آراء وتحاليلاقتصاد ومؤسسات

أخيرا..التجارة الإلكترونية تدخل الجزائر

بعد انتظار طويل قررت الجزائر الدخول في العالم الجديد بقبولها تبني التجارة الالكترونية. فرغم مطالب المجتمع تجار ومستهلكين، خاصة الذين يتعاملون كثيرا مع الخارج في المعاملات التجارية، تأخرنا في الانتقال الى عالم العقود الالكترونية
سنحاول من خلال هذا المقال، شرح ما هيتها، مزاياها ومخارطها، والاثار التي سترتبها على معاشنا
التجارة الالكترونية
هي نفس المعاملات التجارية الكلاسيكية، الا انها تتم باستعمال الوسائل الالكترونية
كما ان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تعرفها على انها “عملية بيع او شراء سلع أو خدمات من قبل مؤسسة أو شخص طبيعي، إدارة أو كل كيان عام أو خاص ويتم ذلك عبر الشبكة الالكترونية.
يمكن أن تطبق التجارة الالكترونية في العلاقات بين شركة وشركة، بين شركة ومستهلك، بين مستهلك ومستهلك، بين شركة وحكومة، وبين شركة وإدارة.
ماذا يعني العقد الالكتروني بالمفهوم القانوني
ان العقد عموما يعني تلاقي ارادتين أو أكثر بهدف احداث أثر قانوني معين. كما انه يمكن الاتفاق على البنود التي يشاؤونها المتعاقدون الا ما يخالف القانون والمبادئ العامة مثل متاجرة المخدرات مثلا. وذلك وفق مبدا العقد شريعة المتعاقدين.
أشكال العقد ثلاث
ـ يمكن أن يكون العقد رضائي: وهو العقد الذي ينعقد بمجرد توافق ارادتي الطرفين.
ـ يمكن أن يكون العقد شكليا: وهو العقد الذي زيادة عن الرضا ما بين الطرفين، يشترط لإثباته ان يتم وفق شكل معين وذلك مثل بيع عقار الذي يجب أن يكون عقدا موثقا.
ـ كما يمكن ان يكون العقد عينيا: وهو العقد الذي يشترط لقيامه، تسليم الشيء المتعاقد عليه.

