الأرشيفثقافات

مذكرات خالد نزار:بن بلة حاول إنشاء وحدات عسكرية موازية بمساندة مصرية

تناول خالد نزار في آخر إصدار له عن دار شهاب مذكرات جنرال خالد نزار مساري العسكري الجزء الأول-  أهم المحطات التاريخية في مساره الشخصي ثم المهني .

سأتناول في هذه القراءة الفصل الثالث من الكتاب, فقد إحتوى على مرحلة ما بعد الاستقلال أو قبيل الاستقلال بداية بأزمة صيف62 ،الإنقلاب العسكري ، إعدام الكولونال شعباني و محاولة الاطاحة بهواري بومدين من طرف طاهر زبيري .

أزمة صيف 1962

يقدم الكاتب شهادة و قراءة لتلك الأحداث التي عرفت إنقسامات، بين جماعة تلمسان و جماعة تيزي وزو  “فمن خلال تواجدنا في وحدات جيش الحدود المتواجدة ،على التراب التونسي آنذاك . لحظنا الاحباط لدى الجنود جراء الصراع و مخاوف الوحدات من إحتمال الاقتتال مع مجاهدي الداخل” .

الصراع بين الحكومة المؤقتة و قيادة الأركان

البداية حسب الكتاب كانت ،من سوء التقدير أو عدم تطابق وجهات النظر، حول بعض نقاط اتفاقيات ايفيان، منها ملف تكوين وحدات شبه عسكرية، متكونة من جزائريين .تأطر من  طرف ضباط فرنسيين بتعداد حوالي 40000 لتسيير المرحلة الانتقالية .

الملف الآخر محل الصراع و التصادم هو أسبقية السياسي على العسكري ، لم يستوعب قائد الاركان هواري بومدين هذا التصور الذي كان وسيلة و حجة إستعملت من أطراف، قصد إقصاء المكون العسكري من عملية البناء الوطني.حسب نزار.

يعطي الجنرال خالد نزار قراءة لأسباب تحول عناصر القوة لصالح قيادة الأركان على حساب الحكومة المؤقتة ،و خاصة الباءات الثلاث (كريم بلقاسم،بن طوبال،بوصوف) التي تغلبت أولا حسابتهم الشخصية السياسية على حساب المصلحة العامة حسبه .

بالإضافة إلى  الارهاق الذي حصل لإفراد هيئه التنسيق و التنفيذ خلال تسيير مرحلة الثورة، خاصة التجاوزات الخطيرة المرتكبة في حق أعضاء مجلس الثورة بالأوراس . و اغتيال عبان رمضان . كلها عوامل ساهمت في  إضعاف الثلاثي القوي سابقا. لينتهى الصراع لصالح قيادة الأركان، بفعل تحالفات مع بعض الولايات التاريخية و إحتواء الرجل التاريخي في شخصية أحمد بن بلة .

يروي خالد نزار مراحل تنقله مع وحدات الجيش من تونس إلى الطارف ثم إلى قسنطينة بعدها إلى بوسعادة ،المقر الرئيسي لقائد الاركان هواري بومدين الذي أعطى أوامر بالسير نحو العاصمة مع الحرس على تجنب الاشتباك مع مجاهدي الولاية 3و 4 .

تفادي الاقتتال ساهمت فيه تدخلات طاهر زبيري و يوسف الخطيب رغم ذالك سقط عدد من القتلى .

الاجتياح المغربي لأراضي الجزائرية و صرخة الرئيس بن بلة حقرونا أحال دون تمرد قائد الولاية الثالثة محند ولد الحاج  الذي فضل تغليب المصحلة العامة.

شعباني

 يذكر  خالد نزار  بأنه كان  متواجد بموسكو  سنة 1964 ،حين إندلع الصراع بين قيادة الأركان-بن بلة مع شعباني , شعباني حسب الكاتب كان شاب دون تجربة تاريخية تسمح له برؤية عميقة و موضوعية في تحليل الأحداث المعقدة. الرجل لم يكن يمتلك القدرة  حسب نزار على اقامة روابط و تحالفات ،و كان بعيد عن التجاذبات السياسية بين العناصر الثورية. أين قواعد التحالف و موازين القوى كانت دائما زئبقية و تتم الترتيبات على حساب الأخرين و لو كانوا مقربين.

وحسب نزار فوزارة الدفاع الوطني كانت أقصى طموحات شعباني و لم تكن له تحالفات تجنبه الاعدام ،في حالة محاكمته .رغم تدخل طاهر زبيري و بعض قادة النواحي العسكرية لدى بن بلة، الذي أصر على تطبيق الحكم ،في رسالة واضحة من رئيس الدولة آنذاك لكل من يتجرأ على خرق الصف أو التمرد .

