الأرشيف

خُصلة بيضاء!

« كلً منا يري الحدث بعيناه »

والدة (دينا) : لا أستطيع أن أجزم أن ما رأيته كان حقيقة بالكامل، من الصعب إدراك كل شئ وأنت نصف نائم.. قد يكون ذلك جزءاً من حلم ما وربما خلط عقلي بين الحلم والواقع.. رأيت إبنتي دينا امام المرآة تقف لثوان، بالطبع لم تكن إبنتي التى أمامي، بل إنعكاس صورتها على المرآة، يقف إنعكاسها مُنتصب الظهر وعيناها تلمعان بشئ من السعادة.. ولكن ما إنتبهت له هي تلك الخُصلة البيضاء التى تدلت من بين شعرها الأسود المصفوف.. أنا بسن الأربعة والأربعين ومازال شعري يحتفظ بلونه الطبيعي وكذلك زوجي الذى تجاوز الخمسين فكيف لإبنتنا التى لم تُكمل عامها العشرين بعد أن تشيب ؟. قاومت النعاس ولكنه إنتصر بالنهاية ولم أشعر بشئ !

حارس المبني : كُنت أحتسي الشاي وأدخن سيجارتي أمام باب المبني، خطر ببالي أنني لم أرَ  النجوم مُنذ كُنت بالتاسعة من عمري.. ليس من عادتي السهر وربما جذوري الأمازيغية هي من أجبرتني على ذلك.. النوم فى التاسعة والإستيقاظ مع شروق الشمس، تثائبت وإرتشفت القليل مع كوب الشاي وبدأت أدندن أغنية توقفت في مُنتصفها، بدأت أسمع صوت خطوات أقدام على الدرج وظهرت أمامي دينا التى تسكن بالطابق الثالث، ترتدي سُترة خضراء وبنطال من الجينز وبالطبع لم أعلم من أين أشترت تلك الأشياء السخيفة، لما قد ترتدي فتاة بمثل أنوثتها تلك الملابس التى تفضحها ؟ رحمة الله على خِمار والدتي الأسود الطويل. إن كانت إبنتي سترتدي مثلما ترتدي دينا عندما تصبح بعمرها فربما علقت رأسها على باب المبني، ولكن مهلاً ؟ هل تشيب فتيات المدينة بتلك السرعة ؟ لما تلك الخُصلة البيضاء تتدلي من رأسها ؟ سألت نفسي مراراً بلا جواب، رُبما تلوث تلك المدينة يجعل المرء يشيب سريعاً، سأعود للريف فهناك لن تشيب بنتي ولن ترتدي تلك الملابس عندما تُصبح بعمر دينا.

نادر : كُنت أعدل من وضع إطار نظارتي فوق أنفي ولم أنتبه أنني صدمتها بكتفي، قلت بأسف حقيقي، “أنا أسف !” ، ورفعت رأسي لأجدها هي، دينا.. تلك الفتاة التى تمنيت كثيراً ان أتحدث معها مُنذ رأيتها لأول مرة من نافذة غُرفتى، “لا عليك” قالت لي بجفاف، وأكملت طريقها.. بدأت أتحسس كتفي الذى إصطدم بها، هل سيُنقل عِطرها لقميصي ؟ قربت أصابعي لأنفي أشم عطرها ولمحت شعرة بيضاء بين كفي، دينا قد شابت ! كيف ؟ لا يُمكن أن يشيب مِثلها بيولوجياً، فهي لم تُكمل عامها العشرين بعد، كما لا يُمكن لتلك الفتاة أن تصبح قبيحة، التجاعيد لن تقوى على تشويه وجهها.. بالتأكيد سيُشفق الزمن على أمثالها. حتي وإن لم يُشفق سأظل أحبها، فهي بالنهاية ستظل دينا !

رؤى : عندما دلفت دينا باب المقهي لم أعرفها بالبداية، ولكن عندما إقتربت تعرفت على وجهها، تصنعت الفزع وضحكت فى نفسي، “دينا ! ماذا حدث لشعرك ؟”.. “لا أعلم إستيقظت لأجده هكذا.”، المزيد من الضحك فى نفسي. ها قد تشوه جمال تلك الصبية، الجميع ينظر لها مُنذ أعوام والأن دوري.. سأرافق أجمل وأغني فتي قبلها، وسأتزوج قبلها وأنجب ولداً قبلها.. ستظل تنظر لي بحسد وتتمني أن تُصبح مكاني فى يوماً ما.. دينا قد شابت وتلك الخصلة البيضاء هي الدليل، والآن علي أن أتصنع الحسرة والخوف أمامها، سأنصحها ببعض الأدوية التى لن تفيد وسأضحك كثيراً.. أحتسي قهوتكِ يا دينا ، وأحتسي المُر كما أحتسيه قبلك.

سامي : كان مذاق القهوة سيئاً، ولكن ذلك لا يُهم.. نظرت عبر زجاج المقهى لسيارتي، أوووه تبدو جميلة كما كانت، انه الوقت المناسب لملأ مقعدها المجاور لي بفتاة.. ما أجمل القيادة بجوار فتاة والذهاب بها لبيتي، فتاة جميلة، ناعمة، ذات مؤخرة كبيرة، أهناك شئ آخر أفضل من ذلك ؟ تناقلت عيناي تتفحص الفتيات بالمقهي، حتي سقطت على تلك الفتاة ذات الخُصلة البيضاء.. كانت تبدو جميلة لولا تلك الخُصلة، رُبما فُزعت ذات مرة عندما وجدت والدها ينام بجوار امرأة، ولما والدها ؟ فلنقل زوجها، خطيبها، خليلها، وربما تعرضت للإغتصاب ذات يوم، ولما الإغتصاب.. رُبما وافقت على ذلك فى مقابل مادي، أراهن على ذلك الإحتمال.. ولكن لا رغبة لي بدعوتها، فربما تطلب ثمناً كبيراً.

سائق التاكسي : مسدت لحيتي الطويلة، وإختلست النظر للجالسة بجواري “استغفر الله” سيسامحني الله علي تلك النظرة بالتأكيد، ولكن لما قد تظهر خُصلة بيضاء على رأس فتاة شابة ؟ “فليحفظنا الله” . لما لا ترتدي الحجاب ؟ بالتأكيد أنه عقاب من الله لعدم إلتزامها. “فلترحمنا يا الله”.

والدة (دينا) : سمعت باب الشقة يُفتح، فهرعت ناحيته لأجد إبنتي دينا أمامي، سألتها عن الشعر الأبيض فضحكت وقالت لي، “أمي، انها مُجرد خصلة من شعر مُستعار” . سألتها، “ولما تضعينها ؟” “كان شكلها يُعجبني وهذا كل شئ.. لقد ظنت رؤى أنها حقيقية، كما أن من في الشارع ظل ينظر لي بفزع”. “هذا ليس مُضحكاً يا عزيزتي”. “البشر مُضحكون للغاية، ينظرون ويتخيلون ورُبما يتصرفون وفقاً لتوقعات برأسهم بلا أساس”. نزعت إبنتي الخُصلة البيضاء، وظلت تضحك !

سمية أونيسي

مقالات ذات صلة

إغلاق