرة في كل من سوريا والعراق له دلالات عدة، ولعل من أهمها هو إثارة غريزة العنف التي تعتبر من الغرائز الأساسية لدى كل كائن حي.
هنا نستذكر قول لومبروزو: “الإنسان شرير بطبعه”، بمعنى أن غريزة العنف لدى الإنسان متجذرة في عقله الباطن، ولا يمكن تحفيزها إلا عن طريق الإثارة والترغيب.
من هذا المنطلق، يمكننا تفسير المنطلق الفكري لمفهوم ما يسمى “البادسية النوفمبرية” الذي تم استخدام الراحل العلامة عبد الحميد بن باديس ورمزية الفاتح من نوفمبر المجيد كمنطلق من أجل إعطاء تلك الشرعية الفكرية والعقائدية لتمرير رسائل خبيثة تهدف إلى التفرقة وخطاب الكراهية داخل أفراد الشعب الواحد.
المعادلة هي كالتالي: أول نوفمبر والعلامة عبد الحميد بن باديس استُخدم كدال (signifiant) والمدلول (le signifié) هو التفرقة وخطاب الكراهية وإثارة النعرات الجهوية.
نستنتج بأن بروز تيار أو مصطلح ما يسمى “البادسية النوفمبرية” تزامن مع فترة الحراك الشعبي بهدف استقطاب بعض التيارات الإسلامية المتطرفة التي كانت في مرحلة خمول، وكذلك بعض من عامة الشعب بهدف ضرب الوحدة الوطنية واللحمة الشعبية.
وعليه، فإن منظري ما يسمى “البادسية النوفمبرية” لا يختلفون من حيث المبدأ عن الجماعات المتطرفة التي تسعى إلى الهيمنة وفرض منطقها الإيديولوجي للوصول إلى الحكم، والعمل على تفكيك مقومات عبد الحميد بن باديس رحمه الله وتشويه رمزية الفاتح من نوفمبر المجيد.
هذا الأمر يتضح جليًا في نقمة وحقد معتقدي هذا التيار الهجين على مؤسسات الدولة ورموزها، فهم دائمًا يحاولون الطعن في الرموز التاريخية للدولة الجزائرية ورجالها، مختبئين وراء عباءة بن باديس وثورة الفاتح من نوفمبر.
في الختام، نقول بأن تيار “البادسية النوفمبرية” هو فكر متطرف هجين لديه امتداد وصلة وثيقة بمراكز أبحاث غربية وحتى عربية تسعى إلى طمس المقومات الوطنية، فهذا هو التضليل بأسمى صفاته.
محمد لمين مغنين