انقلاب 19 جوان 1965 الصراع بين أحمد بن بلة و هواري بومدين أولا هو صراع مزاجي ،بين شخصيتين مختلفتين تماما ،  الأول اندفاعي ،عاطفي ، شعبوي عفوي ،في حين الآخر أكثر حكمة و أقل تهورا ، يستمع أكثر مما يتكلم ،يخطو خطواته بدقة و دراسة .هذ الاختلاف إنعكس في سلوك كل واحد في طريقة تسيير الدولة.

بن بلة لم يستوعب كيفية بناء الدول إعتمد على خليط ايديولوجي اسلامي-سوفياتي-جزائري-اشتراكي، يرتكب الأخطاء و يعتمد تكرارها , القبضة الامنية و البوليسية و التسيير المزاجي , حاول انشاء وحدات عسكرية موازية للجيش الشعبي الوطني باعانة مصرية و مساعدة صينية في حين  يعاب على  بومدين الاعتماد على ضباط فارين من الجيش الفرنسي في إعادة هيكلة الجيش حينها.ليقرر بومدين الفصل نهائيا مع بن بلة،وكانت كلمة  “العصفور في القفص” هي الاشارة الي تلقاها الضابط نزار  عند نهاية الاطاحة ببن بلة.فيما بات يعرف بالتصحيح الثوري.

طاهر زبيري و محاولة الانقلاب على حكم هواري بومدين

كان طاهر زبيري حينها قائد للأركان في فندق الجزائر شارع روزفلت. كان هذا الأخير لا يتوانى في انتقاد وزير الدفاع ، أمام الضباط الكبار و الصغار .محاولة طاهر زبيري هي في الحقيقة تعبر عن نقص تام في الذكاء و الافلاس في الخبرة العسكرية. فكيف يعقل كما يقول  نزار السير بدبابات عسكرية حوالي 200 كلم دون حمالات دبابات ؟ وكذا الإعتماد على ضباط الصف في عملية انقلابية ؟؟ فبعد الطلقات النارية الأولى ترك جنود طاهر الزبيري الدبابات ،و السيارات وهربوا .

كان أسد الأوراس محبوبا لدى جميع الضباط وقادة النواحي العسكرية نظرا لتاريخيه الثوري، لكن سلوكه ونمط تفكيره لم يعد يتماشى مع التصور العصري الذي أراده بومدين، في تأسيس الجيش. و هكذا بعد فشل محاولة الإنقلاب أصبح بومدين هو الآمر و الناهي.

الملف الصحراوي و الصراع مع المغرب

 يعطي خالد نزار في هذ الفصل رؤيته من زاويا عسكرية لصراع شكل ثقل على المؤسسة العسكرية ،تضامنت فيه المؤسسة العسكرية مع الطرف السياسي .يقول نزار بأن التفوق المغربي في مرحلته الأولى كان النقطة الايجابية في إسراع تحول الجيش من إطاره التقليدي، إلى إطاره العسكري .

يروي خالد نزار  كيف كان مجاهد   يقابل دبابة مغربية بسلاح فردي،وهي صورة تعكس الذهنية التي أراد بومدين التخلص منها، اذ أراد بناء جيش عصري وقوي. الأمر لم يكن  سهلا طبعا، في محيط عدائي ،بالإضافة إلى الحساسيات التاريخية التي أعاقت عصرنة الجيش . أقدم بومدين على تركيز على طاقم شبابي متكون، ليس له حساسيات تاريخية و لا جهوية لتتشكل أول مديريات الطيران و البحرية و المشاة بتركيبة بشرية جديدة و بعثات عسكرية الى الخارج قصد التكوين و التعليم .

يقول خالد نزار أنه التقى بطالب الابراهيمي وزير الخارجية آنذاك الذي قال له : لقد استطعنا إقناع حوالي 60 بلد لدعم القضية الصحراوية و سيكون على عاتقكم أنتم العساكر دعم الصحراوي عسكريا . يتسأل حينها نزار عن جدوى هذ الدعم في غياب دعم القوى الكبرى في المسائل الإقليمية و الدولية؟وما هي النظرة السياسية المستقبلية لهذ الصراع؟ . في الحقيقة يقول نزار أن النظام السياسي لم تكن له رؤية واضحة عن كيفية  إدارة الصراع،متسائلا بعد 40سنة عن الحصيلة  الحقيقية لهذا الصراع طويل الأمد.

يجد القارئ في الكتاب أيضا محطات و شهادات أخرى عن مساره العسكري و تجاربه المهنية و الحربية و بعض انجازاته خلال تقلده مناصب سامية.

لشموط عمار

مقالات ذات صلة

إغلاق