ثقافات
“أعيش بجنسيتين..وهذه قصتي”/القصة الثانية
أن تمتلك جنسيتين هذا بلا شك يحمل في طياته من الإيجابيات و السلبيات، ما لا يمكن أن يدركه تماما إلا من عاش هذا الواقع، فامتلاكك مثلا للجنسية السورية و الجزائرية في آن واحد يعني بلا شك امتلاكك لجوازي سفر ما يمنحك إلى حد ما فرصة أكبر للتنقل رغم تواضع الجوازين عالميا، أن تعايش شعبين بثقافتين و عادات و تقاليد مختلفة أيضا لربما يمنحك خبرة و نظرة أوسع للحياة، ذلك الاختلاف نفسه قد يحمل في جوانبه شيئا من السلبية إن لم تستطع التأقلم في أحد المجتمعين أو عندما تتصرف وفق بروتوكولات أحد المجتمعين في المجتمع الآخر بعفوية و دون سابق تفكير هذا ما قد يسبب لك في يعض الأحيان مواقف محرجة أو سوء فهم من قبل الآخرين .
على المستوى الشخصي لم أواجه الى حد كبير صعوبة في الانصهار في كلا المجتمعين فقد نشأت في منزل من أب سوري و أم جزائرية على عادات من هنا و عادات من هناك ، وزوايا نظر مختلفة نوعا ما، كبرت على حب البلدين و الانتماء لهما معا حتى أصبحا بالنسبة لي و كأنهما مدينتين في بلد واحد من حسن حظي أن العلاقة بين الشعبين الجزائري و السوري طيبة وودية إلى حد كبير و هذا ما ساعدني أكثر على التأقلم مع واقعي. كنت ألقى في سوريا إطراءا و ترحيبا عندما يعلمون أني نصف جزائري ، معبرين عن رغبتهم بالتعرف أكثر على ذلك البلد الذي يعلمون عن شعبه أنه يمتلك الكثير من الشهامة و الكرامة حيث كانوا قد درسوا في كتب التاريخ عن الثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي، كانوا يعلمون أيضا أن الشعب الجزائري يبادلهم مشاعر الصداقة وقد لمس ذلك الكثير من التجار السوريين الذين كانت لهم تعاملات مع تجار جزائريين على سبيل المثال لا الحصر، و في المقابل كانوا يعبرون عن خيبة ظنهم كون الجزائر لا تلقى تمثيلا حقيقا و كافيا في الإعلام العربي ما أدى إلى عدم وضوح الصورة حول المجتمع الجزائري
لأكثر من مرة قابلت أناسا يعتقدون أن 90% من كلام الجزائريين هو باللغة الفرنسية، هذا ما كان يزعجني و هو ينافي الواقع المعاش حاليا. في الطرف الآخر عندما انتقلت للعيش في الجزائر و في الأشهر الأولى لم أكن أتقن اللهجة الجزائرية جيدا ،فكنت في أغلب الأحيان أقابل بحسن تعامل وضيافة من قبل الناس و حتى زملاء الدراسة، فالسوري بحسب الكثير ممن قابلتهم هو ذلك الإنسان اللبق البشوش المحترم و الشام هي بلاد العراقة والتاريخ والإرث الحضاري الكبير ،رغم أن تلك النظرة شهدت تغييرا طفيفا بسبب قدوم العديد من السوريين هاربين من ويلات الحرب و الذين أقدم بعضهم على تصرفات “أؤكد أنها فردية” خاطئة ربما شوهت الصورة قليلا من تسول محترف أو لربما سوء تعامل و إلى ما هنالك، ما يزعجني هو تعميم بعض المواطنين الجزائريين لهذه الأخطاء الفردية على عامة الشعب السوري، كلام البعض عن تفاصيل الأزمة السورية بتعصب و تمسك بالرأي دون سابق معرفة من أغلبهم عن حقيقة الأزمة استفزني في أكثر من موقف ما أدى إلى تجنبي للنقاشات السياسية حول الأزمة السورية هنا .في نهاية الأمر أعتقد أن خوض رحلة الحياة بهويتين تجربة جميلة رغم صعوباتها ،حافلة بالأحداث و التجارب و المعارف المكتسبة.