آراء وتحاليلرؤية

الجمعة 57 : “يا حراكيون برافو عليكم.. والجزائر تفتخر بكم” !

 

بقلم: كنزة خاطو

من الصعب أن تبدأ ثورة، تؤمن بها، تدافع عن أفكارها، تتبنّى مواقفها، وتصرّ على البقاء فيها وعدم الرّجوع حتى النّصر، ثمّ تجد نفسك بين ليلة وضحاها، مُخيّراً بين المواصلة أو المُجازفة بحياتك وحياة الآخرين.

لم يفكّر الحراكيون الميدانيون وحتى غير الميدانيين، من يتبنّى منهم أفكار ثورة فيفري، أبدا ومُطلَقاً في البقاء أيام الثلاثاء والجمعة في بيوتهم، دون أن يبحّوا أصواتهم في أرجاء المدن، رافعين مطالبهم وشعاراتهم الثورية، من أجل حياة أفضل، من أجل جزائر جديدة “حقيقية” وليست مجرّد شعار، من أجل جزائر المؤسسات، جزائر الحريات والقانون، جزائر الكرامة والعزّة.

تحدّى الحراك الشعبي السلمي، منذ ميلاده في 22 فيفري، كلّ أشكال الاستفزاز، العنف والقمع أحيانا، الإعتقالات، التخوين، محاولات التقسيم وتغدية العنصرية والجهوية، السجن، حرارة الطقس والأمطار، عطش الصيام، غلق منافذ العاصمة، البلطجية أيضا، وحتى أتفه من ذلك: الحروب الإلكترونية وما يُعرف بالذباب الإلكتروني.

لم يستسلم الحراكيون من الشعب لجميع محاولات وقف المسيرات والثورة الشعبية، الذين أقسموا وتعّهدوا بعدم مغادرة ميدان النضال، إلى أن يستجيب النظام لجميع المطالب الشرعية، طيلة 56 أسبوعاً بين مسيرة الجمعة، الثلاثاء، والسبت التصعيدي، ناهيك عن التجمّعات أمام المحاكم والبرلمان، والمسيرات المناسباتية آخرها مسيرة النساء وعودتهنّ إلى الشوارع يوم 8 مارس 2020.

إصرار الحراك على المواصلة وعدم الرجوع إلى الوراء، حتما، جاء نتيجةً حتمية لإيمان الشعب الجزائري بقضيّته كما فعل أسلافه من الثوار والمجاهدين، ثمّ وعيه الكبير الذي برهن عليه في أكثر من مناسبة، خلال مسيرة حافلة رقمها فاق الـ 100 مسيرة، شاركت فيها أغلب الولايات.

الجزائريون الذين آمنوا بفكرة التغيير، بوعيهم أبهروا العالم بأسره، هذا العالم الذي يعيش اليوم، مأساةً حقيقيةً، تسقط بسببها الأرواح، نتيجة انتشار فيروس قاتلٍ، أُطلق عليه فيروس “كوفيد-19” كورونا السريع، سريع لدرجة أنّ الحراك الشعبي الجزائري، لم يصدّق كيف ومتى انتشر بهذه السرعة في الجزائر، وكيف صار بين ليلة وضحاها، مُجبراً أوّلا على التفكير في تعليق المسيرات، ثمّ أن يؤمنَ “للأسف” بضرورة توقيفها “مُؤقّتا”.

أطلق “الحراك الفايسبوكي” منذ أسبوع، دعواتٍ لتعليق الحراك، ونشر فاعلون في الثورة عديد المنشورات تدعو إلى توقيف المسيرات “مؤقّتا”، منهم من خلال صور تحسيسية، وآخرون من خلال فيديوهات، والطلبة في الميدان، والصحافيون الذين اعتادوا على تغطية الحراك من خلال مقالات توعوية، حتى تنسيقيات المحامين، المجتمع المدني، الأحزاب والشخصيات السياسية التي بقيت في الحراك، الجالية بالمهجر ومئات النشطاء والفاعلين في الحراك، كلّهم كانوا بصوتٍ واحد: “الحراك فكرة والفكرة لا تموت، كلّنا ضدّ انتشار وباء كورونا”.

دقّت اليوم الجمعة 20 مارس 2020، الساعة الثانية بعد الزوال، ساعة اعتاد الحراك أن يردّد فيها أوّل شعاراته “دولة مدنية ماشي عسكرية”، لكنّ الحراك اليوم انتصر مرّة أخرى، وترك الشوارع خالية على عروشها، وُفّق الحراك الشعبي السلمي التاريخي على تعليق المسيرة، وعياً منه بأنّ الخطر موجود، والحلّ في التزام البيوت إلى غاية نهاية كابوس “كورونا”، نهاية الكابوس ستكون العودة إلى مسار تحقيق حلم “الجزائر الجديدة”.

الحراك الشعبي وثورة الإبتسامة، إذن اليوم، حقّقت انتصاراً جديدا، بفضل الوعي الكبير الذي تحلّى ولا يزال يتحلّى به، وايمانه القويّ بأنّ الحراك ليس مجرّد مسيرات فحسب، بل نضال من أجل الحياة.

“يا حراكيون برافو عليكم.. والجزائر تفتخر بكم” !

مقالات ذات صلة

إغلاق