آراء وتحاليلالأرشيف

فريد بوشن:لكل مرحلة منطقها ومبرراتها السياسية

إلى الزميل والأخ مهدي بسيكري أتوجه إليك للرد على مقالك في جريدة الطريق نيوز, والتي نحيي  بالمناسبة القائمين عليها نظير المجهود الراقي الذي يقومون به, ويسهرون على رسم خريطة النقاش والحوار بين النخب بغية تحقيق أدنى شروط الثقافة التواصلية وثقافة الحوار البناء والإيجابي وإرساء أجمل قيم النقاش المحترم في إطار احترام الرأي والرأي الآخر.

يكفي أن تكون منطقيا وقارئا جيدا للمشهد السياسي الجزائري حتى تدرك مفاتيح اللعبة السياسية وتداعياتها على المجتمع والأفراد والنخب, وبالتالي فإن مسألة  الانتخابات التشريعية المقبلة, ليس مهما التعمق في قراءة خيار المقاطعة أو المشاركة لدى الطبقة السياسية المعارضة بقدر ما يهمنا نحن كنخبة طموحة أن نركز على النتائج والمعطيات والأهداف التي بوسعها إصلاح ولو نسبيا ما أفسدته السلطة الشمولية منذ أكثر من نصف قرن.

ففي السياسة والتي ليست علما دقيقا أو كلاما ربانيا يكفي أن تدرس مستجدات المرحلة ودراسة الخريطة الجيو-سياسية, والأخذ بعين الاعتبار الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للبلد حتى تتبنى موقفا أو تتخذ رؤية صريحة ومناسبة لشكل ولون المرحلة المعاشة, وهذا لا يعني أن لا مكان للمبادئ والمواقف والمشاريع في العمل السياسي, بالعكس لكن ما أردت قوله, أن المواقف والخيارات السياسية تتغير بتغير الظروف والمعطيات, بحيث لو عدنا لخيار مشاركة أطياف المعارضة وخاصة تلك المنضوية في تنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة, نجد أن الطبقة السياسية تملك من الوعي الوطني ما يؤهلها لقيادة قاطرة التغيير التدريجي والحديث باسم تطلعات وطموحات المجتمع.

فالمعارضة برهنت في السنوات الماضية مدى قدرتها على مجابهة الجدار التعنت الذي ابتكرته السلطة عن طريق ميكانيزماتها الأمنية والدستورية وزبانيتها, بحيث تمكنت المعارضة برغم من اختلاف شواربها وإيديولوجياتها بالتأسيس للعمل الجماعي الموحد, وصاغت بفضل ذلك مبادرتين في غاية الأهمية “مزافران 1 ومزفران 2 “, إذن, والسؤال الذي يطرح نفسه: ما المانع إن اختارت المشاركة جماعيا في هذه الانتخابات, لتقوية صفوفها وتعزيز مكانتها تنظيميا وشعبيا وإعلاميا وسياسيا؟…

فمن خلال مقالاتي السابقة, ركزت كثيرا على هذا الحلم السياسي الشعبي, عملا بمقولة في الإتحاد قوة, ولم أقع بتاتا في مأزق التناقض, وربما ككل مواطن جزائري غيور على خيرات بلاده وألوانه ومكانته بين الأنام والأمم, اتخذت موقفا راديكاليا حيال هذه السلطة الطاعنة في السن والشرعية والكفاءة, وكنت من أشد الغاضبين على ما آلت إليه أوضاع البلد, لكن وبعد تفكير منطقي ومدروس جدا, وجدت أن السلطة في الجزائر لا تتحف لا بالشعب ولا بالأحزاب ولا بمشورة الإعلام, وأنها “السلطة” تستفيد من تناحرنا ونفورنا من أداء واجباتنا الوطنية والتاريخية, فلو قاطعت كل أحزاب المعارضة وحتى الموالاة هذا الاستحقاق فلن تتحرك شعرة واحدة من هيكل النظام. فإن كنا نتصور المعارضة بمشاركتها في الانتخابات كفرصة أمام السلطة لتبييض صورتها أمام الرأي المحلي والإقليمي والدولي, وأن بمقاطعتها لها سلاح فتاك لقهرها, فنحن أمام ضبابية في فهم مصير ومستقبل البلد, بحيث لا يمكن للطبيب معالجة المريض خارج عيادته أو في الشارع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي, بمعنى لابد أن يكون للمعارضة صوت واحد في المؤسسات الدستورية, وتدافع كجسد واحد عن أحلام الجزائريين والجزائريات, فحينها فقط قد تنبت زهرة الديمقراطية التي طال أمدها.

وأما بخصوص الشأن الداخلي للأحزاب, فإن لكل حزب مؤسساته وطريقة اختيار مواقفه,فعلى سبيل المثال حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية فهو حزب يستمد شرعية مواقفه من أعضاء المجلس الوطني الذي هو المؤسسة السامية التي تنظر في المبادرات والأطروحات والخيارات المقدمة, وكل عضو فيها يمثل رأي أغلبية مناضلي القواعد, ونفس الدأب بالنسبة للمدارس السياسية الأخرى, إذن فخيار مشاركة هذه التشكيلات في الانتخابات المقبلة نابع عن قناعة وثقة من مناضلي وأنصار قواعدها, وهؤلاء كذلك جزء من المجتمع  ويمثلون النسيج الديموغرافي للجزائر.

زميلي مهدي بسيكري كإعلاميين نحن نطمح للمثالية في ممارسة طقوس السياسة, لكن كلما حاولنا الاقتراب من ساحة اللعبة السياسية في الجزائر تتغير طريقة تجسيد مبادئنا في الواقع وكيفية تحقيقها, ولكن أبدا لا تتغير قناعاتنا التي ندافع عنا.

هذه الانتخابات تعتبر طريقة أخرى بالنسبة للمعارضة لتحسين صورتها وتنظيم تماسكها وتدعيم مكانتها, وكذا هي فرصة تاريخية لدحر أي تهديد أو انفلات أمني للأوضاع في البلد, وخاصة في الظرف الحالي بعد تدهور أسعار النفط وتدهور القدرة الشرائية للمواطن وظهور بوادر سياسة التقشف في الأفق. والأيام بيننا لنكتشف جميعا أن خيار المشاركة جاء كحزام أمن للبلد عامة وللنضال السياسي السلمي السلس.

تحياتي النضالية والصحفية.

الصحفي بوشن فريد.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق