آراء وتحاليلثقافاتهكذا أفكر

22  سنة عن رحيله.. معطوب الوناس.. الفنان الذي تنبأ بخيانة الوطن

بقلم:  الطاوس اكيلال

“يلا يون اولاشيث يلا، يلا وين يلا اولاشيث” ..هو المثل الامازيغي الذي يترجم وجود العديد من الشخصيات التي تركت بصمتها في تاريخ شعوب شمال افريقيا والجزائر خصوصا وبقائها حية في ذاكرة المجتمعات مهما طال زمن رحيلها.

من كان يصدق من اوفياء ومحبي الفنان والمناضل معطوب الوناس، انهم سيخلدون ذكرى رحيله في كل 25جوان من كل سنة وهم الذين تعودوا على الاحتفال سنويا بعيد ميلاده كل 24 من جانفي. في الحقيقة لا شيء يفرق بين تاريخ ميلاد ووفاة هذا الفنان الظاهرة الذي انتظرت عائلة الوناس قدومه الى الحياة على احر من الجمر ويقرر هو ان يهب حياته للنضال فكان لا يهاب الموت وكل يوم يدنو منها على شفا حفرة.

كان مجيء الوناس معطوب الى الحياة بمثابة ميلاد جديد للقضية الامازيغية والنضال من اجل الجزائر جزائرية حيث لا يعدو ميلاد ابن قرية ثوريرث نموسى باعالي اث دوالة عاديا. الوناس معطوب اعاد بعث النضال من اجل ثمازيغث واعطاها بعدا آخر بحسه المتمرد واحساس الشاعر والفنان وشراسة المناضل.

تمرد الوناس ومنذ نعومة اظافره على كل القيود التي كان يراها تكبل مجتمعه، شكك في كل الروايات التاريخية مما جعله عرضه للعديد من الهجمات التي قادها بعض المثقفين المزيفين الذين كانوا يرون في ذلك تعديا على قدسية اضفوها على تاريخ كتب زورا منذ الاستقلال برواية رسمية احادية النظرة. الوناس معطوب فهم منذ صغره ان الارض التي مشي عليها رويت بدماء المحاربين الامازيغ على مر الازمنة فورث عنهم التمرد والدفاع عن الارض، عشق الارض التي اكل منها كل طيب وروى عطشه من مياه انبثقت من بين ترائب ارض سقيت بدماء الشهداء.

حياة معطوب الوناس التي شكلت مفترق طرق بين العديد من المحطات الهامة في تاريخ الجزائر المعاصر، جعلت منه فنانا فريدا من نوعه، سابقا لزمانه، قارئا جيدا لمستقبل وطنه. خيانة امانة الشهداء غداة الاستقلال، ربيع افريل 1980 وما شهدته من احداث ماسوية بالواد اعيسي وحادثة منع عراب ثمازيغث مولود معمري من إلقاء محاضرة حول الشعر الامازيغي القديم، احداث اكتوبر 1988 والانتقال ” الصوري” الى التعددية وبروز التيار الاسلامي المتطرف بعدها … كانت كلها محطات سايرها وعاشها الفنان وتاثر بها ليشارك فيها بكل جوارحه بالنزول الى الميدان تارة وترجمة الوقائع الى اغان واشعار خلدت المرحلة وارخت لها تارة اخرى.

المرحلة الدامية التي عرفتها جزائر التسعينات لم تثن الوناس عن المضي في مشروعه النضالي، وفي وقت كانت آلة الموت تحصد فيه يوميا الاف الضحايا من الابرياء والمثقفين والفنانين، صدحت حنجرة الوناس معطوب عاليا ضد “اعذاون نتوذرث” اعداء الحياة الذين ارادوا تحويل الجزائر الى أفغانستان ثانية. تحدى صاحب الاشعار والاغاني الملتزمة صناع الموت فكان عرضه للاختطاف سنة 1994 جند اهالي منطقة القبائل قاطبة للبحث عنه فماكان الا ان يتم اطلاق سراحه بعد 15 يوما كاملة.

لم يبحث معطوب الوناس عن الشهرة فكان يخشاها لأنه كان انسانا حقيقيا يعيش ايامه كما يريدها هو، اغرم واحب ابنة قريته جميلة فكتب عنها اجمل الاشعار تزوجها لكنها رحلت عنه بعد حادثة اغتياله نهاية 1988 .الوناس حزن حزنا شديدا لفراقها لكنه احترم رغبتها فرثى حاله في أغنية بقيت عنوانا للعشق الابدي، رحلت جميلة وبقي قلب الوناس ينزف دما بكل قطرة تنزل شعرا.

الوناس من بين فنانين قلة من لم تكن له عقدة الغناء عن امور شخصية متعلقة بحياته فكانت طريقة ابتدعها للتعبير عن قلب مرهف وحساس ولكنه ايضا لا يخف شجاعة وقوة شخصية، متناقضات عاشت في الوناس وصنعت منه فنانا اسثنائيا كسب احترام الجميع في ميدان الفن لكن ايضا عداوة وقمع السلطة السياسية في البلد.

غنى الوناس لثمازيغث وعنها، عن الوطن والثورة، عن الارض والحياة، عن الحب والخيانة، عن الامل والالم ..انتقد السياسة فلم يسلم من لسانه السليط اكبر الزعماء التاريخيين، رثى الاغتيالات السياسية والتصفيات من كريم، عبان الى بوضياف، انتصر للقضايا العادلة، بقي الى آخر يوم في حياته وفيا لمبادئه ودفع ثمنا باهضا لاخطاء اقترفها واعترف بها فقط لأنه كان يمتلك قلب الطفل في براءته وقلب الاسد في شجاعة مثالية. الوناس معطوب ..أراد أن يرحل عن الحياة بين خلانه واقاربه فلم يعتد حياة الهاربين، دخل في يوم مشؤوم الى الجزائر وفي طريق صعوده الى مسقط راسه وبالضبط في ثالة بوعنان، أراد مغتالوه تكميم فمه الى الأبد فلم يظنوا يوما ان فقط جسد الوناس من ارتاح لان روحه لا تزال بين من عرف واحب واستمع الى الوناس.. اثنين وعشرين سنة بعد 25جوان 1998 لا تزال اجيال كاملة تردد ” اغورو” الخديعة او البهتان واغاني اخرى تركها الوناس معطوب شاهدة على بلد مخدوع في تاريخه في هويته ومستقبله.

اليوم، يقترن اسم الوناس بمفاهيم الثورة والنضال لترفع صوره في كل مرة يخرج فيها المناضلون من اجل الديمقراطية الى الشارع وكان الحراك الشعبي في السنة الماضية قد احتفل به على طريقته، ترفع شعاراته، تردد اغانيه، وتحمل صوره على الاكتاف لترعب من قتله بالامس القريب جدا.. الوناس معطوب عاش فنانا ملتزما، مناضلا وفيا، حاملا لهموم شعبه فكان له ما اراد.

 

 

مقالات ذات صلة

إغلاق