آراء وتحاليلالأرشيفوطني

تقديم كتاب “الأمير عبد القادر: رسول الأُخوّة” لشريف مصطفى

هل نحن في حاجة إلى إعادة قراءة تاريخ و شخصية الأمير عبد القادر العالمية؟

نعم نحن في أمس الحاجة إلى اعادة صياغة تاريخه الإنساني في كل أبعاده الروحية ، السياسية، الدينية و المقاوماتية . في عالم صراعاتي ، اختلطت فيه المفاهيم وفقدت الانسانية معالمها ، عالم تعالت فيه أصوات التطرّف والظلامية و الاستبداد السياسي ، أمام غياب نماذج من التاريخ شكلت أعمدة في التسامح و منارات في التعايش و رموزا في قبول الأخر.

في  هذا  السياق بالذات يحاول شريف مصطفى في آخر إصدار له عن دار القصبة ” “الأمير عبد القادر: رسول الأُخوّة” تناول شخصية الامير الروحية الصوفية الشاعرية والمقاوم الإنساني ورجل السلام  والحرب.

في رحاب سلالة الاشراف  يتعلم عبد القادر بن محيء الدين ، القرآن و السنة وسائر العلوم الدينية ،لم يتوقف  الشاب عند حدود المعرفة القطرية المحلية بل ساعدته بعض السفريات بالإحتكاك بالطريقة القادرية ، و الطريقة النقشبندية لصاحبه بهاء الدين النقشبندي في وسط أسيا و المدرسة الشاذلية  كما حفظ دواوين جلال الدين الرومي و حكم العطاء الأسكندري وغيرها  من الكتب والمحطات التي ساهمت في إستكمال التكوين المتنوع والمختلف لشخصية الأمير الذي استطاع  الجمع بين الملل و النحل  ما إنعكس على شخصيته  التي صارت أكثر انفتاحا على الآخر  كما تجاوز الأمير الفكر الاحادي .

ينتقل بِنَا بعدها شريف مصطفى في طيات كتابه إلى مراحل المقاومة و آليات الصمود أمام الماكنة العسكرية الفرنسية ، كيف إستطاع الأمير تنظيم المقاومة و التفوق في العديد من المعارك . أدرك الأمير أن مقاومة المحتل لابد من أن تتعدى طابع العشائري والقبائلي  حيث سعى إلى توحيد الزوايا و الطرق الدينية ومختلف المرجعيات ، كما  عمل على تأسيس دولة حديثة مقوماتها؛ جيش تنظيمي موحد مرتب ومصنف،إستحداث أختام الدولة و العملة النقدية ،التشريع السياسي و الاجتماعي و التنظيم الاقتصادي بالإضافة إلى تحديد الجغرافيا السكانية وإقرار ظروف السلام و الحرب بالموازاة مع إعداد صناعة شبه عسكرية في المدية و مليانة .

ولتسيير محكم  لدولته  قام الأمير عبد القادر بتعيين خلفاء في كل ربوع المساحات الخاضعة له.  وبعد ١٥ سنة من الحرب والسلام ونتيجة لحرب الإبادة التي إنتهجها الاستعمار الفرنسي على الأرياف و تفكيك مختلف الوحدات القتالية للأمير بتواطىء بعض العشائر و توقف الإمدادات من المغرب. إختار  المحارب المنفى على مواصلة الكفاح، كانت تلك  الفترة من أصعب المراحل في حياة الأمير . و قد عمل الجنرلات فرنسا على مخالفة الإتفاق الذي يحتوي إقامته في بلد إسلامي أو عربي إلى غاية أن قرر لويس بونابرت في ١٨٦٢ ترحيله الى تركيا ثم دمشق التي إستقر فيها أين قام  بالتدريس في المسجد الأموي.

المسيحيون  في حماية  الأمير

شهدت  الساحة الدمشقية  إحتقان ديني بين المسلمين و المسيحين حيث إجتمع أهالي المسلمين على مطاردة الأقلية المسيحية، الشيء الذي دفع الأمير إلى التجند و جماعته في حماية هؤلاء المسيحين من الأطفال و النساء و الشيوخ ؛وهذا بتقديم  الحجة على عدم شرعية الاعتداء و توضيح مدى فيه مخالفة لتعاليم ديننا الحنيف.

شكل  الأمير المتسامح حدّا فاصل بين المسلمين والمسيحيين و هذ لمدة ١٠ايام ، ولقد أظهر المؤلف في هذ الفصل  الجوانب الانسانية في شخصية  عبد القادر  ، الذي تبنى مفاهيم حديثة كحقوق الانسان ، حقوق الأقليات ، المواطنة ، العدالة الاجتماعية  ضمن قراءته الحديثة  للنصوص الدينية حيث لا تعارض بين التعاليم الدينية و تللك المفاهيم العصرية.

كانت حياة الامير عبد الاقدر مسرحا لأحداث تاريخية ولحظات مفصلية حيث عمل  على تجاوز مفهوم القبيلة في تكوين تنظيم إجتماعي قادر على إسترجاع حقه ، وهذا بجمع  القبائل تحت راية واحدة ، اقامة أسس التكوين الوطني عبر التوافق والاستشارة و العدل ، عين سفراء له و إستقبل البعثات ،و إحترم كل المواثيق والمعاهدات مع المستعمر. أسس الأمير أيضا نواة الحوار بين الحضارات و الأديان، إنسانية الرجل و ثقافته المتعددة جعلته يكون في صدارة فتح الحوار بين مختلف الأطياف .

في الخاتمة يتحدث مصطفى شريف عن الأمير عبد القادر كمحور الاعتدال و الوسطية في التاريخ الجزائري و رابطة بين الشرق و الغرب أو الحضارة الاسلامية و الحضارة الغربية التي لا مناص من التعايش  معها.

لشموت عمار

مقالات ذات صلة

إغلاق