آراء وتحاليلالأرشيف
الانتخابات التشريعية 2017:ما هي الحلول المتاحة أمام المعارضة ؟
.
ليس فقط المال أو البحبوحة المالية من يحمي نفوذ أية سلطة شمولية في العالم, فهناك مقومات أخرى في غاية الأهمية تساهم في تغطية أشباح الأنظمة غير القابلة للتجديد, كعامل التفرقة في صفوف الجبهة المعارضة لها, بمعنى كلما جفت روابط الوحدة والتوافق في صفوف أحزاب المعارضة وقلة حيلتها بغض النظر عن الأنانيات المسيطرة عليها, وخاصة في مرحلة اقتراب أي استحقاق انتخابي هام على غرار الانتخابات التشريعية أو الرئيسية, كلما استغلت السلطة صاحبة القرار وأدوات الحكم والسيطرة على مجريات المشهد والرأي العام ذلك الضعف الممنهج لصالحها.
فحسب القراءات التاريخية العديدة في المشهد السياسي الجزائري, أكدت الحسابات أن السلطة عادة ما تخلق وسائل أخرى فعالة في تفتيت الأحزاب السياسية المعارضة لها, وأثبتت “السلطة” أنها تتحكم في أقدارها كاملة برغم من افتقارها للبحبوحة المالية جراء انخفاض أسعار النفط من أجل شراء الذمم والسلم الاجتماعي وكذلك الهدنة مع الشريك السياسي المعارض, وبالتالي لم يعد غياب عامل المال لدى السلطة مشكلا أو عائقا أمام احتكارها للقرار كما تزعم المعارضة أو بعض من أفراد النخبة الذكية في البلد, مادام أمامها مجموعة من الحيل والأدوات هي أكثر فتكا من توظيف المال, كالتفرقة وعدم تكامل صداقة الأحزاب مع بعضها البعض مما يؤدي لا محالة إلى إضعاف مكانتها بين الأوساط الشعبية وفقدانها لأكسوجين شعبي بالنسبة للمعارضة الملعونة شعبيا بسبب عدم تعلمها من دروس النظام السابقة.
فقبل أن نتوجه بلوم تلك الميكانيزمات التي تستعملها السلطة في الجزائر منذ الاستقلال عام 1962 ضد الشركاء السياسيين سواء قبل أو بعد التعددية الحزبية عام 1989, من توظيف القمع البوليسي واعتماد البوليس السياسي داخل هياكل أحزاب المعارضة بغية التشويش عليها, وتلقيح قراراتها وتمزيق مبادئها, ومنعها من أدنى الوسائل التي يتيحها القانون, لابد أن نقول أن حتى المعارضة وهبت للسلطة فرصا عدة من أجل إذلالها وقمعها والاستخفاف بها, وكي نكون منطقيين, لحد الساعة لا نعرف هل يحدث ذلك بإرادتها أو عن جهل منها, فالمهم علينا أن نقر بأن المعارضة تتحمل النصيب الأصغر من فشلها وضعف نفوذها, وعلى سبيل المثال, نجد السلطة تسعى جاهدة في كل مناسبة انتخابية بفرض منطقها والتضييق أكثر على خصومها السياسيين, وتوظف كما سبق وأن قلنا, تشتت المعارضة العاجزة حتى بصياغة موقف واحد حيال الانتخابات, فنجد كل حزب يسبح على هواه ويقرر وحده, مما جعل السلطة تتموقع بقوة وتحافظ على ديمومتها بكل أريحة ورداعة سياسية.
إذن, فبعدما ذكرنا أهم الأسباب التي تركت السلطة تستمر والمعارضة تتصحر, وأخال أن تلك الأسباب يعرفها الجميع بما فيهم أحزاب المعارضة, يتبادر في أذهان المؤمنين بالتغيير في الجزائر هذا الطرح, الذي يقول: هل ستفعلها المعارضة عام 2017 وتقاطع الانتخابات التشريعية جماعيا أو تشارك جماعيا؟..
أمام أحزاب المعارضة فرصة تاريخية أخرى, ربما لا تعوض في المستقبل القريب, لإبطال أية صفقة مع السلطة القائمة, والدفع بها عن طريق تكتلها في التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي وهو أكبر تكتل للمعارضة في تاريخ الجزائر للحوار والتفاوض على أرضية الانتقال السلمي والسلس للحكم, وذلك سواء بمقاطعاتها جماعيا للانتخابات التشريعية المنتظرة عام 2017 أو المشاركة فيها بشكل جماعي, لكن الموقف الصائب والأقرب إلى الممارسة السياسية المنطقية الذي ينبغي على المعارضة باتخاذه هو موقف المقاطعة في ظل تعنت السلطة ورفضها لكل المقترحات التي تقدمت بها المعارضة في السنوات الأخيرة بخصوص مقترحات حول قانون الانتخابات وضرورة إنشاء هيئة وطنية مستقلة للإشراف على انتخابات نزيهة وذات مصداقية بعيدة عن التنظيم الإداري للسلطة.
السلطة مررت مشروعها الخاص بخصوص الانتخابات, عدلت ما أرادت, وصادقت أجهزتها السياسية “حزبي الأفلان والأرندي” في البرلمان مؤخرا على قوانين مجحفة في حق أحزاب المعارضة, مثل اشتراط 4 بالمائة من الأصوات في آخر ثلاثة مواعيد انتخابية للمشاركة في الانتخابات, كذلك إنشاء هيئة وطنية يتم تعيين المشرفين عليها من قبل السلطة عكس مقترح المعارضة التي تريدها مستقلة ويتم الإشراف عليها أساتذة جامعيين و شخصيات مستقلة, غير متحزبة, ويتبعها إنشاء مرصد وطني مهمته مراقبة عمل هذه الهيئة, لكن سقطت كل طموحات المعارضة في فخ الأمل الممنوع, ولم تلق مطالبها آذانا صاغية لدى هذه السلطة التي تستخف كل يوم بها وتلعب معها لعبة القط والفأر.
إذن, من المعقول أن تفكر المعارضة اليوم بكل جدية وعقلانية بمصير العمل السياسي وتتخذ موقف مقاطعة الانتخابات جماعيا, لتصنع مجد التاريخ لها, وتسترجع الجبهة الشعبية التي ضيعتها في السنوات الماضية بسبب هكذا مناسبات مصيرية, وتنفض غبار الأنانية عن نفسها, وبالتالي حتى لا تقع في تناقض مع نفسها وأمام مواقفها الشهيرة.
صحيح مسألة الكرسي الشاغر لا يجدي نفعا أمام هذه السلطة, لكن اعمار برلمانها وتبييض صورتها داخليا وخارجيا لا يخدم مستقبل التغيير المنشود في البلد, فهل ستفعلها المعارضة لتتفق جماعيا على دخول التاريخ يا ترى؟.