اما فيما يتعلق بالعقد الالكتروني، فهو لا يخرج عن نطاق مفهوم العقد الكلاسيكي، ويخضع لنفس المبادئ و الاشكال، الا انه يتم عبر الشبكة الالكترونية.
لكن الى حد الآن، لم يتم تنظيمه بنصوص قانونية في الجزائر، ونحن في انتظار الاطلاع على قانون التجارة الالكترونية الذي صادق عليه المجلس الوزاري في 04 أكتوبر 2017 وهو في طور المناقشة على مستوى البرلمان حاليا.
وضع التجارة الالكترونية في الجزائر
التجارة الالكترونية انتشرت عبر العالم في التسعينــات، وذلك مع بداية تعميم استعمال الانترنت. حاليا عي منتشرة في معظم الدول، الا ان الجزائر بقيت متأخرة جدا في هذا المجال. فإلى حد الآن ما زلنا ننتظر أن يضبط المشرع الجزائري قواعد هذه التجارة قانونا
وبسبب هذا التأخر التشريعي يجد القانونيون أنفسهم أمام فراغ قانوني يلزمهم بالرجوع الى أحكام القواعد العامة للعقد.
بالتالي يبقى المرجع الوحيد للقانونيين هو القانون المدني والقانون التجاري.
هذا التأخر يتسبب في عرقلة التجارة الجزائرية ويمنع الجزائر من جني كمية هائلة من الأموال
فلا مفر من استعمال الانترنت اليوم من أجل تسويق المنتوجات في المواقع وتحسينها لتلبية حاجيات السوق باستعمال تقنيات ووسائل التحليل الاستراتيجي.
وكمثال عن هذه الوسائل، “نظرية اللعبة” (1). وهي طريقة تحليل رياضياتي تسمح بالوصول الى أفضل الخيارات لأخذ قرار استراتيجي للتموقع في السوق. هذا من بين الأدلة التي تبين أن التفتح على التجارة الالكترونية أصبح ضرورة لا مفر منها، والا سنجد أنفسنا مهمشين كليا من الاقتصاد العالمي أكثر مما نحن عليه الآن.
التجارة الالكترونية هي عملية تجارية مربحة جدا ولكن هي سلاح ذو وجهين، كونها خطيرة جدا في حالة عدم توفر نصوص قانونية تحمي كلا من التاجر والمستهلك، وآليات تسمح بالرقابة من أجل ضمان هذه الحمــاية.
فعدم مراقبة هذه التجارة هو الذي أدى الى ضهور تعسفات واحتيالات من طرف شركات في بعض الأحيان وهمية، أو أشخاص ينتحلون صفة تجار يضغطون بوسائل تعسفية على المستهلك الذي يجد نفسه في ورطة تفقده في بعض الأحيان كل أمواله.
في هذا السياق أعلنت وزيرة الاتصال السيدة هدى ايمان فرعون أن مشروع قانون التجارة الالكترونية المصادق عليه من طرف مجلس الوزراء بتاريخ 04 أكتوبر 2017 سيدخل حيز التنفيذ مباشرة بعد المصادقة عليه من البرلمان. كما أكدت أن التأطير التشريعي يجب أن يضمن حماية كل من التاجر والمستهلك وبالتالي أن ينظم حقوق وواجبات كل منهما.
فما هي هذه الحمـــاية القانونية للتجارة الالكترونية
المسؤولية المدنية للتجارة الالكترونية
تقوم المسؤولية الالكترونية عند اخلال فرد بالتزاماته تجاه الغير الناشئة بموجب عقد أو قانون. فالأولى تنشأ عنها مسؤولية عقدية والثانية تنشأ عنها مسؤولية تقصيرية. والذي يهمنا في إطار العقود الالكترونية هو مناقشة المسؤولية العقدية.
يشترط لقيام المسؤولية العقدية اخلال المتعاقد بالتزاماته المتفق عليها في العقد تجاه المتعاقد الآخر. ومن بين الالتزامات التي تقع على المتعاقدين، هي مطابقة السلع أو الخدمات للمواصفات.
على من يعرض سلعته أو خدمته أن يعرف حاجيات زبونه واعلامه بخصوصيات، مزايا وعيوب المبيع ومدى قدرته على تلبية حاجته.
فمن الصعب حصر حاجيات الزبون في التجارة الالكترونية، كون أنه لا توجد علاقة فيزيائية مباشرة ما بين البائع والمشتري. لذى فقلى البائع أن يسهل عملية الشراء للزبون، وأن يمكنه من ارجاع المبيع في حالة عدم تطابقه مع المواصفات التي تلائمه، ويجب تنظيم ذلك بصفة أدق من الحالات المنصوص عليها في القواعد العامة.
اما بالنسبة للمستهلك، التزامه هو تسديد الثمن المطلوب. ففي التجارة الالكترونية تسديد الثمن يتم عن طريق الدفع الالكتروني، أي بالبطاقة البنكية أو عن طريق النقود الالكترونية

كذلك بالنسبة لهذا الموضوع، على المشرع ان يضع نصوص تحمي المتعاملين بالعقود الالكترونية من خلال عقوبات لردع ظاهرة القرصنة من جهة، وانشاء هيئات للرقابة على احترام هذه النصوص من جهة أخرى.
من بين الإشكاليات التي يجب أن يتطرق لتنظيمها المشرع، هي تحديد هوية المتعاملين بالتجارة الالكترونية. فمن أجل حماية المتعاملين يجب تحديد هوية الشخص الذي نتعامل معه كي لا يقعون ضحية احتيالات يصعب اثباتها في حالة تعرضهم لضرر. وهذا الذي يؤدي بنا لنتكلم عن موضوع الحمـــاية الجنائية.
الحمــاية الجنائية للتجارة الالكترونية
استعمــال المراسلات الإلكترونية انتشر بسرعة هائلة، وصعوبة تحديد هوية المتعاملين بالإنترنت وراء الشاشة، فتح المجال للعديد من الجرائم على المواقع الالكترونية مثل تشويه المواقع وتدميرها من طرف القراصنة، استعمــال هوية وهمية أو مخفية في المعاملات التجارية وما الى ذلك من الوسائل الاحتيالية التي يتعرض لها المستهلك.
ونظرا الى كل هذه الظواهر الخطيرة على المستهلك، لابد على المشرع ان ينص بالتدقيق على الجرائم الالكترونية والعقوبات المقررة لها، خاصة و أن الوزيرة السيدة هدى ايمان فرعون أعلنت بأن المجال سيفتح لكل ما يباع ويشترى ويقدم من خدمة، ما عدا المشروباة الكحولية وما يخل بالنظام العام والآدب العامة.
بالتالي يجب أن تكون هنـــاك ترسانة قانونية دقيقة ومفصلة تسمح بحماية كل من التاجر والمستهلك.
ضرورة تطوير قطاعـات لمواكبة احتياجات التجارة الالكترونية
ان التأخر التعامل بالتجارة الالكترونية في الجزائر لا يرجع سببه الى الفراغ القانوني فقط، وانمــا الى تأخرنا في شتى القطـاعات التي لابد من تطويرهــا ورقمنتها بالموازاة مع التجارة الالكترونية.

