آراء وتحاليل

عبد الحميد مهري، من خدام النظام إلى التمرد عليه/ الدرس الثمين .. بقلم احميدة العياشي

بقلم احميدة العياشي

لا بوتفليقة ولا الصالح استوعبا الدرس..لماذا؟!

توفي عبد الحميد مهري في 30جانفي من العام 2012..
قبل الرحيل راسل بوتفليقة ونادى إلى توافق سياسي مبني على الحوار الشفاف والعودة إلى الابجدية الديموقراطية من أجل انقاذ الوطنية من الابتذال على يد حكم محسوب تاريخه على الارث الثوري والانساني للوطنية التاريخية،وحذر من لحظة النزول إلى الجحيم دون ذكر هذه الكلمة بالضبط لكن رسالته لم تلق صدى من طرف اصحاب القرار ،لا من العسكر ولا من الرئاسة ..
في تلك الفترة التقيت بعد الحميد مهري وعرضت عليه لقاء مع الصحافة بمناسبة النشاطات الفكرية والثقافية التي كنت اديرها في فضاء الف نيوز ونيوز ولبى الدعوة بفرح وكان لحضوره صدى كبيرا في اوساط النخبة الثقافية والاعلامية ،وكان الرجل من خلال تلك الندوة الاخيرة التي نشطها في حياته يريد أن يجعل منا شهداء أمام التاريخ الذي لم يرد آن يلتفت إليه آحد من صناع القرار لأنه في نظرهم غير مجد لهم في عملية اصرارهم على صناعة استراتيجية غايتها الاحتفاظ بالحكم مدى الحياة..
ما يجعلني أتذكر اليوم هذه الشخصية التي سجلت تميزها في تاريخ الجزائر السياسي المعاصر هو شيئ يرتبط بحاضرنا ومستقبلنا قبل ارتباطه بالماضي ويرتبط بالمعنى أكثر من ارتباطه بتمجيد الاشخاص الذين لم يعودوا أحياء بيننا
حالة مهري تطرح علينا قراءة آخرى لرجال النظام الذين عرفوا كيف يصنعون نهاية فردية لمسارهم تتوافق وشرف الذاكرة بدل ان تفقدهم شراهة الحكم حكمتهم وتسرق منهم شرف النهاية التي تنتظر كل واحد منا عندما يجف قلم حياته ويشرف كتابه على الانطواء

***من خدمة نظام الحزب الواحد إلى معاداة الأحادية

انحدر مهري من تيار المركزية وهو تيار اصاحي غير ثوري وراديكالي ،تقلد مناصب داخل الحكومة المؤقتة وكان من ايديولوجيي العروبة الاسلامية في ظل نظام الحزب الواحد والتي كانت ضحيتها الامازيغية والتعددية الثقافية،تقلد مناصب وزارية ليصبح في الثمانينيات سفير جزائر الشاذلي بن جديد في فرنسا ميتران،ولعب دورا مهما في التقارب الجزائري الفرنسي خلال فترة تمثيله الدبلوماسي للجزائر بفرنسا،ايتنجد به الشاذلي بعد انتفاضة اكتوبر 88 ليعيد للافالان القه في ظل الظروف الجديدة ليجد نفسه يقود الافالان وهو منقسم على نفسه،
يتحمل مهري عبد الحميد مسؤولية المناورة التي كان يحبك خيوطها النظام في الفترة التالية لانتفاضة اكتوبر وذلك من اجل ترويض الديموقراطية لتكون في النهاية في خدمته تحت رداء جديد وقد ادت مثل هذه المناورات إلى مواجهة حقيقية بين الشعوبوية الافلة وهي الشعبوية الوطنية والشعبوية الصاعدة وهي الشعبوية الاسلاموية ،ما انجرت عنه حرب اهلية يتجنب الجزائريون تسميتها كذلك لما تثيره هذه التسمية من الام لكن من مسؤوليات،وكانت النتيجة المفيدة لهذه الحرب ان كان للحرب من نتائج مفيدة، أن فتحت عيون مهري على التناقضات الداخلية للنظام الذي كان يمثله ويدافع عنه ،فقام بنقده من الداخل وذلك الامر لم يكن هينا مما جعل من ممثلي النظام الجدد أن يصبوا عليه اشنع اللعنات إلى زرجة وصمه في التلفزيون الجزائري وفي الخطاب السياسي الذي دعمه الجنرالات بالخيانة،لقد تحول عبد الحميد مهري بانتقاله الى معارضة التوجهات الحربية للنظام من خادم للنظام الاحادي إلى معاد للاحادية التي اصبحت معادية ليس فقط للديموقراطية بل للوطن والوطنية وهذا ما استوعبه عبد الحميد مهري ولم يستوعبه الجنرالات في تلك الفترة ومن جاء بعدهم على رأس الحكم في الجزائر

****لماذا لا بوتفليقة ولا الصالح استوعبا درس مهري؟!

كان من المنتظر من بوتفليقة الثاني العائد بعد طول منفى إلى الجزائر ان يجعل من المصالحة سنتيز synthese حقيقي ومثمر ينقل به الجزائر من بقايا الاحادية إلى تعددية هادئة وسلمية تفتح الطريق نحو ميلاد جمهورية ثانية، تجمع بين الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي،وهذا ما كان يدعو اليه درس مهري ورفاقه من جيل نوفمبر (ايت احمد،يوسف بن خدة،بورقعة …)
لكن تكون جاذبية المجد الفردي قد أضلت بوتفليقة والعسكر عن الطريق الصحيح،لتقذف بهم الى بحر مظلم ،مضطرب الامواج ..
لم يتمكن لا بوتفليقة ولا الصالح من استلهام درس مهري ،وهذا مايجعل الجزائر اليوم في فم الغول ،،وبالتالي نكون قد ضربنا بكل التضحيات في الماضي البعيد والقريب عرض الحائط ،#_الجزائر لا تستحق ذلك..

احميدة العياشي

مقالات ذات صلة

إغلاق