“الله لا يسكن هافانا”
هو عنوان الرواية الجديدة للروائي الجزائري ياسمينة خضراء، تصدر الرواية في فرنسا عن “منشورات جوليار”، فيما أوكلت مهمة إصدار الكتاب في الجزائر لدار القصبة، احداث الرواية وتفاصيلها كانت نتاج رحلة للكاتب إلى بلد فيدال كاسترو، البيئة التي اختارها ياسمينة خضراء لروايته الجديدة تختلف عن أعماله الأدبية السابقة، لأول مرة يهرب الكاتب من مناخ ضفتي المتوسط ومن همومهما ومن معادلة الأمل واليأس في شماله وجنوبه، في هذه الرواية يأخذنا ياسمينة خضرا إلى جنوب أمريكا، إلى “عوالم كوبا”، إلى هافانا عاصمة الجنون والألوان. “الرومبا” هذا اللون الغنائي الذي رأى النور في شوارع هافانا وحاناتها كان الخيط الأول للرواية، فأحداث الرواية تنقلنا في تقلبات حياة “دون فويغو” أحد المغنيين الذي كان يسترزق من الغناء في المقاهي والحانات، يبلغ من العمر 59 سنة، يطرب أسماع مرتادي الحانة بأغاني من عمق معاناة الكوبيين وأفراحهم، يعيش على هذا النسق منذ 35 سنة، صورة الكوبي البسيط المحب للحياة، الهارب من أوجاعه اليومية، المقبل على الفرح بشراهة، انها صورة تعبيرية للكثير من الشعوب التي أرغمتها الظروف على العيش عكس الطريقة التي تشتهيها. تحمل الرواية في تفاصيلها الصغيرة سردا سياسيا أيضا، وترصد التغيرات التي طرأت على مجتمعات المعسكر الاشتراكي سابقا، ودخول الرأسمالية في يوميات تلك البلدان، وكيف أثرت سلبا على مجتمعات كانت ربما غير جاهزة للانتقال من نمط لأخر دون سابق إنذار، كذلك حدث لدون فويغو الذي وجد نفسه يفترش الشارع بعد أن انتقلت ملكية الحانة لشخص أخر، أو كما أتى في الرواية “خوصصة الحانة”،بدا المغني يبحث عن مكان أخر يشتغل فيه، لم يعثر على ركح آخر يسمح له بالغناء مجددا، فكل الملاهي كانت تطلب مغنيين شباب ووسمين لجلب السياح بعد أن فتحت كوبا أبوابها للعالم. إنها الحالة التي وجد فيها الكثير من العمال المسرحين من شركات وطنية أنفسهم فيها في الكثير من البلدان التي انهار فيها النظام الاشتراكي الذي كان تخفي فيه الكثير من الأنظمة عوراتها الاقتصادية، دون فويغو كان مثالا لمواطن دفع ثمن تغير غير متوقع في النمط الجماعي. “الحب”، أحد أعمدة الحياة والرواية، كان الحل الوحيد لدون فويغو للخروج من قوقعة اليأس الذي كان يعيش فيه، بعد لقائه مع “ماينسي” الفتاة الجميلة التي عاشت بدورها نفس العنف في التغير في حياتها، فكان لها دون فويغو سندا، رغم الفارق الكبير في السن، إلا أن علاقتهما توطدت و أصبحت قصة حب وسط محنة يعيشها بلد كامل، لكن شوارع هافانا كانت تزدان بالرقص والألوان، انه شعب كوبا لقد تعود على البكاء بسرور، لقاء دون فويغو وماينسي كان في حفل أقامه “الزعيم” فيدال كاسترو، وكأن حبهما أراد أن يكون مباركا ببركة عظيم كوبا، إن حبهما جزء من قصة الحب الكبيرة بين فيدال وأرض كوبا. بين دفتي الرواية، نجد حديثا عن الحب والموسيقى، السجن والسياسة، عن أزقة هافانا وشوارعها، عن البحر والبكاء، عن الفرح والهجرة، رسائل كثيرة بعثها ياسمينة خضراء عبر دون فويغو بطريقة هزلية في الكثير من الأحيان، رسائل جعلت شخوص الرواية جزائرية الهوية في بعض فصولها كانه يحكي بطريقة أخرى معاناة الجزائري أيضا في فترة ما، الرواية دعوة أيضا لاستقبال الحياة رغم صعوبة الظروف، امتزجت بحبكة سردية قوية وأسلوب ياسمينة خضراء الفريد من نوعه، “الله لا يسكن هافانا” عمل روائي عالمي بتوابل كوبية خالصة.