ـ أول قطاع يجب تطويره هو الإدارة التي تعتبر أكبر عائق للاقتصاد الجزائري. فلابد من تخفيف البيروقراطية والانتقال الى رقمنة الجهاز الإداري بأجهزة معلوماتية حديثة. فالإدارة مرتبطة بالخدمة العمومية، بالتالي يجب أن تتميز بالسرعة من أجل تخفيض التكاليف من جهة وفتح المجال للمتعاملين الاقتصاديين من جهة أخرى.
ـ تجسيد حماية المنظومة الالكترونية على أرض الواقع من خلال تجنيد هياكل الرقابة وتطويرها. ان التطور الالكتروني في العالم يتطلب تتبع مستمر من أجل مواكبته. فبالموازاة، ظاهرة القرصنة تتطور من جهتها، ويجب الحرص على تطوير آليات حماية المنظومة الالكترونية.
ـ تطوير تكنولوجيات الاتصال: أحداث الباكالوريا التي أدت الى توقيف تغطية الانترنت عبر التراب الوطني أبسط دليل على تأخرنا في هذا المجال. علينا أن نفهم أن تطور الاقتصاد لديه صلة وطيدة بتغطية الانترنت كون كل المعاملات التجارية تقريبا تتم بالدفع الالكتروني.
ـ لابد من تطوير المنظومة البنكية وتعميم الدفع الالكتروني الذي يجب أن يبدأ من الإدارات والمؤسسات العمومية.
فالبنوك الى يومنا هذا مازالت في الجزائر مجرد مخازن للأموال التي تمثل ملايير التي لابد من استثمارها من خلال فتح المجال للبنوك في ابتكار الخدمات حسب طلبات واحتياجات الزبائن.
أما بالنسبة للدفع الالكتروني، فلن نتخلص من تخوف المتعاملين من اللجوء اليه الا بتطوير حماية المنظومة الالكترونية والمنظومة البنكية وتعميم استعماله في كل الإدارات عبر التراب الوطني. وعندما سيرى المواطن السهولة والسرعة التي تمنحه ذلك، سيتبناها بطريقة طبيعية وسريعة جدا.
من جهة أخرى: لمـــاذا لا نفكر في تخفيض الجباية المفروضة على المعاملات التجارية الالكترونية؟
يمكن أن يكون ذلك وسيلة تحفيزية للتعامل بها. فإذا فرضت مثلا ضريبة على القيمة المضافة أقل بالدفع الالكتروني، لا شك من أنه سيتوجه نحو ذلك.

ان كل هذا العمل يجب أن يكون بإشراك جميع الأطراف، من السلطـــات والمتعاملين الاقتصادين الى المجتمع المدني عموما.
وأفضل طريقة للوصول الى ذلك، هو التعامل مع كل الكفاءات من التقنيين والقانونيين والجمعيات بما فيها جمعية المنظمة الوطنية الجزائرية لحماية وارشاد المستهلك ومحيطه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): الدكتور فارس مسدور
الأستاذ حاج بكوش حبيب مروان
ناشط حقوقي، عضو في المنظمة الجزائرية لحماية وارشاد المستهلك ومحيطه
hadjbekkouche.merouane@gmail.com / +213 550 10 89 42

 

 

مقالات ذات صلة

إغلاق