الأرشيفثقافات

“صلاح..قبائلي في فلسطين”..قصّة تهجير أبدي

 

“أنا صلاح، فلسطيني أقيم بمخيّم برج الشمالي، لكنني أعلم أن جدّي جزائري قدم من منطقة القبائل عام 1830، مع عدة عائلات توزعت في تراب الشام، واختار هو الاستقرار هنا، بقرية ديشوم بفلسطين”، بهذه الكلمات التي نطقها “العم صلاح” بقبائلية تكتسيها لكنة مشرقية  كانت بداية الفيلم القصير “صلاح..قبائلي في فلسطين”، للمخرج الجزائري طاهر حوشي، مدير المهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف ،في 13 دقيقة يروي الفيلم قصة مواطن فلسطيني في قرية”ديشوم”، هذه القرية التي تسكنها عديد العائلات ذات الأصل الجزائري وتحديدا من منطقة القبائل، عائلات فرّ أجدادها وتم تهجيرهم  إلى المشرق هروبا من طغيان الإحتلال الفرنسي، فاستقرت بعضها في لبنان وبعضها في سوريا، فيما وصلت عائلات إلى داخل التراب الفلسطيني، قصص إنسانية تضاف لعديد قصص الجزائريين المهجّرين والمنفيين خارج الحدود إبّان حقبة الإحتلال.

في بداية الفيلم، ينطق صلاح أو “أبو هشام” كما يلقّب، ببعض الكلمات القبائلية، حيث يقول أنني أعلم أنّ جدي جزائري قدم من منطقة القبائل واستقر هنا، ثم يحكي عن قصته الكاملة وقصص مشابهة لعائلات تحمل أصولا جزائرية ذابت داخل المجتمع الفلسطيني بعد مرور أزيد من قرن ونصف، قصص تجمع بين المعاناة والحنين، لاكتشاف هذا الجزء الخفي من هويتهم، في أرض قدموا اليها من أرض تشبهها.

 يعيش “العم صلاح” داخل مخيم برج الشمالي منذ سنوات، أين يخوض تجربة النفي والحرمان بشكل مضاعف، تلك الكلمات القبائلية التي لا يزال يحتفظ بها في ذاكرته هي جزء من موروث عائلي يكاد يزول. يحلم العم صالح بزيارة الجزائر وقرية جده التي يرجح أنها من “الأربعاء ناث ايراثن” التي شهدت موجة تهجير قسري منذ عام 1830، يقول العم صلاح أنّ هذه الزيارة  حلم يريد تحقيقه قبل أن يتوفاه الأجل.

يروي الفيلم كذلك قصة الكثير من العائلات التي وصلت للشام والتي تم نفيها بعد كل مقاومة شعبية في أحد المناطق، إذ هجّر الكثيرون بعد ثورة الأمير عبد القادر والمقراني والزعاطشة ومقاومة فاطمة نسومر، تهجير قسري الى مناطق بعيدة، استقرت بعض العائلات في سوريا ولبنان فيما اختارت أخرى منطقة “صفد” في فلسطين، قبل أن يتم تهجيرها الى مناطق أخرى على يد العدوان الصهيوني وكأنّ قدر التهجير يلاحقها أينما ذهبت، قاومت هذه العائلات الإحتلال يدا في يد مع العائلات الفلسطينية دفاعا عن أرضها كما ساهمت في جمع الأموال لفائدة جيش جبهة التحرير الوطني أثناء الثورة، تفرقت العائلات في مناطق مختلفة داخل التراب الفلسطيني فيما عادت بعضها إلى لبنان، وهو ما يجعلها لا تبدو كجالية واضحة المعالم بل كشتات أخفته نوائب الزمن.

حنين العودة الى الوطن، يراود الكثيرين كلما لمحوا أمامهم شجرة زيتون، شجرة الزيتون تبقى الرابط الذي يذكرهم بأرض الأجداد، في عام 1970 قامت الدولة الجزائرية بإحصاء هؤلاء خاصة في لبنان، الكثيرون تسلموا بطاقات تعريف وطنية جزائرية، وبعضهم دخل أرض الوطن وعاد للاستقرار في الجزائر، لكن الملف تم غلقه منذ ذلك الحين خاصة مع التعقيدات الكثيرة في الأراضي الفلسطينية، يعيش اليوم العم صلاح والكثير من “جزائريي الشام” حلم العودة والرغبة في زيارة أرض أجدادهم قصة أخرى تضاف للكثير من القصص التي تزيّن الجانب المخفي من تاريخ الجزائر.

 بوبكر بلقاسم

 

مقالات ذات صلة

إغلاق